Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Jul-2017

زرّاع الأمل - بلال حسن التل
 
الراي - سألني مستغرباً ما فائدة هذا الذي تفعلونه في جماعة عمان لحوارات المستقبل؟ وهل تظنون أنكم قادرون على تغيير شيء من الواقع الذي نعيشه، وأهم ملامحه حالة اللامبالاة التي نعيشها ونمارسها أفراداً وجماعة، وهي حالة ولدت في مجتمعنا ممارسات منفلتة من كل الضوابط القانونية والأخلاقية، بدليل هذه الموجة من العنف الاجتماعي التي نعيشها آناء الليل وأطراف النهار وجرائم قتل لأبسط الأسباب، ومشاجرات في الشوارع والمقاهي والمكاتب، حتى جامعاتنا ومدارسنا لم تنج من هذا الوباء الخطير، وبدليل هذا التفلت من النظام العام حتى وصل إلى غش الدواء والغذاء، لهثاً وراء المكسب حتى لو كان حراماً، وبطرق ملتوية من بينها الإتجار بالبشر، بصوره المختلفة «دعارة وأعضاء بشرية» يهون أمامها عند البعض الإتجار بالمخدرات، بعد أن صار الإتجار بالتعليم أمراً عادياً..
 
وأضاف السائل إن حالة اللامبالاة هذه واحدة من نتائج حالة الإحباط التي نعيشها، والتي صارت سمة من سمات مجتمعنا، الذي صار الناس فيه بلا أمل من أي شيء، مستسلمين لما هم فيه من سوء الحال، ينتظرون سوء المآل، بل إن بعضهم صار يستعجل سوء المآل بالانتحار الذي صار ظاهرة ملفتة في مجتمعنا يتساوى فيها أولئك الذين ينتحرون بإلقاء أنفسهم من فوق الجسور أو المباني العامة، وأولئك الذين يلقون أنفسهم بأتون تنظيمات التطرف والإرهاب، مثل داعش وأخواتها اللواتي صار تواجد الأردنيين فيها لافتاً لمراكز الدراسات الدولية، دون أن يرف لنا جفن وكأن الامر لا يعنينا إلا بمقدار ما يدخل إلى جيوب البعض من عائدات التمويل الأجنبي بزعم مكافحة آفة التطرف في قاعات الفنادق الفارهة.
 
ومضى السائل يعدد أسباب حالتي الإحباط واللامبالاة التي نعيشها، فعرج على إدارة ظهر الحكومات لواقع الناس وانقطاع التواصل بينهم وبينها، حتى صاروا يشعرون أنهم بلا حكومة، بعد أن تخلت السلطة التشريعية عن دورها الرقابي، وصار هم جل من فيها تحقيق المكاسب الشخصية.
 
لم يتوقف تعدد السائل عن أسباب حالتي الإحباط واللامبالاة التي نعيشها عند الأسباب الداخلية الاقتصادي منها والاجتماعي، بل عرج على الأسباب الخارجية، وأهمها هو أن الأمة على نفسها وعلى الناس، بعد أن مزقتها الأهواء «شذر مذر» فصارت أمة من المتناحرين الذي يستقوي بعضها على بعضها الآخر بالأجنبي الذي استباح أوطاننا.
 
قلت يا صاحبي إن كل هذا الذي قلته وأكثر منه من مظاهر الواقع الذي نعيشه، أسباب موجبة لقيام جماعات مثل جماعة عمان لحوارات المستقبل للمساهمة في التصدي لواقعنا، ومحاولة إيقاف تدهوره، ومن ثم بدء عملية الإصلاح، وقد علمتنا الحكمة الإلهية إنه إنما يبعث الأنبياء لهداية المجتمعات الكافرة، مثلما علمنا تاريخ البشرية أن المصلحين يظهرون في المجتمعات الفاسدة، وأن حركات الإصلاح هي حاجة يفرضها وجود خلل يتلمسه بعض أبناء المجتمعات التي يقع فيها الخلل فيتصدون لإصلاحه.
 
هذه واحدة أما الثانية فهي أننا أبناء ثقافة الأمل، الذي هو جزء من عقيدتنا السماوية ففي كتاب الله « ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون» وفي كتاب الله « قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله» بل لقد ذهب الصحابة وبعدهم الفقهاء إلى أن اليأس من الكبائر، وأن الهلاك في اثنتين «القنوط والعجب» وقال بعض المفسرين أن القنوط هو القاء النفس بالتهلكة.
 
أما في السيرة النبوية التي هي شرح كتاب الله ومنهج حياة الإصلاح والمصلحين، فالأمثلة فيها كثيرة على أهمية الامل، المقرون بالعمل حتى في أشد ساعة الهول، ويكفي هنا أن نتوقف عند قوله عليه السلام « إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، وهو حديث نبوي يؤشر إلى واحدة من أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الإنسان، وهي الإيجابية المقرونة بقيمتي الأمل والعمل في لحظة الشدة والضنك، التي تصل فيها القلوب إلى الحناجر، ومع ذلك فإن المطلوب من الإنسان مواصلة العمل من أجل تغيير واقعه وإنجاز مهمته في الحياة، دون أن ينتظر النتائج على قاعدة «زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون».
 
ياصاحبي لولا الأمل لما صبر الطبيب على مريضه في غرفة الإنعاش، وكم من مريض خرج من غرفة الإنعاش أقوى مما كان قبل مرضه افتستكثر على أمتنا أن تخرج مما هي فيه، وقد قضى ربك أن «تلك الأيام نداولها بين الناس» ومن أجل هذا التداول نعمل في جماعة عمان لحوارات المستقبل، وقد علمنا تاريخنا أن أمتنا مرت بما هو أسوأ مما هي فيه الآن، لكنها خرجت منه على يد زرّاع الأمل الذين خرجوا من بين ظهرانينا نسأل الله أن نكون منهم.
 
Bilal.tall@yahoo.com