Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Mar-2020

العالم من ووهان: من يوميات الإغلاق

 الغد-وانغ شيوينغ* – (لندن ريفيو أوف بوكس) 5/3/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
عندما اندلعت أزمة فيروس “سارس” SARS في العام 2003، كنت في كلية الدراسات العليا. ولم تكن شنغهاي منطقة ساخنة؛ حيث أصيب ثمانية أشخاص فقط من أصل سكان يبلغ عددهم 17 مليون نسمة. ولم يكن الحرم الجامعي خاضعاً للحجر الصحي، ولم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي لتنشر الحس بالخطر. وجاء الصيف، وتلاشى الفيروس.
أصاب فيروس كورونا المستجد -SARS-CoV-2- مسبقاً عدداً من الأشخاص أكثر مما أصاب الـ”سارس”. وإلى جانب الرئتين والجهاز التنفسي، يمكن أن يؤثر هذا الفيروس أيضاً على المريء، والقلب، والكليتين، والأمعاء الغليظة والمثانة. والحصول على تشخيص مؤكد ليس سهلاً دائماً: فحوصات الدم غير موثوقة؛ واختبار الحمض النووي القياسي، الذي يستخدم مسحات من الحلق أو الأنف، ينتج معدلاً مرتفعاً من التشخيص السلبي الكاذب -خاصة في خضم حالة الطوارئ الصحية العامة، عندما يتم فحص أعداد كبيرة من الأشخاص في فترة زمنية قصيرة وفي ظل ظروف يصعب ضبطها. وقد يعاني المريض من السعال أو الحمى، أو ضيق التنفس -لكن هناك أيضاً الكثير من حالات العدوى التي تكون من دون أعراض ظاهرة، مما يجعل احتواء انفجار تفشٍ للمرض أكثر صعوبة.
 
* *
تم إغلاق ووهان؛ عاصمة مقاطعة هوبي، حيث ظهر الفيروس، في 23 كانون الثاني (يناير). ومنذ ذلك الحين، سيطر التضليل الإعلامي على حياة الصينيين. قبل الإغلاق، قال الخبراء إنه لا يوجد دليل على انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، وبالتالي لا داعي للذعر. واستمر العمل كالمعتاد، فاستضافت ووهان حدَث الـ”جلستين”، وهو تجمع سنوي للفروع الإقليمية للـ”مجلس الوطني الصيني لنواب الشعب”، و”المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني”. وأقام أحد أحياء المدينة مأدبة جماعية لأربعين ألف أسرة، مع تقديم رقم قياسي عالمي بلغ 13.986 طبقاً، لاستقبال السنة الصينية الجديدة المقتربة: لا حاجة إلى إحباط الكثير من الناس الطيبين بالتحذيرات غير المناسبة بشأن الصحة العامة.
ثم، تم فرض الإغلاق في اليوم السابق لعشية رأس السنة الجديدة، وعند تلك النقطة -كما كشفت البيانات التي تم جمعها من تطبيق خرائط “بايدو”، والمثبَّت على كل هاتف ذكي تقريباً- كان خمسة ملايين شخص قد غادروا المدينة مسبقاً، عائدين إلى مناطقهم الأصلية لرؤية العائلة، أو ذاهبين إلى الخارج لقضاء العطلة. وبدأت المستشفيات في ووهان في إرسال رسائل على تطبيق “ويبو” Weibo والتي توجه فيها نداء للمساعدة العامة: كان ذلك وضعاً لم يعد بإمكانهم إدارته. وكان كل ذلك بمثابة صدمة. فبعد إصرارها المتكرر على أن كل شيء تحت السيطرة، كانت السلطات تضع الآن ما يقرب من تسعة ملايين شخص تحت الحجر الصحي إلى أجل غير مسمى -في رد فعل مفرط بطريقة غريبة، كما شعر الكثيرون. وسرعان ما تمت تعبئة البلد بأكمله لجمع التبرعات من الأموال واللوازم الطبية -الكمامات؛ البدلات الواقية؛ نظارات السلامة؛ القفازات المعقمة؛ واللوازم الخاصة للطبيبات والمسعفات. ووصلت فرق من الأطباء من كل مقاطعة في الصين للانضمام إلى هذا الجهد، وتم نشر جيش من المهندسين لبناء مستشفيين جديدين في غضون عشرة أيام. وشاهد ملايين الناس المباني وهي ترتفع.
لكن المستشفيات -المزيد والمزيد منها- استمرت في إطلاق نداءات طلب المساعدة. وبدأ الناس يتساءلون أين تذهب كل هذه الأموال والإمدادات. ومن المفترض أن يقدم الشعب الصيني التبرعات من خلال الصليب الأحمر، الذي يوجه الموارد بعد ذلك إلى حيث تشتد الحاجة إليها. لكن الصليب الأحمر في الصين يُعرف أيضاً باسم “القمل الأحمر”، بسبب سلسلة من الفضائح واتهامات الفساد التي خالطته. وكانت القنبلة بشكل خاص هي قصة “غو ميمي” Guo Meimei في العام 2011. وفيها، شوهدت امرأة شابة جميلة زعمت أنها مديرة في الصليب الأحمر -احتوى ملف تعريفها على موقع “ويبو” على شارة تحقق زرقاء تؤكد ذلك- في جميع أنحاء شبكة الإنترنت وهي تتباهى بأكياس مشترياتها من ماركتي “مازيراتي” و”هيرمس” وبنمط حياة باذخ بشكل عام.
وعندئذٍ، ثارت ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي: تم التطفل على خصوصيتها وفضحها والتنمر عليها، ووُصفت بأنها “المرأة المحتقرة أكثر ما يكون في الصين”. ربما لم تكن لها علاقة رسمية بالصليب الأحمر -كان ارتباطها الفعلي أكثر غموضاً- لكن تلك القصة لفتت الانتباه إلى العديد من الشركات التجارية التابعة المشبوهة للمنظمة والمال الذي يتم صرفه ببذخ هنا وهناك. ولم تتعافَ سمعة المنظمة بشكل كامل. بعد الفضيحة، تم تعيين رئيسة جديدة، زهاو بيغ، التي وعدت ببذل كل ما يلزم لاستعادة ثقة الجمهور. لكنها فشلت فشلاً ذريعاً. وعندما غادرت المنصب في العام 2014، لم تقل ولا كلمة واحدة لوسائل الإعلام. ويقول الأشخاص الذين عرفوها إنها تعرضت للتثبيط والأذى من الغوغاء عبر الإنترنت: بغض النظر عما فعلت، فإن ذلك لم يبدُ لهم جيداً بما فيه الكفاية. ويتساءل المشككون عما إذا كانت قد فعلت الكثير من الأساس.
لدى الصليب الأحمر في ووهان، مثل الفروع المحلية الأخرى، عدد قليل من الموظفين -لا يزيد على اثني عشر شخصاً أو نحو ذلك. وفي ظل الظروف العادية، فإن الوظيفة هناك بطالة مقنّعة -يتم الدفع لك مقابل عدم القيام بأي شيء. وتتساوى الرواتب هناك مع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وإنما مع عدم شرط لإجراء اختبار الخدمة المدنية الصعب. لم يتم اختبار قدرة الموظفين على التعامل مع حالات الطوارئ في أي وقت من قبل. وسرعان ما غمرهم سيل من التبرعات، وكان من الواضح أنه لم تكن لديهم أي فكرة عن كيفية تخصيص الموارد بكفاءة -أو أي فكرة عن أي شيء على الإطلاق. ووصلت الطرود من جميع أنحاء العالم وتم تكديسها في المستودعات من دون توثيقها أو فرزها. وكان يُطلب من عمال المستشفيات إصدار خطاب رسمي قبل أن يتمكنوا من أخذ الإمدادات، بحيث يضطرون إلى غربلة جبال من الصناديق للعثور على ما يحتاجون إليه. وثمة منظمة غير ربحية أخرى مدعومة من الدولة، “اتحاد ووهان الخيري”، والتي تلقت حوالي ثلاثة مليارات يوان -أكثر من 300 مليون جنيه استرليني- من التبرعات العامة. وبعد أسئلة لا نهاية لها على وسائل التواصل الاجتماعي عن كيفية تخطيطها لاستخدام الأموال، قررت المنظمة ببساطة تسليم 2.7 مليار إلى الحكومة البلدية. وكانت الرسالة التي أرسلها ذلك كما يلي: “هذا مقدر كبير من المال ومسؤولية كبيرة علينا. سنأخذ 10 في المائة، وسوف تتولون الباقي”. وبطبيعة الحال، كانت حقيقة أن بعض الأموال لم يكن سيتم صرفها على الإطلاق مجرد” إشاعة”، وتم نفيها رسمياً.
* *
هناك “إشاعات” لا نهاية لها والتي ما يزال ينبغي تبديدها. قيل لنا ذات يوم إن الأطفال هم أقل عرضة للإصابة بالفيروس، وفي اليوم التالي قيل إن النساء الحوامل والأطفال أكثر عرضة للإصابة. في أحد الأيام يقولون إن الفيروس لا يستطيع البقاء خارج الجسم، وفي اليوم التالي يقولون إنه يمكن أن يعيش على الأسطح الصلبة لمدة تصل إلى خمسة أيام. في أحد الأيام نعرف أن الفيروس قادر على الانتقال في الهواء عن طريق السعال أو العطس، وفي اليوم التالي يقال لنا إن هذا ليس شيئاً ينبغي أن نقلق بشأنه. ووفقاً لإحدى النصائح -التي ربما صدرت على أساس أن الناس لا يستطيعون العيش على الأخبار السيئة وحدها- فإن فرص الإصابة بالعدوى ربما تقل مع الشرب المعتدل للكحول. وفي مواجهة مثل هذا الإرشاد الرسمي المتناقض والمتغير، يعمل عدد لا بأس به من الأشخاص -وخاصة الشباب- بلا كلل لتحدي الإشاعات التي تنتشر عبر الإنترنت. وهي مهمة غير مجزية؛ حيث يتم تقويض محاولات تبديد الإشاعات على الفور باعتبارها إشاعات بحد ذاتها. ولذلك يسجل الناس بدقة التسلسل الزمني للمشاركات المشبوهة ويطابقونها مع الأحداث ويتعقبون مصادرها -كل ذلك على أمل أن تتمكن الأخبار المفيدة من إغراق الأخبار الكاذبة.
كما تعمل آلة الرقابة أيضاً بلا كلل. وتتم مراقبة المزاج العام وتحليله باستمرار بواسطة الذكاء الاصطناعي، مع ابتكار إجراءات مضادة تتناسب معه. خذ، على سبيل المثال، حالة لي وين ليانغ. كان لي، وهو طبيب عيون في ووهان، من أوائل الذين حذروا الناس من الفيروس الجديد. وبعث في 30 كانون الأول (ديسمبر) برسالة إلى مجموعة من الزملاء حول احتمال تفشي المرض. وبعد ذلك ببضعة أيام، استدعته الشرطة ووبخته على “الإدلاء بتصريحات كاذبة أخلت بالنظام العام”. وواصل لي عمله في المستشفى، وفي 10 كانون الثاني (يناير) بدأ يعاني من أعراض العدوى. وفي 6 شباط (فبراير)، توقف قلبه. ونشرت العديد من وكالات الأنباء خبر وفاته على الفور، وبدأت البلاد في الحزن والحداد عليه. ولم يسبق لي وأن رأيت شيئاً من هذا القبيل على وسائل التواصل الاجتماعي: كان الجميع يشاركون القصة، ويشيدون بشجاعة لي كقارع شجاع لجرس الإنذار. وقال الكثيرون إنهم يأملون في أن يكون الخبر عن موته مجرد إشاعة، وإنه “ما يزال معنا”. ثم ظهرت فجأة معلومات جديدة: يبدو أن لي ما يزال يعيش على أجهزة دعم الحياة والمستشفى يعمل على إنعاشه. وعند هذا الإعلان، انقسم النادبون المُتَّحِدون سابقاً إلى معسكرات عدة: البعض يُصلّون بإخلاص من أجل شفائه؛ وآخرون يدينون تقارير وسائل الإعلام السابقة بسبب إعلان وفاته، ويصفونها بأنها “تزدهر على الدم البشري”؛ وكانت لدى بقيتنا شكوك حول ما يجري وكنا غاضبين. ثم سرعان ما انتهى هذا الخلاص الوهمي في الساعات الأولى من صباح 7 شباط (فبراير)، الذي أصبح التاريخ الرسمي لوفاته. إنك عندما تستيقظ لتسمع الأخبار نفسها للمرة الثانية، فإنك قد تظل غاضباً -وإنما ليس بالمستوى نفسه من الصدمة.
* *
منذ بدء إغلاق ووهان، كانت هناك توترات بين الحكومة المحلية والأجهزة المركزية للدولة. وهناك عبارة في الصين تصف الطريقة التي تتجلى بها هذه التوترات: عندما ينكر الجميع كل مسؤولية ويحاولون إعادة إلقاء اللوم على الآخرين، فإنهم يكونون منهمكين في عملية “تقاذف بالمقاليع”. أكدت حكومة بلدية ووهان أنها أبلغت عن الفيروس إلى هيئة الصحة المركزية في بكين بمجرد ظهور التفاصيل، وأن فريق خبراء بكين ردوا بإخبارهم بأنه لا يوجد دليل على انتقال الفيروس من إنسان إلى آخر، وأن تفشي المرض قابل للاحتواء. وقد اتبعت ووهان النصيحة التي قُدمت إليها وواصلت العمل كالمعتاد. وفي الأثناء، يصر الخبراء في بكين على أن ووهان لم تزودهم ببيانات موثوقة، مما جعل من المستحيل الاستجابة مع تقييم دقيق. وطارت مقذوفات المقاليع ذهابًا وإياباً لفترة طويلة حتى فقدت بكين صبرها. كان الأشخاص الذين يخضعون للحجر الصحي يطلقون عاصفة من النداءات على وسائل التواصل الاجتماعي على أمل تأمين سرير في مستشفى؛ وتم تجاهل المرضى المصابين بأمراض خطيرة أخرى أو حرمانهم من العلاج؛ وكان اليائسون من الذين يعانون يُدفعون إلى الانتحار؛ وشوهد كبار المسؤولين في الأخبار التلفزيونية وهم يستخدمون كمامات التنفس المتطورة N95 في حين ارتدى الأطباء في الخط الأمامي الأقنعة الطبية البسيطة التي تستعمل لمرة واحدة. ولم يعد من الممكن التسامح مع عدم كفاءة الحكومة المحلية، كما رأت بكين.
تم إرسال مبعوث إلى ووهان لتفقد الفوضى مع مجموعة من الصحفيين. ولم يستغرق الصحفيون أي وقت على الإطلاق للعثور على حافلة مليئة بالمرضى لإجراء مقابلات معهم، وإنما الذين لم يتم إبلاغ سائقهم بالوجهة التي سيأخذهم إليها. وسارت الحافلة لساعات، حتى وجد الصحفيون أخيراً مستشفى لهم. وفي اليوم التالي، تم استدعاء رؤساء الأحياء في المدينة ليمثلوا أمام المبعوث لتلقي التوبيخ: تم إجبارهم على الاعتذار والانحناء للمرضى الذين كانوا قد تجاهلوهم. والتقاذف بالمقاليع فن تحتاج إلى فهمه إذا كنت ترغب في إنجاز الأشياء في الصين. سواء أكنت تقوم ببناء مطار، أو تتقدم بطلب للحصول على منحة بحثية، أو تريد أن تدعو مواطناً أجنبياً لإلقاء محاضرة، سيترتب عليك ملء العديد من النماذج، والحصول على موافقة من العديد من الإدارات -بكل مطالبها المتنافسة- بحيث تخاطر بالوقوع في شرك في مكان ما في الوسط: أينما وليت وجهك، فإنك تخاطر بالتسبب بانزعاج أحد أو شعوره بالإساءة في مكان أو آخر. وفي مكان العمل أيضاً، يمكن لأي خطوة في الاتجاه الخاطئ أن تؤدي إلى استفزاز مشرف أو رئيس وتدمير مهنة، بحيث يكون من الحكمة في بعض الأحيان أن لا تفعل شيئاً على الإطلاق -أعني، إلى أن يضرب فيروس البلد.
بعد زيارة المبعوث، تمت إقالة سكرتير الحزب في مقاطعة هوبي من وظيفته على وجه السرعة، وطار عمدة شنغهاي، يينغ يونغ (الاسم الذي تتناغم قافيته في الصينية مع قافية كلمة “شجاعة”) إلى ووهان لتولي زمام الأمور. وفي اليوم التالي، ارتفع العدد الرسمي للإصابات المؤكدة حديثاً في هوبي، من 1.638 إلى 14.840. ومن المؤكد أن الفيروس لم يطور قوى خارقة فجأة. كان التفسير الطبي هو أنه تم تطبيق معايير تشخيص أكثر قوة. وكان التفسير الإعلامي هو أن الحقيقة سوف تظهر دائماً في نهاية المطاف؛ وكان التفسير السياسي هو أن هناك قائداً جديداً يريد أن يترك بصمته. أو يمكنك النظر إلى الأمر بالمفاهيم المصرفية: اجلب عناصر من خارج الميزانية إلى الميزانية العمومية واكشف عن الديون المعدومة، ثم قم بتعديل القواعد المحاسبية للتعويض عن الخسارة في النوايا الحسنة.
رأى الناس أهمية في حقيقة أن سكرتير الحزب الجديد في هوبي لديه خلفية في تطبيق القانون وسمعة في تنظيف الفوضى. ومثل غيره من كبار المسؤولين المعينين الجدد -تم استبدال سكرتير الحزب في مدينة ووهان في اليوم نفسه- فإنه يعرف من الداخل كيف تعمل البيروقراطية وكم هي طاغية. ويرسل هؤلاء الأشخاص إشارة إلى أنه لن يتم خداعهم بالأعذار المعتادة التي يستخدمها المسؤولون المحليون في الدفاع عن أنفسهم. لا مزيد من مقذوفات المقاليع الطائرة.
وافق مواطنو شنغهاي على “التبرع” برئيس بلديتهم، “بما أننا سنحتفظ بالدكتور زانغ”. أصبح زانغ وينهونغ، مدير قسم الأمراض المعدية في مستشفى هواشان في شنغهاي، بطلاً قومياً بسبب خطاب ألقاه في مؤتمر صحفي:
“لقد وضع أفراد فريق الإسعافات الأولية أنفسهم في خطر كبير. إنهم متعبون ويحتاجون إلى الراحة. يجب أن لا نفرط في استغلال الناس الصالحين. من الآن فصاعداً، سوف أستبدل جميع العاملين في الخطوط الأمامية بأعضاء من الحزب من مختلف القطاعات. ألم تقسموا جميعاً على وضع مصلحة الناس أولاً عندما انضممتم إلى الحزب، مهما كانت الصعوبات؟ لا أهتم بما كنت تفكر فيه حقاً عندما انضممت إلى الحفلة. حان الوقت الآن لأن تفي بما وعدت به. لا يهمني إذا كنت توافق شخصياً أم لا: إن هذا الأمر غير قابل للتفاوض”.
وسرعان ما انتشر فيديو خطابه بسرعة فيروسية، ولم يعد المواطنون المحليون يقايضونه بأي شيء. وعندما طلب الدكتور زانغ من الناس البقاء في المنزل، استمعوا إليه.
على الرغم من تهرب وإخفاقات الشخصيات البارزة في الحزب وأقطابه، كانت معركة شرسة تدور رحاها ويخوضها الناس على الأرض. كان أطباء الخط الأول يعملون تحت ضغط بدني وعقلي شديد. وكانوا يرتدون حفاضات للكبار حتى لا يضطروا إلى تضييع الوقت في خلع بدلات الوقاية من الخطر الحيوي وارتدائها عندما يذهبون إلى الحمام. وكان السائقون المتطوعون يجلبون الضروريات الطبية بينما ظلت شبكات النقل العادية معلقة. وكان الصينيون الذين يعيشون في الخارج يشترون مخزوناً من أقنعة الوجه في أوروبا وخارجها لإرسالها إلى عائلاتهم وأصدقائهم. وظهرت فجأة صورة لشاب لا يبدو عليه الانزعاج في سرير مستشفى وهو يقرأ كتاب “أصول النظام السياسي” لفرانسيس فوكوياما وانتشرت في جميع أنحاء الإنترنت. وذكرتني بصورة لثلاثة إنجليز وهم يختارون الكتب في ما تبقى من مكتبة “هولاند هاوس” بعد قصف “بليتز”. وتلقى الشاب الكثير من ملاحظات الحب.
* *
لعب الطب الصيني دوراً مريباً في كل هذا. ويعتقد الكثيرون أن الفيروس نشأ في سوق الحيوانات البرية في ووهان. وليست تجارة الحيوانات البرية وأكلها أمرأ غير شائع في آسيا، ويرجع ذلك في جزء منه إلى أن الطب التقليدي الذي يعتقد بأن بعض الأجزاء الحيوانية لها خصائص شبه سحرية. ومن المفترض، حسب هذه الوصفات، أن تساعد عضلات عنق حيوان البانغولين الأمهات الجديدات على إنتاج الحليب؛ وتساعد خياشيم السمك الرعّاد على تنقية الرئتين وتعالج جدري الماء؛ وستقوم الأعضاء الجنسية لذكور حيوانات الباندا والنمور والدببة بحيلة الفياجرا نفسها؛ ويمكن أن يجعلك القليل من دماغ القرد أكثر ذكاءً. لكن اللوم ألقي على سوق هذه الأطعمة المترفة أيضاً في انتقال الفيروسات من الحيوانات إلى البشر. وقد يكون الطب الصيني التقليدي قد أسهم في تفشي الوباء، لكن البعض يتشبثون بالأمل في أنه قد يأتي للإنقاذ هو أيضاً. في 31 كانون الثاني (يناير)، أعلن “معهد شنغهاي للمستحضرات الطبية” أن خليطاً عشبياً يسمى “شوانغوانغليان” shuanghuanglian قد يكون فعالًا ضد فيروس كورونا (كما قيل بالمثل ذات مرة من أن جذر البانلانج يعالج مرض الـ”سارس”). وسرعان ما أصبح “شوانغوانغليان” يباع أسرع من كمامات الوجه. الناس يريدون أن يصدقوا أن هناك علاجاً. صحيح أن الخلطة قد تهدئ التهاب الحلق -لكن المشكلة الوحيدة هي أنك قد تصاب بعدوى الفيروس أثناء اصطفافك في الطوابير لشرائه.
* *
الدوام في المدارس معلّق حتى إشعار آخر. ومع إغلاق العديد من أماكن العمل أيضاً، اضطر الآباء والأمهات الصينيون الغائبون عن العائلة بشكل ملحوظ إلى البقاء في المنزل والترفيه عن أطفالهم. وتصبح مقاطع الفيديو من الحياة تحت الحجر الصحي شائعة جداً على “تيك-توك”. ويفترض أن الأطفال كانوا سعداء بالعطلة من المدرسة -إلى أن تم تقديم تطبيق يسمى “دينغ توك”. ويُقصد منه أن يسجل الطلاب الدخول وينضموا إلى صفوفهم لتلقي الدروس عبر الإنترنت؛ ويستخدم المعلمون التطبيق لتحديد الواجبات المنزلية. وبطريقة أو بأخرى، عرف الصغار الأشقياء أنه إذا أعطى عدد كافٍ من المستخدمين للتطبيق تقييم نجمة واحدة له، فسوف تتم إزالته من متجر التطبيقات. وتدفقت عشرات الآلاف من هذه التقييمات، وتراجع تصنيف “دينغ توك” بين ليلة وضحاها من 4.9 إلى 1.4. وكان على التطبيق أن يتوسل الرحمة على وسائل التواصل الاجتماعي: “أنا في الخامسة من عمري فقط، أرجوك لا تقتلني”.
مع حبس الأزواج معاً 24 ساعة في اليوم/ 7 أيام في الأسبوع، سرعان ما تتصاعد الاحتكاكات الزوجية العادية إلى حرب شاملة. الشغالون في المنازل، الذين غالباً ما يكونون من المهاجرين، والذين خرجوا من المدينة خلال عطلة رأس السنة الصينية الجديدة، لا يستطيعون العودة إلى العمل -ولكن ما يزال يتعين على أحد أن ينجز الأعمال المنزلية. والرجال يتمددون على الأريكة ويلعبون ألعاب الفيديو أو يختبئون خلف جهاز حاسوب محمول ويتظاهرون بالعمل، في حين يظلون يتوقعون ثلاث وجبات في اليوم وملابس مغسولة حديثاً. وثمة نكتة شاعت هنا:
الزبون: لقد تم الحجر علينا أنا وزوجتي معًا لمدة 14 يوماً وقررنا العودة إلى العيش معاً! لا أريد المضي قدماً في إجراءات الطلاق. هل يمكنني استرداد الرسوم؟
المحامي: 14 يوماً… هممم… دعنا لا نتسرع: أعتقد أننا ما نزال في العمل.
* *
قلة هم الذين يستفيدون من الوضع. السياحة مشلولة -قد لا تتعافى صناعة الرحلات البحرية أبداً- والعديد من المصانع ومراكز التسوق والمحلات التجارية والمطاعم مغلقة. تعرض الاقتصاد لضربة قوية. إنه مثل قطار فائق السرعة ضُغطت فرامله دفعة واحدة. وسوف تفلس العديد من الشركات الصغيرة في غضون شهرين أو ثلاثة. ومع ذلك، وضد كل منطق، فإن سوق الأسهم قوية. شكراً لله على “اليد الخفية”.
أنا في المنزل الآن منذ شهر. أطلب الطعام بواسطة هاتفي الذكي ويقوم ساعٍ بتوصيله إلى بوابة المجمع. في الصين، انطلق التسوق عبر الإنترنت بعد ظهور مرض “سارس” في العام 2003، وأعطى لـ”جاك ما” الإلهام لتصميم “تاوباو”، وهو منصة تسوق عبر الإنترنت يعتمد عليها الجميع في هذه الأيام. والآن بعد أن انخفض عدد الإصابات المؤكدة، يستعد الناس للعودة إلى العمل. ويسمح لنا تطبيق يعرض خريطة للإصابات في الوقت الحقيقي بمراقبة ما إذا كانت هناك أي حالات قريبة.
يقضي أولئك منا في الحجر الصحي معظم وقتنا في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي والتعليق على القصص الإخبارية والإشاعات ونظريات المؤامرة. الناس على اليسار ينادون بتكوين جبهة موحدة ضد الفيروس. والليبراليون مصممون على مساءلة الحكومة عن كل ما حدث من أخطاء. وفي الغرب، يقول “معانقو الباندا” إنه ما من حكومة أخرى كانت ستبلي أفضل في ظل الظروف. ويهتف “قاتلو التنين” لتشجيع نهاية الحكم الشيوعي، كما يفعلون في كل مرة تحدث فيها مشكلة في الصين. ومهما حدث، لن تتغير هذه الجدالات.
(21 شباط/ فبراير)
*الكاتب شخص متشائم يحاول جاهداً أن يحجر على نفسه ذاتياً.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Word from Wuhan