Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Oct-2015

مصر... ما بين التخلف والفقر!* صلاح سالم

الحياة-منذ فقدت مصر سبقها التاريخي الباكر المؤسس على الثورة الزراعية، واستحالت قوة من الدرجة الثانية مطالع العصر الحديث المؤسس على الثورة الصناعية، فإنها لم تعد بلداً غنياً أبداً، فلا هي حاضنة كبرى للموارد الطبيعية خصوصاً النفطية، ولا هي مالكة أسـاسية لزمام التكنولوجيا الصناعية.

غير أنها، في الوقت نفسه، لم تكن بلداً متخلفاً، لا في الماضي حيث كانت متقدمة بالقياس إلى جوارها، ولا في الحاضر حيث اكتسبت قيماً عصرية وانتمت إلى الحداثة الثقافية، فكرياً وفنياً، واستوت لديها منذ قرن تقريباً طبقة وسطى حضرية (مدينية) صلّبت عودها في الصراع نحو التحرر من الاستعمار الغربي، ودعمت حركتها نحو التمدن الذي نالت منه قسطاً كبيراً بحسب العديد من المؤشرات المرعية وبالقياس حتى إلى بعض البلدان التي تفوقها غنى.

هذا التمدن، الذي كان لبقاياه أن دفعت العالم كي يحضر إليها مرتين في عام واحد، هو ما تكاد تفقده مصر الآن، أمام زحف مظاهر التخلف إلى كل مكان، بفعل حالة التضاغط الشديدة، التي أفضت إلى انفجارات عشوائية لم تعد مقتصرة على مناطق بذاتها توصف بهذا الاسم، بل امتدت إلى شتى مجالات حـــياتنا. فقد صـــار الناس يتحاورون صراخاً في الــــشوارع والطرقات وحتى في المنتديات التي كانت راقية. ويسيرون عراكاً على أقدامهم أو حتى في السيارات التي صارت تشتبك مع المشاة والتروسيكلات والتوك التوك في فوضى عارمة لا تليق بعاصـــمة عريقة ولا حتى بمـــدينة تستحق هذا الاســـم. كما يـــسلكون كسلاً في أماكن العمل، وفوضـــوياً في أمـــاكن الترفيه، ويقتاتون على ثقافة عشوائية، فينصـــتون إلى برامج تافهة ويشــــاهدون دراما سخــيفة تروج للبلطجة والفهلوة، ولا تعيد تمثيل حياتهم الرثة بقدر ما تغذيها.

وظني أن مجابهة ذلك التدهور لن يتحقق فقط بالتنمية الاقتصادية، على أهميتها، والتي قد تحل مشكلة الفقر لكنها لا تكفي وحدها لعلاج مشكلة التخلف التي لا يمكن مواجهتها إلا بإعادة ترتيب بيئة الحياة في مصر، وحل المشكلات المزمنة التي أصابتها بنوع من تصلب الشرايين، وعلى رأسها المشكلة السكانية.

فقد تجاوز عدد المصريين 88 مليون نسمة، يعيشون داخل البلاد، فضلاً عن 8 ملايين يعيشون خارجها. وما لا شك فيه أن رقعة مصر (الصالحة للحياة فعلياً) لا تكاد تستوعب هؤلاء جميعاً مع نسبة الزيادة الراهنة، حتى لو كانت هناك مشروعات كبرى يُنتظر الشروع فيها، خصوصاً في محور قناة السويس. لهذا لا بد من خطة قادرة على حل هذه المشكلة ولو عبر جيل كامل (25 عاماً)، يكون هدفها النهائي الوصول إلى حالة التوازن السكاني، أي الثبات النسبي، عند رقم لا يتجاوز الـ 120 مليون نسمة بحال من الأحوال، وهو رقم كبير جداً، يكاد يعادل مجموع بلدين أوروبيين كبيرين مثل بريطانيا وفرنسا.

هذا الهدف لا يمكن تحقيقه فقط عبر حملات توعية على أهمية تلك التوعية العامة الذكية والمركزة، ولكن من خلال قرارات صارمة قابلة للتطبيق الفعلي، تعمل من خلال آليتين أساسيتين: أولاهما مد شبكة رعاية اجتماعية متكاملة لعموم المصريين، تتسم بالفعالية على صعيدي التعليم والصحة، بحيث تمتنع الدروس الخصوصية تماماً ويتم تجريمها، وتنتفي الأمراض الفيروسية المنتشرة أو يتم حصارها.

وثانيهما قصر شبكة الرعاية هذه على طفلين فقط لكل أسرة، لهما حق التعليم المجاني والتأمين الصحي، فيما يقتصر الطفل الثالث على نيل الرعاية الصحية وحدها من دون التعليم، أما الطفل الرابع فيحرم تماماً من تلك الشبكة صحياً وتعليمياً، وهو أمر سيكون حاسماً في ردع من يفكر في تجاوز حد الطفلين، وكافياً، من ثم، للوصول إلى حالة التوازن السكاني، تجنباً لهيمنة قانون الزحام الذي يدفع نحو تخلفنا، إذ يخنق بيئة الحياة، ويقضي على كل جمالياتها.

 

 

* كاتب مصري.