Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Jan-2018

وقف الولايات المتحدة لتبرعاتها لـ‘‘الأونروا‘‘: الأسباب والمترتبات

 

د. محي الدين توق 
 
الغد- تناقلت الأنباء أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنوي وقف تبرعاتها الطوعية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). فإذا صحت هذه الأنباء فإن من شأن هذا القرار أن يضيف صفعة جديدة للعرب والفلسطينيين. فقد فاجأ ترامب العالم والعرب والفلسطينيين بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها، ولا يستبعد أن يقدم على هذه الخطوة استكمالاً لبرامجه الرامية لخلق واقع جديد في المنطقة، بدءاً بالقدس ومروراً بإذابة موضوع اللاجئين. وكما هو معروف فإن قضيتي القدس واللاجئين تشكلان العقبة الرئيسة أمام أي حل تفاوضي للقضية الفلسطينية، فبدون إيجاد حل عادل ومقبول لهاتين القضيتين لا يمكن التوصل إلى سلام دائم تقبل به الأجيال.
إن من شأن وقف الولايات المتحدة لإسهاماتها في موازنة الوكالة والبالغة حوالي ثلث الموازنة لعام 2015 البالغة 1.2 بليون دولار، معاقبة السلطة الفلسطينية، والدول المضيفة (الأردن وسورية ولبنان)، واللاجئين الفلسطينيين أنفسهم. حيث تقدم الأونروا خدماتها التعليمية والصحية والاجتماعية لما يزيد على خمسة ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة، يستفيد 3.1 مليون منهم من خدمات الرعاية الصحية و 500 الف طالب من الخدمات التعليمية و 300 الف شخص من خدمات شبكة الأمان الاجتماعي. وسيكون الأردن أكثر المتضررين من الدول المستضيفة، إذ يشكل اللاجئون الفلسطينيون في الأردن قرابة 2.18 مليون فرد أي ما نسبته 42% من مجمل اللاجئين الفلسطينيين، ويوازي هذا الرقم تقريبا نفس عدد اللاجئين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. يلتحق في مدارس الأونروا في الأردن البالغة 171 مدرسة قرابة 122 ألف طالب وطالبة، كما يبلغ إجمالي عدد الزيارات الطبية للمراكز الصحية التابعة للأونروا في الأردن والبالغة 25 مركزاً قرابة 1.5 مليون زيارة في السنة، كما يستفيد قرابة 60 الف فرد من شبكة الأمان الاجتماعي سنوياً.
كانت الولايات المتحدة ولا تزال أكثر المانحين للأونروا، يتبعها الاتحاد الأوروبي، فالمملكة المتحدة، فالمملكة العربية السعودية، إذ تقوم الولايات المتحدة بتغطية حوالي ثلث ميزانية الوكالة السنوية، وتكلفة ثلث البرامج الرسمية الثلاث (التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية). فإذا ما انسحبت من تمويلها لعمليات الوكالة، كما انسحبت من تمويل اليونسكو من قبل، فإن من شأن ذلك أن تضطر الوكالة لخفض خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين بشكل حاد، وإذا لم تقم الدول المانحة الأخرى بسد العجز الذي سينجم عن وقف التبرعات الأميركية قد تضطر الوكالة إلى وقف خدماتها في بعض الدول المضيفة في أسوء الأحوال، وقد تكون أكثر الدول المضيفة المرشحة لذلك الأردن ولبنان، إذ أن الأوضاع الخاصة في سورية وكل من الضفة الغربية وقطاع غزة قد يجعل من الصعب وقف عمليات الوكالة فيها. وبالتالي فإن هذا الأمر إذا ما حدث، سيكون عقاباً للأردن على مواقفه المبدئية والثابتة تجاه كل من قضيتي القدس واللاجئين، إذ إن الأردن لن يتنصل من تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين الذين هم أردنيو الجنسية، كيف لا والأردن لم يقصر يوماً مع اللاجئين الذين وفدوا إليه من العرب وغيرهم. إلا أن من شأن ذلك أن يضيف ضغطاً شديداً على الموارد المالية للدولة التي هي شحيحة أصلاً.
 ليس سراً أن إسرائيل تسعى بشكل حثيث إلى إنهاء الأونروا، ذلك أنها تجسد قضية اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم عبر السبعين سنة الأخيرة، وتعتبر تصريحات نتنياهو الأخيرة خير دليل على ذلك. كما أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تمارس فيها الولايات المتحدة ضغطاً على  الأونروا. فالضغوط التي مارسها الكونجرس الأميركي على الوكالة في منتصف تسعينيات القرن الماضي أدى إلى تخفيض كبير على خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية، كما تعرض برنامج التعليم لضغوط شرسة من قبل بعض الجمهوريين في الكونجرس بحجة أن مناهج التعليم في الوكالة تحض على الكراهية والعنف. واضطرت الوكالة نتيجة لذلك إلى إجراء دراسات موسعة حول مناهج التعليم المعتمدة آنذاك للتأكد من خلوها من إشارات على التحريض وانتهاكات لمبادئ حقوق الإنسان، تبين أثرها أن ما هو موجود في المناهج المعتمدة لا يقارن بما هو موجود في مناهج التعليم الإسرائيلية من كراهية وتسويغ العنف الموجه للفلسطينيين. والحق يقال أن هذه الدراسات قد زودت وزارة الخارجية الأميركية بما يكفي من الذخيرة لمواجهة ضغوطات الكونجرس الرامية لخفض مساعدات الولايات المتحدة للأونروا آنذاك.
لعب برنامج التعليم في الوكالة دوراً حيوياً في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال المنهاج الخفي، كما وحد مشاعر الطلبة الفلسطينيين تجاه وطنهم السليب في أماكن تواجدهم سواء في الدول المضيفة أو في دول الشتات الأخرى من خلال عشرات الآلاف من المعلمات والمعلمين المدربين تدريباً جيداً والذين يحملون رسالتهم الوطنية ويلتزمون بها، فلا عجب إذاً، أن يكون تقليص خدمات الوكالة وإنهاء عملها، إن أمكن، هدفاً رئيسياً لإسرائيل والمحافظين الأميركيين الجدد. ويستدعي هذا الأمر أقصى درجات الحيطة والحذر، ليس من قبل الدول المضيفة فقط، بل ومن كافة الدول العربية والدول المانحة على حد سواء.
إن الصورة في الولايات المتحدة الآن مختلفة تماماً، فساكن البيت الأبيض جمهوري محافظ يدين للصهيونية المسيحية في جزء من نجاحه في الانتخابات الأخيرة، كما أن الجمهوريين المحافظين يسيطرون على الكونجرس بغرفتيه، ووزارة الخارجية الأميركية تعجُ بالمتعاطفين مع إسرائيل.
لهذا الأمر ولأسباب أخرى لا بد للأردن أن يعمل بسرعة مع الدول المضيفة الأخرى، ومع الدول المانحة العربية (السعودية والكويت)، والاتحاد الأوروبي، والدول المانحة الرئيسية فيها (ألمانيا والسويد والنرويج وسويسرا، واليابان) لوضع الولايات المتحدة أمام مسؤولياتها الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني واللاجئين منهم بشكل خاص، خاصة وأن الأردن سيكون أكثر المتضررين من أي قرار تتخذه الإدارة الأميركية حول خفض أو وقف مساعداتها لوكالة الغوث.
 
*الكاتب أدار برنامج التعليم لوكالة الغوث في كل من الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وغزة.