Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-May-2020

أم السعيد تشفى من الكورونا

 الدستور-محمد عارف مشّة

 
دقت عقارب الساعة معلنة وصول الساعة الثالثة، ولم يخالط النوم جفني، أتراه ذلك الضيف الغامض كالعادة، أم أني أهذي؟ التفت إلى النافذة، مازال خلفها الظلام يسترسل في بعث أنوار القمر تارة، وأخرى يختطفها. قمتُ باتجاه النافذة أزحت الستارة، أمعنتُ النظر فلم أجد شيئا مريبا، السماء صافية تنثر دررها هنا وهناك، لتضيء الكون،وذلك القمر المتربع على عرشها مكتمل لا يشوب نوره شيء.
 
تأملته للحظة هناك، خاطبته كعادتي، وأنا وحيدة منزوية في غرفتي، قلتُ: أتعلم يا قمري كم تمنيتُ لو كان من عرفتهم مثلك في أناقتهم، في صمتهم، وقت حديثي معك، وابتسامتهم مثل ابتسامتك.
 
يزعجني أحيانا أنك لا تجيبني، لكن صمتك يعلمني أن الصبر أثمن عملة قد أشتري بها حلا لمشاكلي، أعلمُ أنك لن تنزعج من مناجاتي لك، ألا تريد أن تريد أن تهمس لي الليلة أيضا؟ لا بأس، سأكون بانتظار ذلك اليوم الذي تقرر فيه أن تشرفني بكلمات قد تذيب هذه القضبان الحديدية التي حبست فؤادي وحرمته التمتع بهمسك...
 
عاودتُ إغلاق النافذة والستارة، عدتُ لفراشي حيث قررتُ تجاهل الأرق، وهويتُ برأسي على الوسادة، أغمضت عيني وقررت الاستسلام للنوم. مرت دقائق صمت كانت أطول من أبشع دقائق مرت بحياتي، سمعتُ صوتا يهمس في أذني:استيقظي فمكانك ليس هنا... سآخذك إلى هناك الم تكوني تطلبين الراحة؟ الحقي بي إذن...
 
فتحتُ عيني بفزع، درتُ بنظري في زوايا الغرفة، التي كان ضوء الشموع يجعلها مظلمة وموحشة. سمعت الصوت ثانية، هذه المرة استطعت تمييز مصدره، كان آتيا من النافذة المؤصدة: قومي وانفضي عنك هذا الغبار.
 
أزحتُ عني الغطاء، قررتُ أن ألقي نظرة على خلف الستارة ثانية. هذا الصوت الذي ما انفك يزورني كل ليلة، ماذا يريد مني!
 
حملتُ جسدي وقد صار عبئا علي، وتوجهتُ إلى النافذة، مددتُ يدي كي أزيح الستارة، يد من الخلف شدّت يدي إلى الوراء، نظرتُ خلفي، وجدته يقف طويلا عملاقا، ولم أستطع رؤية ملامح وجهه، همستُ بخوف منكسر، فقط أريد فتح النافذة.
 
***
 
دون أن أرى وجه الزائر المتخفي خلف الستارة، أوصلت يدي بمقبض النافذة بين شقين، وما أن فككت قيودهما حتى هبت ريح قوية أعادتني خطوات إلى الوراء، وحطمت الريح بلور النافذة بسبب قوة اصطدام الزجاج بالجدار، فأطفأت ضوء الشموع. ووجدتُني أحمي وجهي بذراعي من قطع الزجاج والتي تناثرت من تحطم النافذة.
 
تراجعتُ للوراء،الستارة تلف جسدي، ألم يسر في جسدي كأنه السم يجري في عروقي. أنامل رقيقة تلامس خصري، تحملني في الفراغ عاليا، تداعب خصلات شعري، تلامس وجهي بخفة، همس من جديد يقول: أخيرا التقينا!.. الصراخ يعلو والضجيج يعم المكان.
 
لم أكن أستطيع رؤية شيء. الستائر البيضاء حجبت عني كل ما يحدث في الخارج، استغربت أني لم أسمع وقع أقدام حين فتحت النافذة،حاولت فتح عيني، كنت أرى نورا غير معتاد خلف الستائر، فتساءلت في نفسي: أتراه أنت يا قمري استجبت أخيرا؟، وأتيت لتخليصي من هذا العالم القذر؟ هل أحسست أخيرا بألمي وأردت مساعدتي؟ هل تراك فهمت أخيرا وعلمت انك ملاذي ومفري من كل ما يحيط بي؟
 
للحظات أحسست بعدها بتلك الأنامل تمر بخصري وتتجه صعودا على جسمي حتى وصلت رقبتي , ولامستها برقة ثم.... كادت تخنقني تلك اللمسات بشدة،ولم تكن لدي النية في المقاومة، حتى لو استطعت، كنتُ محمولة، ولا أملك جسدي، ولا قوة تحريكه، كنتُ متناثرة، لا استطيع تحديد مكاني، لا أمتلك سوى الإحساس بالألم، زاد تحكم اللمسات قبضتها أكثر، تحاول إيلامي أكثر، ولا أعلم أي ذنب ارتكبت بحقها لكني كنت أعلم أنها النهاية.
 
تمنيتُ أن لا يطول الأمر أكثر، حاولت أن أغمض عيني الجاحظتين، لكني لم أستطع، لم أكن أريد رؤية ملامح هذا الزائر بلمساته. فهويتُ كورقة خريف ذابلة، ودّعت فصولها أغصانها، فكان ارتطام الخفاش بجسدي أشد..
 
تلقفتني الأرض بعنف، أشبه بالتفافها لقنبلة دوت، فنسفت ما أحاط بها، لكن جسدي لم يحطم إلا نفسه، تسمرت جثتي هناك، لم أستطع الحراك، فقد كان ظهري قد أخذ نصيبه من حطام الزجاج ورأسي كفايته من بلاط الأرض.
 
رئتاي فقط اكتفتا من هواء يدخلهما، كنجدة أتت متأخرة لتجد الغريق يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولم تكن كل محاولاته تجدي نفعا، سوى أنها كانت تطيل عمر الألم..
 
في عز السكرات ألقيتُ بناظري إلى النافذة، لم تكن بي رغبة في رؤية أحد، بقدر رغبتي في وداع تلك اللمسات تلف جسدي وتخنق روحي.
 
لم يفارقني القمر، كان نوره الخافت يلامس أعلى وجهي، فيما أخفت الستائر ما بقي منه، كان القمر لحظتها متألقا ومميزا يليق بلحظة الوداع التي رسمها القدر، فأدركتُ ان الذي زارني هو الخفاش، كان زائرا من نوع آخر.
 
أغمضت عيني في هدوء ولم أعد أشعر بالألم. بعد مدة قصيرة أحسست بأياد تهزني بلطف، وصوت ينادي أفيقي يا أم السعيد.