Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Apr-2022

عبد الرزاق حسين والمتواليات السردية

 الدستور-الناقد محمد المشايخ

تتألف رواية (القطروز) للدكتور عبد الرزاق حسين، من ست عشرة متوالية سردية ، كل وحدة منها مركبة من مجموعة أحداث، تخضع في تتابعها لتطور متوالٍ، لتشكل وظيفة في أساسيات الذروة السردية.
أما كلمة « قطروز» فهي تركية الأصل، وتعني: (الذي يخدم بلا أجر، ولا يجد على خدمته الشكر، أو الرجل الهامشي الذي يُـؤمر فيطيع، بل هو المتبرّع أحيانا بالقيام بالعمل كي يحظى بالرضا).
مائتان وأربعون صفحة، أسهب فيها الروائي في الحديث عن ظلم ذوي القربى، وعن بطش الإنسان بوالديه، وبأشقائه، وبأقرب الناس إليه، بل وبمن أحسنوا له، ومن أنقذوه من جحيم الفقر ومن طبقته الدنيا، ورفعوه إلى العليا، وأحيانا يخون وطنه ومجتمعه، متعاونا مع الغرباء والأعداء، مقابل متعة دنيوية، يبيع من أجلها زوجه وأهله، لكن القصص التي تألفت منها هذه الرواية، كانت تعيد مستعبدي القطاريز والمسحوقين إلى واقعهم الأليم، بالمرض أو بالخسارة والانكسار.
وتقوم هذه الرواية على قصص «القطاريز» ذات النظائر في كثير من البلدان، ولا سيما «أم الدنيا»، وهي ذات حمولة فكرية تتمثل خلاصتها في قول الرسول (ص): (سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ) وأيضا «الرجُلُ التّافِهُ يتكلـم في أمرِ العامةِ).
مـَـثـّـل د.عبد القادر عليمة (العالم والمستشار اللغوي، والأكاديمي) في هذه الرواية، دور «الراوي الغائب»، في حين تولى الروائي د.عبد الرزاق حسين والذي رمز لنفسه باسم «د.رزق أستاذ البلاغة والنقد»، تولـّى مهمة «الراوي العليم» الذي يفتح شهيته للسرد، ويستفزه ليروي، ويثير المتلقي ليصغي، وكان د.»عليمة»، ملما بكل التفاصيل، وبكل بمجريات الأمور، وبكل الأفكار التي تدور في ذهن الشخصيات المتواجدة في الرواية، يتوغل في عقولهم وصدورهم لمعرفة نواياهم، وما سيصدر عنهم، والحقيقة أن د.عبد الرزاق حسين، الذي وضع نفسه مكان «الراوي العليم»، هو صاحب الأسلوب السهل الممتنع الذي كان يسرد، ويصوغ الأفكار والأحداث والوقائع.
الجميل في هذه الرواية، قدرتها على التأثير في القارئ، وعلى تشويقه وجذبه ليتفاعل معها، ويستخلص العبرة منها، كما أنها تستفزه ليتذكر عشرات القصص والروايات التي تجري في واقعنا، غير أن الروائي قفز من الوسط الشعبي، إلى رؤوس الهرم، وإلى رموز الاقتصاد والسياسة، في دول خارجية، وقال عنهم ما يريد، دون أن يـُظهر تدخله في الأحداث، أو في الشخصيات، أو الأمكنة، أو الأزمنة.
تداخلت بعض الأجناس الأدبية والفنية في هذه الرواية،الصادرة عن دار المأمون بدعم من وزارة الثقافة، فثمة قصة داخل قصة، وثمة شعر، وطرائف، ورسائل، ومواقف، ثمة وصف، ومشاهد سينمائية، ولوحات بصرية، وحوار مسرحي، واعترافات، تذكرنا بأحداث مسلسل باب الحارة، أو بوقائع برنامج جورج قرداحي «المسامح كريم»، ولم تكن مقدمة الوحدة السردية، أو العقدة أو النهاية تتم، دون أن يكون القارئ على نار الشوق، لمعرفة كيف ستعود الحقوق لأصحابها، وكيف سيـُعاقب الخونة والغدارين .
يذكر أن د.عبد الرزاق حسين، شاعر وقاص وروائي، ومبدع للأطفال، وله عشرات الكتب في التأليف والتحقيق والإبداع، عدا عن أبحاثه المحكمة، ومشاركته في مئات الندوات والمؤتمرات، وحصوله على العديد من الجوائز الأدبية العربية.