Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Feb-2020

مستقبل الرأسمالية الدولة الجائعة: لماذا يعتمد خلاص الرأسمالية على جمع الضرائب (2-2)

 الغد-جوزيف ستيغليتز؛ تود ن. تاكر؛ وغابرييل زوكمان* – (فورين أفيرز) عدد كانون الثاني (يناير)/ شباط (فبراير) 2020

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
كيف يصبح الأغنى أكثر ثراء
يصر العديد من صناع السياسة، والاقتصاديون، وأقطاب الشركات، وعمالقة التمويل على أن الضرائب تتعارض مع النمو. ويزعم معارضو زيادة الضرائب أن الشركات ستعيد استثمار المزيد من أرباحها عندما تحصل الحكومة على أموال أقل. ومن وجهة النظر هذه، فإن استثمار الشركات هو محرك النمو: فالتوسع في الأعمال التجارية يخلق الوظائف ويزيد الأجور، بما يعود بالنفع النهائي على العمال. ومع ذلك لا يوجد، في العالم الواقعي، ارتباط ملحوظ بين ضريبة رأس المال وتراكم رأس المال. في الفترة من العام 1913 إلى العام 1980، تقلبت معدلات الادخار والاستثمار في الولايات المتحدة، لكنها ظلت تحوم في العادة حول 10 في المائة من الدخل القومي. وبعد التخفيضات الضريبية في الثمانينيات، في عهد إدارة ريغان، انهارت ضريبة رأس المال، لكن معدلات الادخار والاستثمار انخفضت أيضاً.
يوضح التخفيض الضريبي للعام 2017 هذه الدينامية. فبدلاً من زيادة الأجور السنوية بمقدار 4.000 دولار لكل أسرة، وتشجيع استثمارات الشركات، ودفع موجة من النمو الاقتصادي المطرد، كما وعد أنصاره بأن يفعل، أدى التخفيض إلى زيادات طفيفة جداً في الأجور، ونحو نصف عام من تزايد النمو، وبدلاً من الاستثمار حدثت طفرة بقيمة 1 تريليون دولار في عمليات إعادة شراء الأسهم، والتي أنتجت فقط حظاً سعيداً غير مرتقب للمساهمين الأثرياء مسبقاً في الجزء العلوي من هرم الدخل. وبطبيعة الحال، يدفع الجمهور ثمن ذلك الحظ السعيد: تختبر الولايات المتحدة أول عجز لها بقيمة 1 تريليون دولار.
تترتب على خفض الضرائب على رأس المال نتيجة رئيسية واحدة: أن الأغنياء، الذين يستمدون معظم دخلهم من رأس المال الحالي، يحصلون على المزيد من الثروة. وفي الولايات المتحدة، انفجرت حصة الثروة التي يملكها المنتمون إلى شريحة أغنى 1 في المائة من السكان البالغين، صاعدة من 22 في المائة في أواخر السبعينيات إلى 37 في المائة في العام 2018. وعلى النقيض من ذلك، خلال الفترة نفسها، انخفضت حصة الـ90 في المائة الأدنى من البالغين من الثروة، هابطة من 40 في المائة إلى 27 في المائة. ومنذ العام 1980، ذهب ما خسره الـ90 في المائة من القاع إلى أرباح الواحد في المائة في الأعلى.
هذا التفاوت المتصاعد في الدخل أمر سيئ للاقتصاد. كبداية، يؤدي عدم المساواة إلى إضعاف الطلب: حيث تكون لدى معظم السكان أموال أقل لإنفاقها، والأغنياء لا يميلون إلى توجيه مكاسبهم الجديدة من الدخل إلى شراء السلع والخدمات من بقية الاقتصاد؛ وبدلاً من ذلك، فإنهم يكدسون ثرواتهم في الملاذات الضريبية في الخارج أو في قطع الفن باهظة الثمن التي يضعونها في مخازنهم. ويتباطأ النمو الاقتصادي لأنه يتم إنفاق أموال أقل بشكل عام في الاقتصاد. في غضون ذلك، ينتقل عدم المساواة من جيل إلى آخر، مما يمنح أبناء الأثرياء فرصة أفضل للدخول إلى المدارس والجامعات العليا والعيش في أفضل الأحياء، وهو ما يؤدي إلى استمرار تعميق دائرة الانقسام بين الذين يملكون والذين لا يملكون.
كما أن اللامساواة تشوه الديمقراطية أيضاً. وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، يتمتع المليونيرات والمليارديرات بوصول غير متناسب إلى الحملات السياسية والمسؤولين المنتخبين وعملية صنع السياسات. وتكون النخب الاقتصادية هي الفائز دائماً تقريباً في أي معركة تشريعية أو تنظيمية قد تتعارض فيها مصالحها مع مصالح الطبقة الوسطى أو الفقراء. وقد تمكن أقطاب النفط “الأخوة كوخ” وغيرهم من الممولين اليمينيين بنجاح من بناء آلات سياسية للسيطرة على مجلسي الدولة ودفع القوانين المناهضة للإنفاق والنقابات، والتي تزيد من عدم المساواة. وحتى الأفراد الأثرياء الذين يُنظر إليهم على أنهم أكثر اعتدالا من الناحية السياسية -المديرون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا، على سبيل المثال- يميلون إلى تركيز جهودهم السياسية على قضايا تكنوقراطية ضيقة بدلاً من الصراعات التوزيعية التي تعرِّف سياسات اليوم.
جعلهم يدفعون
لا يمكن لشيء أقل من نظام جريء جديد للضرائب المحلية والدولية أن ينقذ الديمقراطيات والاقتصادات الغنية من التشوهات والمخاطر الناجمة عن عدم المساواة المتفشية. يجب أن تكون الأولوية الأولى لقطاع الأعمال هي إنشاء نظام مالي يولد الإيرادات الضريبية المطلوبة لاقتصاد يعمل في القرن الحادي والعشرين -وهو مبلغ سيحتاج إلى أن يكون أعلى حتى من تلك المقادير التي كانت موجودة في منتصف القرن العشرين، التي كانت فترة أسرع نمو اقتصادي في الولايات المتحدة والتي تم فيها تقاسم الرخاء بصورة أكثر توازناً وعدالة. وفي اقتصاد اليوم الابتكاري، سوف تحتاج الحكومات إلى إنفاق المزيد على البحث والتعليم الأساسيين (ربما كانت فترة 12 عاما من التعليم المدرسي كافية في العام 1950، وإنما ليس اليوم). في المجتمع المتحضر اليوم، تحتاج الحكومات إلى إنفاق المزيد على البنية التحتية الحضرية المكلِفة. وفي اقتصاد الخدمات الراهن، تحتاج الحكومات إلى إنفاق المزيد على الرعاية الصحية ورعاية المسنين، وهي المجالات التي لعبت فيها الدولة بشكل طبيعي دوراً رئيسياً. وفي اقتصاد اليوم الديناميكي والمتغير باستمرار، سيتعين على الحكومات أن تنفق المزيد لمساعدة الأفراد على التعامل بشكل أفضل مع الاختلالات والاضطرابات الحتمية التي ينجبها التحول الاقتصادي. كما ستتطلب معالجة المشكلة الوجودية التي يشكلها التغير المناخي وضع مقادير كبيرة من الاستثمار في البنية التحتية الخضراء.
مع ذهاب المزيد والمزيد من الدخل إلى جيوب الأثرياء والشركات، فإن قانوناً ضريبياً أكثر تقدمية فقط هو الذي يمكن أن يوفر المستوى الضروري من الإيرادات. لا يوجد سبب لفرض ضرائب على رواتب العمال بمعدل أعلى من تلك التي تُفرض على رأس المال. ولا يجب أن يدفع السبّاكون والنجارون وعمال صناعة السيارات نسبة أعلى من مديري الأسهم الخاصة؛ ولا ينبغي أن يدفع تجار التجزئة في محلات “موم-أند-بوب” mom-and-pop معدل ضرائب أعلى من أغنى الشركات في العالم.
سوف تكون الخطوة التالية هي إلغاء الأحكام الخاصة التي تعفي الأرباح الموزعة، والمكاسب الرأسمالية، والفوائد المنقولة، والعقارات وغيرها من أشكال الثروة من الضرائب. واليوم، عندما يتم نقل الأصول من جيل إلى آخر، فإن الأرباح الرأسمالية الأساسية تتهرب من دفع الضرائب بالكامل؛ ونتيجة لذلك، يتمكن العديد من الأفراد الأثرياء من تجنب دفع ضرائب الأرباح الرأسمالية على أصولهم. ويبدو الأمر كما لو أن قانون الضرائب قد صُمم لخلق بلوتوقراطية موروثة، وليس لخلق عالم مع تكافؤ للفرص. ومن دون زيادة معدلات الضرائب، فإن إلغاء هذه الأحكام الخاصة المخصصة لأصحاب رأس المال -بطريقة ججعلهم يدفعون نفس المعدل الذي يدفعه العمال- سوف يولد تريليونات من الدولارات على مدى الأعوام العشرة المقبلة.
وهناك تحسين آخر سيتمثل في فرض ضريبة على الثروة، مثل تلك التي اقترحتها إليزابيث وارين Elizabeth Warren، السيناتورة الديمقراطية الأميركية عن ولاية ماساتشوستس التي تترشح حالياً للرئاسة في الولايات المتحدة. وقد اقترحت وارين فرض ضريبة بنسبة 2 في المائة على الثروة التي تتجاوز 50 مليون دولار، و6 في المائة على الثروة التي تتجاوز مليار دولار. ويمكن أن تجمع مثل هذه الضريبة ما يقرب من 3.6 تريليون دولار خلال العقد المقبل. وسوف تدفعها أغنى 75 ألف أسرة أميركية -أقل من 0.1 في المائة من السكان.
للحد من التهرب من ضرائب الدخل والثروة، سيتعين على الدول أن تتعاون أكثر مع بعضها البعض. فبدلاً من السماح للأفراد الأثرياء والشركات الغنية بإخفاء أصولهم من خلال صناديق ائتمان خارجية مدروسة ووسائل قانونية أخرى، يجب على الدول إنشاء سجل ثروات عالمي، والذي يسجل المالكين النهائيين لجميع الأصول. ويمكن أن تبدأ الولايات المتحدة بالاعتماد على المعلومات الشاملة الموجودة بالفعل داخل المؤسسات المالية الخاصة، مثل شركة الودائع الاستئمانية. ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعل الشيء نفسه بسهولة، ويمكن في نهاية المطاف دمج هذه السجلات.
سوف يتعين على الحكومات أيضاً فرض ضرائب على الشركات الفرعية العاملة في ولاياتها القضائية على دخلها العالمي وعدم السماح لها بتحويل الأموال إلى الولايات القضائية منخفضة الضرائب من خلال استخدام الشركات التابعة أو غيرها من الوسائل. وبدلاً من السماح للشركات فعلياً بالإعلان ذاتياً عن الأصل القومي لأرباحها، يجب على الحكومات أن تنسب إيرادات الشركات الخاضعة للضريبة إلى الأماكن من خلال التوزيع الوصفي formulary apportionment. وبموجب هذا النظام، لم تستطع شركة “أبل” Apple الإفلات بحيلها لتحويل الأرباح. وأخيراً، يجب تأسيس حد أدنى عالمي للضريبة لوضع أرضية للمدى الذي يمكن أن تخفض إليه الملاذات الضريبية المحتملة معدلاتها.
بمجرد أن يتم وضع هذه القواعد الجديدة، فإنها ستحتاج إلى إنفاذ مناسب -وكذلك حال القوانين الضريبية الموجودة مسبقاً في النصوص. لقد تعرضت دائرة الإيرادات الداخلية الأميركية للتدمير في الأعوام الأخيرة، حيث فقدت الآلاف من الموظفين بين العامين 2010 و2016، وهو اتجاه زاد سوءا فحسب في عهد ترامب. وتحتاج هذه الوكالة إلى إضافة آلاف الموظفين إلى كوادرها، وتقديم رواتب تنافسية لهم، وتحديث أنظمة تكنولوجيا المعلومات لديها التي عفا عليها الزمن.
على المستوى الدولي، يتعين على صانعي السياسات أن يجدوا الطريقة الصحيحة للتعاون، التي ستنتج أفضل وأقوى تطبيق لتحصيل الضرائب. وقد يتطلب أحد الخيارات من أكبر الاقتصادات المتقدمة (الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية) أن تتحرك أولاً، فتطالب الشركات التي تتاجر في أسواقها باتباع القواعد الجديدة، وتستخدم الضغط الدبلوماسي لحمل الدول الأخرى على اعتماد نظام مماثل (الأمر الذي سيفيدها هي نفسها من خلال تحصيل إيرادات إيرادات ضريبية لا يمكنها أن تستفيد منها الآن). ثمة جدل كبير يدور الآن حول ما إذا كان العالم بحاجة إلى اتفاقيات تجارية جديدة بعد عقود من قيام تحرير التجارة بتعزيز عدم المساواة داخل البلدان؛ بغض النظر عن ذلك، سيكون من المنطقي تعليق توقيع أي صفقات تجارية جديدة على شرط التقيد بقواعد أكثر صرامة بشأن التعاون الضريبي. وقد يكون هناك متسع لنهج متعدد الأطراف -على سبيل المثال، من خلال تحويل منظمة التجارة العالمية المحاصرة حاليا إلى هيئة يمكن أن تساعد على فرض الضرائب وغيرها من مسائل التعاون الدولي، مثل تغير المناخ. وسوف تكون هناك حاجة إلى إحداث تغييرات كبيرة في ثقافة وكوادر منظمة التجارة العالمية لتحقيق ذلك. وبغض النظر عن المسار الذي تختاره الحكومات، من المهم الاعتراف بوجود بديل عن السياسة التجارية النيو-ليبرالية. فبدلاً من نموذج يحد من قدرة الدول ذات السيادة على حماية نفسها من هروب رأس المال والتهرب الضريبي، يمكن للحكومات بناء نموذج للتجارة يدعم العدالة الضريبية.
في الولايات المتحدة، يمكن تحقيق معظم هذه الإصلاحات ضمن القيود والمحددات الموجودة في الدستور الأميركي. وهناك جدل يدور حول ضريبة الثروة، والتي ادعى المحافظون أنها ستصطدم بالقيود الدستورية المفروضة على الضرائب المباشرة؛ ويتحدى العديد من المؤرخين وعلماء القانون هذا الاعتراض المحافظ. كما قد يزعم بعض النقاد أيضاً أن هذه المقترحات متطرفة للغاية؛ حيث يزعمون أنها ستثبط الاستثمار، وتؤذي الاقتصاد وتبطئ النمو. لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من ذلك. في واقع الأمر، إن الشيء المتطرف حقاً هو تلك التجربة على الضرائب التي بدأت خلال عهد ريغان، عندما بدأت معدلات الضرائب على الأثرياء والشركات بالهبوط بحدة. وكانت النتائج واضحة: النمو البطيء؛ والعجز الشديد؛ واللامساواة غير المسبوقة.
إعادة إنعاش الدولة
خلقت هذه المشاكل الهائلة مطالب بإجراء إصلاحات أكثر شمولًا. وبينما يميل الناخبون الأصغر سناً إلى اليسار، فإن تأخير إصلاح النظام الضريبي الحالي والاستمرار في تجريد الدولة من العائدات قد يؤديا إلى تغييرات سياسية أكثر تطرفاً بكثير من تلك الموضحة هنا. وقد يأتي تهديد أكثر رعباً من اليمين: مرة تلو الأخرى، أثبت الاستبداديون والقوميون كونهم ماهرين في توجيه الغضب الشعبي بشأن عدم المساواة واستغلاله لتحقيق غاياتهم الخاصة.
من خلال أكل الدولة، تأكل الرأسمالية نفسها. لقرون عدة، اعتمدت الأسواق على الدول القوية لضمان الأمن، وتوحيد ومعايرة التدابير والعملات، وبناء وصيانة البنية التحتية، ومحاسبة الجهات الفاعلة السيئة التي تكسب ثروتها من خلال استغلال الآخرين بطريقة أو بأخرى. وتضع الدول الأساس للسكان الأصحاء والمتعلمين الذين يمكنهم المشاركة والمساهمة في وجود الأسواق المزدهرة الناجحة. إن السماح للدول بتحصيل نصيبها العادل من الإيرادات في شكل ضرائب لن يفضي إلى حقبة دستوبية من الحكم القمعي. بدلاً من ذلك، سوف تعيد تقوية الدولة الرأسمالية إلى مسار أفضل، في اتجاه مستقبل تعمل فيه الأسواق لما فيه خدمة مصالح المجتمعات التي تنتجها، والتي لن تقتصر فيها فوائد النشاط الاقتصادي على نخبة صغيرة إلى حد التلاشي.
 
*جوزيف إي. ستيغليتز Joseph E. Stiglitz: أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كولومبيا.
*تود ن. توكر Todd N. Tucker: زميل في معهد روزفلت.
*غابرييل زوكمان Gabriel Zucman: أستاذ مشارك في الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Starving State: Why Capitalism’s Salvation Depends on Taxation