Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Mar-2020

قانون الدفاع.. نظرة حقوقية*د.نهلا عبدالقادر المومني

 الغد

إنّ الربط بين فكرة انتفاء الحقوق والحريات خلال فترة إنفاذ قانون الدفاع هو توصيف لا يعكس الحالة القانونية والفلسفة العميقة لهذا القانون، الذي تأتي شرعيته ابتداء من وجود حالة استثنائية تهدد ممارسة الأفراد للحقوق وتمتعهم بها فيتم وضع قيود إضافية أو اتخاذ جملة من الإجراءات هدفها تجاوز هذه الحالة وصولا إلى العودة إلى الوضع القانوني الطبيعي فيغدو الأفراد قادرين على التمتع بحرياتهم وحقوقهم.
إن الانطلاق من هذه الفلسفة في النظرة إلى قانون يراه البعض سالبا للحقوق، يجعل منه قانونا يهدف كباقي التشريعات إلى صون الحقوق والحريات وتنظيمها، والتنظيم هنا قد يأخذ أبعادا أوسع وقد يصل الأمر الى تعطيل بعض الحقوق مثل الحق في التنقل أو غيره. ولكن الرؤية التي تنطلق منها هذه الإجراءات هي بالنتيجة رؤية حقوقية؛ فصون حقوق الإنسان يستدعي أحيانا اتخاذ هذه الإجراءات، وما نشهده اليوم من انتشار وباء عالمي يهدد الحق في الصحة للأفراد، وهو الأمر الذي يعني بالضرورة تهديد الحق في الحياة يقتضي مثل هذه الإجراءات.
هذه الفلسفة لحالات الطوارئ وما يستتبعها من تطبيق تشريعات أو إجراءات خاصة تم تأصيلها وتقنينها بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أكد في المادة الرابعة أنه في حالات الطوارئ المعلن عنها رسميا، يجوز للدول أن تتخذ في أضيق الحدود تدابير قد تؤدي إلى عدم تقيد الدولة بالتزاماتها المفروضة عليها بموجب هذا العهد فيما يتعلق بالحقوق الواردة فيه، إلا أن العهد ذاته وضع شرطا بألا تنطوي هذه التدابير على تمييز قائم على العرق أو اللون أو الجنس أو غيرها من الاعتبارات، لكن ما يستدعي التوقف مليا هو أن حالة الطوارئ بموجب العهد ذاته، وبغض النظر عن أسبابها، لا يمكن أن تكون سببا في تعطيل التمتع بطائفة من الحقوق تتمثل في الحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعدم جواز إخضاع أحد للاسترقاق أو العبودية، وعدم جواز حبس المدين لدين تعاقدي.
هذه الحقوق لا يمكن بأي حال أن تكون محلا للتعطيل أو المساس بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مهما كانت الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
مما يعني أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تقر بوجود حالات تستدعي الموازنة في بعض الأحيان، وترجيح حقوق أولى بالرعاية من غيرها، ولا يعني ذلك الافتئات على الحقوق المتبقية وإنما تعطيلها أو وضع قيود إضافية ليس إلا. وما يؤكد ذلك هو أن القرارات الصادرة بموجب قانون الدفاع قابلة للطعن والمطالبة بالتعويض.
يستدعي قانون الدفاع الذي يطبق لأول مرة في الأردن نظرةً حقوقيةً شموليةً بعيدا عن الأحكام المسبقة أو الأفكار المنمطة بأنه قانون ينسف فكرة الحقوق والحريات؛ فالتشريعات عموما وابتداء الأصل فيها أنها أداة ملزمة لحماية الحقوق والحريات في الحالات الطبيعية أو الاستثنائية منها، ويبقى الإيمان بحقوق الإنسان ومدى تجذر ثقافتها لدى الأنظمة والشعوب هو الفيصل في تطبيق التشريعات والتعامل معها.