Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Feb-2021

البحث في قضايا الهوية والقيم

 الدستور-د. مهند غازي الزامل

كما يوحي عنوان المقالة، فإنّ الحديث ينقسم إلى قسمين: الأول: يتناول أبرز الإشكالات البحثية في قضايا الهوية والقيم. والثاني: عن المناهج والمجالات البحثية في تلك القضايا.
الإشكالات البحثية:
في عصر العولمة فإنه لا يُسمح لأمة أن تتميّز بدينها وهويتها وقيمها تميُّزًا يتعارض مع مُتطلبات العولمة، فضلًا عن معارضتها ومقاومتها؛ فالفكرة الأساسية للعولمة هي البحث عن القَدْرِ المشترك بين الشعوب والحضارات وإعادة صياغته بصورة تتواءم مع نتاج الحضارة الغربية.
تسعى العولمة إلى حرث النتوءات وإلغاء التمايزات، ليس وصولًا إلى قَدْرٍ متوافقٍ عليه بين الجميع؛ بل وصولا إلى أقرب نقطة من الحضارة الغربية كمصدرٍ جديد – ودائم – للقيم، وأساسًا لتعريف الهوية.
من هنا؛ يكتسب البحث في قضايا الهوية والقيم أهمية مضاعفة، فهو ليس مُجرّدَ تثبيت أو ترسيخ لمبادئ ثقافية أو دينية، بل هو عملية مقاومة أصيلة ولازمة لأكبر عملية تجريف حضاري يتعرّض لها العالم العربي والإسلامي كله في الوقت نفسه؛ هي مقاومة لو تراجعت أو هُزمتْ، فإنّ ذلك سيعني أن تفقد الأمة هوّيتها وتتبدّل قيمتها.
والمراجعة المتأنية للنتاج البحثي في هذا المجال تكشف لنا الفجوة الهائلة بين الواقع والمطلوب، وفي هذه المقالة نعرضُ لأهمّ الإشكالات وجوانب القصور في هذا المجال:
1- ما يبعث على الإهتمام بالبُعد المنهجي عند التناول البحثي لقضية الهوية والقيم، أمران:
الأول: القصور في المنهجيّات المطروحة حاليًّا لتناول تلك القضايا؛ كونها تعتمد على الحدس ومخاطبة المؤيدين، وتفتقر إلى القدرة التحليلية المنضبطة والتعمُّق المُنشئ للتصوُّر.
الثاني: عجز المنهجيّات المعرفية الغربية عن مواكبة التصوُّر الإسلامي والتماشي مع ثوابته، ويتبع هذا القصور أساسًا من النزعة الوضعية للفكر الغربي، فهو فكرٌ يُعرِضُ تمامًا عن الجانب الإلهي للمعرفة.
أحد الإشكالات المنهجية الكبرى في هذا المجال أنّ المجتمع في الحضارة الغربية مُنتجٌ للقيم ومُستخدمٌ لها في الوقت نفسه، بينما في الحضارة والثقافة العربية والإسلامية فإنّ المجتمع يُطبِّق القيم أكثر مِمّا ينتجها، لذا تبدو الهُوّة كبيرة جدًا عندما نستخدم مناهج غربية لدراسة القيم مع هذا الفارق الأساسي بين الحضارتين.
2- من الإشكالات الأساسية أيضًا: صعوبة قراءة المجتمع.
فنحنُ أمام ثلاثة أنواع من القراءات يمكن تداولها فيما يتعلّق بدراساتِ الهوية والقيم (قراءة تاريخية تأصيلية، وقراءة التحولات، وقراءة المستقبل واتجاهات التغيُّر).
أغلب المتصدين في الجانب العربي والإسلامي لقضايا القيم والهوية يُركِّزون على القراءة التاريخية التأصيلية، وأقلُّ منهم من يهتم بقراءة التحوُّلات قراءة علمية منهجية، والأقلّ هم الذين يعتنون بقراءة اتجاهات المستقبل.
3- أغلب الدراسات التي تتناول قضية الهوية تفتقر إلى الواقعية.
وتغرق في التنظير وتستغرق في النقد. في حين أن التناول الواقعي يُقرِّبُنا أكثر من لُبِّ الموضوع وحقيقة الأزمة، لِنَجِدَ أنفسنا أمام ثلاث ظواهر تتعلّق بالهوية: (نسيان الهوية، تشوُّش الهوية، فقدان الهوية)..
وما بين الحالات الثلاث فروقات واضحة يجبُ أن تنعكس على منهجية التناول البحثي لقضية الهوية.
فالنسيان يحتاجُ إلى إعادة تذكير، والتشوشُ يحتاجُ إلى إعادة تعريف، والفقدُان يحتاجُ إلى إعادة تأسيس..
بذلك نحن أمام « ثلاثة عوارض» تتطلّب « ثلاث مهام « بحثية مختلفة متعلقة بالهوية؛ وهي: التذكير، التعريف، والتأسيس..
وغالبًا ما يضمّ المجتمع فئات متباينة في قناعاتها الثقافية والعقدية، بحيث نحتاج إلى القيام بالمهام الثلاث في الوقت نفسه.
ويظهرُ الخلل المنهجي في التناول هنا في أمثلة كثيرة، من أبرزها: أن نخاطب إحدى الفئات المجتمعية بالمهمة التي لا تتناسب معها، كأن تكون مثلًا فئة فقدتْ هويتها بينما نصُرُّ نحن على التعامل معها بآلية التذكير، فلا تحدث استجابة بالطبع.
مناهجُ ومجالات البحث:
صفة عامة، فإنّ الحلقات المترابطة بين النظام المعرفي ومناهج التعامل مع مصادر التأسيس والمرجعية، ومناهج التعامل مع النتاج الفكري، فضلا عن مناهج التعامل مع الواقع؛ هي من أهم الأمور التي تجعل النظام المعرفي أكثر فاعلية وقدرة على توليد رؤى وتصورات منهجية على شاكلته. ومن المهم أن نشير إلى أنّ النظام المعرفي واحدة حلقات موصولة بين النظام القيمي والنظام العقدي. ولذلك نحتاجُ إلى أربعة أنواع من الدراسات لسدّ الخلل المعرفي في قضية الهوية والقيم:
1- دراسة فكرية تنطلق من منهجية ثقافية تعمل في اتجاهين: النقد والبِناء... فهي ترصدُ دعاوى تحريف الهوية، واستبدال القيم، فتكشفها وتُسقطها وتُحدّد آلياتُ المواجهة كما تعمل على اتباع منهج علمي في عملية البناء المفاهيمي، فتتناولُ القيم وفق آلية منضبطة مُتعمِّقة تتجاوزُ الإستغراق في الحديث عن الفضل والأهمية؛ إلى ممارسة عملية تفكيك ٍ للمفهوم وإعادة بنائه من جديد وُفق خطواتٍ تشملُ؛ تحديد معنى المفهوم، تحديد خصائصه، تحديد العلاقة بين المفهوم وبعض المفاهيم المشابهة أو المقاربة، تحديد شروط المفهوم، تحديد مراحل ومستويات المفهوم، وتوظيف المفهوم.
2- دراسة اجتماعية تتناول الواقع القيمي في المجتمع وثقافته وهويته، وترصد التغيرات والتحولات، وتقرأ التعريفات التي يُقدِّمُها المجتمع لنفسه وما يطرأ عليها من تبدُّلات، وتربط ما بين البُعد التاريخي التأصيلي والواقع؛ ليستكشف المجتمع موقعه من ثقافته وتراثه الحضاري.