Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Aug-2019

الحيرة في فهم الدين* ابراهيم عبد المجيد

 القدس العربي-ليس المسلمون أول من احتار في فهم الدين، ولا المسلمون أول من استخدم الدين لأهداف سياسية، وأقصى استخدام للدين سياسيا حدث في العصور الوسطى، وعانت منه أوروبا، وقامت بين بلادها الحروب، حتى استطاعت خاصة بعد الثورة الفرنسية فصل الدين عن الدولة. تأخر طبعا الأمر في أمريكا لأن التمييز الديني كان أحد مبررات تجارة العبيد.

تاريخ استخدام الدين سياسيا واجتماعيا لمصالح خاصة طويل. لقد كانت ثورة إخناتون أو أمنحتب الرابع، الذي حكم مصر في القرن الرابع عشر ق.م. على تعدد الآلهة في أحد ظواهرها، ثورة على تحكم الكهنة في العلاقات الاجتماعية، وتكسبهم مما يصل إليهم من أضحيات، وما يعطونه للناس من مقطوعات يحفظونها ليتلونها يوم الحساب، وما يقدمونه لهم من آيات توضع على المقابر، وما يقومون به من رُقَى وتعاويذ للناس لشفائهم من الأمراض، حتى صار نفوذهم أكبر من نفوذ الحاكم. وهنا قال لهم لا تعدد في الآلهة إنما هو إله واحد هو الشمس، وانتهت فاعليات المعابد وكهنتها في الحياة الاجتماعية، وحين مات وورث الحكم ابنه توت عنخ آمون وكان صغيرا، اجتمعوا حوله وأصدروا بيانا قالوا فيه لقد عاد العدل إلى الأرض، وعاد آمون ورع وغيرهما طبعا إلى معابدهم.
كانت هذه أول معركة سياسية، رغم أن مظهرها ديني، فالحاكم الفرعوني لا يريد حاكما غيره هو ابن الإله. لماذا تعددت الآلهة قبل إخناتون؟ السبب بسيط جدا وهو أن الإنسان القديم كان يميل إلى التشخيص في الفهم والرؤية، ومن ثم حين رأى العالم واسعا قاسيا بالحيوانات الشرسة والفيضانات والظلم، فكّر في من هو أقوى يضمن العدل يوما ما، ومن هنا بدأ يبحث عن إله. اتجه فكره التشخيصي إلى عبادة من يحبه من الحيوانات والطيور والنباتات، ليساعده، ومن يخشاه ليتقي شره، وهكذا صار تعدد الآلهة، لكن حين بدأ الكهنة يتكسبون منها وصاورا مراكز قوية، كانت صرخة إخناتون بالتوحيد، وكانت بداية الفكر التجريدي. فهنا إله واحد فقط رغم إنك تراه – الشمس – فلا يزال في المسألة نوع من التشخيص. بعد ذلك جاءت الأديان السماوية فوجدت التربة مستعدة إلى حد كبير لها، وسواء كان موسى عليه السلام تلميذ إخناتون كما تقول بعض الدراسات، أو هو إخناتون نفسه، فالحقيقة إنها دراسات ظنية لا دليل مجسد عليها، في نقش أو في صورة أو ورقة بردي مصرية، ومن ثم فالصراع بينه وبين الفرعون هو من أقاصيص التوراة، وحتى لو كان صحيحا فلا مشكلة، لأنه بعد إخناتون عادت الآلهة إلى معابدها، وتم تشويه إخناتون واعتبروه عدوا، ورغم أن فكرة التجريد صارت في العقول، إلا أن تطبيقها لم يكن ليتم بسهولة. المهم أنها تمت وتعددت الديانات السماوية، وأخذوا من كهنة تعدد الآلهة النزوع إلى المكاسب السياسية، فكل أصحاب دين واتباعه يرون أنهم خير أمة، وكان هذا مدخلا للحروب السياسية والمكاسب التي يمكن أن تعود على الدولة وحكامها من غيرها.
انتهى الأمر في أوروبا والعالم الغربي كله إلى الفصل بين الدين والدولة. قد يقول قائل إن ذلك بسبب فشل حروبهم على الدول الأخرى، وانغماسهم في حروب داخلية، أو إنهم استخدموا الدين أبشع استغلال في تمكين الحاكم ظل الله على الأرض، أو في تجارة وتسخير العبيد ونقلهم من افريقيا إلى أمريكا، كل ذلك صحيح، لكن المهم ما وصل إليه الغرب الآن.
 
لا يفكر أحد من المتطرفين في الموعظة الحسنة، لماذا؟ لأنهم يركبون حصان الدين في السياسة ويا له من حصان سريع، خاصة في بلاد يتم فيها تجهيل شعوبها.
 
دعنا من هذه البلاد ولنعد إلى الحروب الدائرة الآن بين الدول العربية والجماعات المخالفة التي لا تعرف عددها، ولا تعرف إلا المشهور منها مثل، «داعش» لكنها جماعات بالعشرات، وكل منها يهتف أنه ينتصر لله. ورغم أن أصحاب هذه الدعوات والسلفيين والوهابيين كلهم يؤمنون بالسلف الصالح، ويأتون من كتبه بما يؤيد أفعالهم، لم يسأل أحد نفسه لماذا تقدمت أوروبا حين فصلت الدين عن الدولة، وتخلفنا نحن حين صار الدين طريق الدولة أو الدولة. بالطبع رصيد هؤلاء الخفي هو الفتاوى العجيبة التي لا تترك شيئا في الحياة إلا وتقول فيه رأيا، ابتداء من خروج المرأة إلى العمل، إلى مشاهدة «اللاب توب» أو «التابلت» واستخدام المحمول. لا يتركون شيئا للعقل الإنساني، ولا يسأل أحد نفسه هل قبل الأديان السماوية كان الكذب أو السرقة أو الزنى أو القتل أو غيرها من الآثام حلالا مثلا. لم تكن حلالا ولم يرتكبها غير الخطاة كبر شأنهم أم صغر، فمنذ فكر الإنسان في إله يضمن له العدل، استيقظ الضمير وصارت هذه الأعمال سيئات، وردت في كل ما تركته الشعوب القديمة، في مصر أو في بابل أو غيرهما. حتى الوصايا العشر لم تكن خاصة باليهود، لكنها جمعت في عشر وصايا وكانت موجودة عند حمورابي، وفي كتاب الموتى المصري وغيره من ورق البردي. ما معنى الاعتماد على فتاوى قديمة في زمن حديث، بينما العقل هو أصل الإفتاء، أو يجب أن يكون كذلك في كل زمن. أجل اختصار الأمور كلها باستخدام العقل ينهي كل هذه الفرق التي تعود إلى نصوص مرتبطة بزمان ومكان نزولها. العقل يقول مثلا إن إقامة الحدود هو عقاب طبعا، وكانت قبل الإسلام لكن هل شكل هذا العقاب يصلح مع عصرنا؟ طبعا لا. العقاب لابد من استمراره، لكن شكله لابد أن يختلف، فالرجم مثلا كان يقصد به الفضيحة والفضائح الآن تأتي بها الصحف ويكفي السجن عقابا.
قطع اليد مثلا، كان أقدم من الإسلام وكان مقصودا بها أن يعرف الناس اللص في ما بينهم، والآن أي قضية يعرفها كل من حول اللص، وبالتالي من الأفضل إعادة تأهيله ليكون أفضل بعد الفضيحة، وبعد عقابه بإعادة ما سرقه وفوائده. مثلا هل لو كانت نزلت آية كريمة بالقتل بالكهرباء هل كان سيصدقها أحد؟ لم يعرفوا الكهرباء وعرفوا القتل بالسيف أو بالرجم، فجاءت الحدود متماشية مع ما يعرفون.
طبعا سيلتقط أحد كلامي ويقول إنني أدعو لإلغاء الحدود، ولن يعترف أبدا بأنني لا أدعو إلى ذلك، فالحدود عقاب لكن أتحدث عن ضرورة تغيير شكل العقاب ليكون معاصرا. طيب لماذا يستخدم تنظيم «داعش» وغيره شكل العقاب القديم. إنه إلقاء الرعب في نفوس الناس أكثر من كونه عقابا، ثم إن الأديان كلها فيها جانبان جانب يخص علاقة الإنسان بالله، مثل أركان الإسلام، والله هو من يقول كلمته فيها ويسامح أو لا يسامح، وجانب يخص علاقة الإنسان بغيره من البشر، وهذه يحددها القانون، لكن للأسف كل الفرق تتدخل في علاقة العبد بربه وتعاقبه عليها، رغم أن الله أكبر من الاحتياج لكل البشر أجمعين. لا يفكر أحد من المتطرفين في الموعظة الحسنة، لماذا؟ لأنهم يركبون حصان الدين في السياسة ويا له من حصان سريع، خاصة في بلاد يتم فيها تجهيل شعوبها. أنظروا خلفكم إلى أوروبا وكيف تقدمت ربما يهديكم الله. وبالمناسبة فصل الدين عن الدولة ليس كفرا لأنه لا يعني أبدا تشجيع الخطايا، بل العكس سيجد الإنسان أن أخطاءه في حق غيره من البشر لا تضيع بالتوبة، لأن هناك قانونا وعقابا مدنيين ينتظرانه. لا نجاة للأمة العربية إلا بانتهاء هذه الحيرة في فهم الدين.
 
٭ روائي من مصر