Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Aug-2019

العودة إلى القرن العشرين* د.باسم الطويسي

 الغد-نهايات عديدة نتذكرها اليوم نظرت لنهاية رمزية للقرن العشرين بعضهم عد العام 1989 وانهيار الاتحاد السوفيتي نهاية القرن الفعلية وآخرون اكتشفوا بعد عام من نهاية القرن وبمناسبة أحداث تفجيرات المدن الأميركية في أيلول 2001 ان القرن العشرين لم ينته بعد، اليوم تذهب بعض الكتابات ان العالم بعد عقدين من مغادرة قرن الصدمات الكبرى يعود مرة أخرى إلى عالم القرن العشرين حيث التوبة عن مفاهيم العولمة والمواطنة العالمية والهموم المشتركة. 

قد يكون من المبكر الحكم ان مجتمعات العالم باتت تغلق الابواب مودعة حلم المواطنة العالمية، أي نهاية العالم المفتوح والشفاف كما نُظر له مع بدايات تشكل النظام الدولي أحادي القطبية في بداية تسعينيات القرن العشرين الماضي، ولا حتى في جذورها المبكرة في عقد الستينيات، فالموجة الحالية من الرهانات الجديدة المتمثلة بالانكفاء على الذات وعودة الشعبوية وبروز الهويات المحلية واستعادة وهج القوميات والخروج من التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، والخروج من اتفاقيات التجارة العالمية والإقليمية وعودة سياسات الحماية الاقتصادية وبدايات التخلي عن القضايا والاهتمامات الإنسانية المشتركة كلها ما تزال أعراضا لظاهرة تاريخية كبرى غير واضحة المعالم، الواضح الوحيد فيها أن التغيير يسبق التنظير وأن الكثير من هذه الظواهر ينتمي إلى عالم القرن العشرين.
إلى اليوم لا توجد لدينا أطر نظرية واضحة الملامح تفسر ما يحدث في العالم، وسيبقى هذا الأمر لوقت ليس بقليل، وعلينا ان ندرك أن هذا الأمر حدث مرات في التاريخ، وهذا ما يفسره منطق الدورات التاريخية، بينما علينا البحث عن جذور هذه الأعراض في القواعد المؤسسة للانظمة الدولية والاقتصادية التي حكمت العالم على مدى نحو ثلاثة عقود، فقبل الوقوف على الاربعين مرسوما رئيسيا وأكثر التي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشاع وصفها بانه التوقيع على نهاية عصر العولمة، علينا الذهاب أعمق من ذلك إلى سياسات بوش الابن في مطلع القرن وفي مقدمتها حصار اتفاقية التجارة العالمية والانقلاب الأول على العولمة واحلام الامبراطورية وغيرها، وقبل أن نفكر طويلا بظاهرة الكذب والأخبار المزيفة على شبكة فيسبوك وأزمة الإعلام التقليدي العالمي علينا أن نعود إلى ويكيلكيس وظاهرة الحكومات السرية في العالم المتقدم.
الجذر العميق للاشكال المتعددة من تفسخ العولمة يبدو في أن حلم العالم الواحد بات سرابا فعليا حينما ثبت للناس ان فكرة “المجتمع العالمي الذي يعمل من اجل الجميع” لم تكن إلا مجرد خدعة أو على اقل تقدير فكرة لم تتحقق وهذا ما يذهب اليه روشير شارما مؤلف كتاب “صعود وانهيار الأمم” الذي يشير إلى أن الاقتصادات الأكبر لـ 46 دولة في العالم، تشهد بشكل متزايد ظاهرة سوء توزيع الثروة وتفشي عدم العدالة الاقتصادية بشكل عام. 
الأمر الاخر الصادم في التحولات العالمية في ملف العولمة الاقتصادية والسياسية والاتصالية ان الصراع يبدأ في مطابخ الدول والمجتمعات التي احتضنت هذه الظاهرة وروجت لها وكانت المستفيدة الأكبر منها، بينما المجتمعات التي صنفت نفسها بأنها ضحية العولمة وحاولت مقاومتها فلا علاقة لها بشكل مباشر بما يحدث اليوم، حتى الحركات الاجتماعية والسياسية التي قاومت العولمة في تسعينيات القرن الماضي وقادت تظاهرت كبرى ضد اتفاقية التجارة العالمية وغيرها نجدها قد اختفت أو لا صوت لها، ربما هذا ايضا من اعراض الظاهرة العالمية الجديدة، وربما لأن ما يحدث اليوم بالنسبة لجنوب العالم ولليسار الاجتماعي اسوأ من سوءات العولمة ذاتها.