Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Jan-2018

الفرح - عبدالهادي راجي المجالي

الراي - زمان حين كنت طفلا, كان يكفي أن أضع (شلنا) في ميزان التاجر حتى أحصل على ما أريد.. كل شيء للأطفال كانت قيمته (5 (قروش.. حتى المصانع , التي تنتج (الشيبس والعصير والسكاكر) كانت تركز على قيمة المنتج المنخفضة حتى يتاح لأطفال القرى على الأقل شراء مايحبون, فكما هو معروف (الشلن) كان يمثل قيمة مالية عالية لدى الطفل.

في الكرك لي صديق إسمه ( محمود) وهو تاجر ويعاني من مشكلة كبيرة, لديه (دكان ) في وسط المدينة..
وبالقرب من حي شعبي مكتظ بالأطفال.. وأنا أزوره أحيانا ونجلس نتذكر القصائد القديمة وأخبار العشائر.. وحين نجلس في الدكان يأتي أطفال الكرك, ويرمي كل واحد منهم (10 (قروش على الميزان ثم يتناول كيسا من (الشيبس) ويمضي.. محمود يتذمر ويقول:- لاحول ولا قوة إلا باالله, وحين سألته تبين أن كل المكسرات والحلوى والشوكلاته, ارتفعت أسعارها فكيس الشيبس ثمنه(25 (قرشا, ولكنه لايجرؤ على أن يرد طفلا أو يمنعه من أخذ (الكيس).. ببساطة فسر لي محمود الأمر, واخبرني أن الأطفال هنا في الكرك يحملون (الفكة) في جيوبهم.. دون علم بالقيم الشرائية لها.
ولأنهم أطفال يأتون إلى الدكان, مهرولين من أجل كيس (الشيبس) والمصانع التي تنتج هذه الأشياء, كل يوم ترفع السعر.. وهم لايفهمون هذه القضية ويعتقدون أن (الشلن) أو (البريزة) مازالت قادرة على شراء كيس من (الشيبس) أو قطعة من الحلوى وبالتالي:
لاقلبك يقوى على ردهم.. ولا القيمة النقدية للسلعة كافية بدفع ثمن توصيلها وليس قيمتها.
في بلادنا لم تنتبه الحكومة لفرح الأطفال, لم تنتبه أن مصروفهم اليومي لايتجاوز (ربع دينار) وبالتحديد في الأحياء الفقيرة والشعبية لم تنتبه أيضا, الى أن كل المواد الغذائية الخاصة بهم.. من شوكلاته وسكاكر, وعصائر.. هي منتجات ليس لتغذيتهم بقدر ماهي لصناعة الفرح في وجوههم.. لهذا لايجوز أن يدفع أطفالنا ثمن الغلاء الحالي من فرحهم.. قد يحتمل الرجل مشهدا مأساويا, ولكنه لايحتمل أن يصادر الفرح من قلب طفل..
بقيت ساعات عند محمود مراقبا أطفال الكرك, وقلب محمود كما نقول بلغتنا الدارجة (رهيف).. فالطفل لايفهم معنى أن النقود لاتكفي ولا يحتمل الصد..
أنا أطلب أن نحدد أسعار المنتجات الغذائية والسلع التي يستهلكها الأطفال, أطلب أن نضع لها سقفا.. لم يعد منطقا أن يصبح ثمن (كيس الشيبس) نصف دينار, لم يعد منطقا أن تصبح (العلكة) بربع دينار..
للأسف في انتاجنا لميزانية الدولة, وفي مشاريعنا التقشفية ننسى أن هنالك قطاعا كبيرا من شعبنا هم الأطفال, وننسى أن ننتج لهم الفرح.. نحن نستطيع أن نحتمل ربما نستطيع أن نكتم غضبنا.. ولكن أطفال الكرك.. من حقهم أن يمر الصباح عليهم حاملا ولو قليلا من الفرح. محمود تاجر أمهر من الحكومة, صحيح أنه يخسر ماديا من سلع الأطفال.. ولكنه يربح فرحهم.. متى تتعلم الحكومات من محمود أن تربح الفرح.