Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Oct-2020

أُميّة ثقافية وشُحّ معرفي في الزمن الرقمي

 الراي-فرح العلان

أميّة ثقافية وشُحّ معرفي تحياه الأجيال الشابة في هذا الزمن الذي يوصف بـ"الرقمي"، مرجعه النزوع نحو التسلية بعيدا عن أي فائدة تُرجى. إذ يشكل الفراغ مفسدة للشباب وهو من عوامل انحدار الفكر وبخاصة في ظل ارتفاع مؤشرات البطالة، والانقياد خلف التكنولوجيا بوسائلها المتناسلة.
 
مختصون أكدوا من خلال التحقيق الذي تنشره "الرأي" اليوم، أن تعامل الكثير من الشباب مع الشبكة العنكبوتية يفتقر إلى الوعي، إذ أصبحوا منقادين لها لا مؤثرين بها، بفعل الابتعاد عن القراءة وانبهارهم بالمحتوى الالكتروني، مما جعلهم فريسة المواقع الهدامة، وبخاصة أننا نعيش عصر الصورة وثقافتها التي باتت تسيطر على جميع نواحي الحياة في ظل تراجع الاهتمام بالنص المكتوب.
 
غرايبة: فجوة قراءة الكتب.
 
قال الكاتب الدكتور فيصل غرايبه:"ان قضية الاقبال على المطالعة في المجتمع الاردني كجزء من المجتمع العربي عموما، ما تزال تشكل قضية بارزة ومستمرة عبر االأجيال، وتندب حظ الأمة بأن أجيالها المتعاقبة لا تميل الى القراءة والاطلاع من خلال الكتب، وان هذه القضية تتزايد وتنتشر لدى الجيل الجديد، الذي تعتبره الأجيال السابقة بانه قد هجر الكتب وعزف عن الاطلاع عليها او فيها، لتجديد معلوماته وزيادة معرفته، سواء في حقل اختصاصه او في ثقافته العامة، وسواء في اطار البحث عن المعلومات او الآراء حولها، وهو اي هذا الجيل الجديد والمستجد تتزايد لديه فجوة قراءة الكتب ومتابعة ما يكتب فيها، ويضاف الى ذلك المجلات والصحف، ولقد وجد الجيل الجديد ضالته المنشودة في الوسائل الألكترونية، وخاصة عبر الواتس آب كوسيلة للتواصل والاتصال والاطلاع والتزود المعلوماتي الثقافي، وهو يطّلع فيها على احدث المعلومات وما يستجد من حوادث واحداث، ناهيك عن الفضائيات المنتشردة والمتزايدة والمتنوعة فيما تعرضه وتنشره، وبشكل اكثر وفرة واحدث واقعا، مما في ثنايا الكتب ويجده الشباب اكثر تشويقا وجاذبية من قراءة الكتب وتصفح الصحف، وهو الأمر الذي يبدد فكرة عدم اقبال الشباب على المطالعة عموما، ويحصرها بوضوح وبتحديد في عدم اقبال الشباب على قراءة الكتب.
 
ويوضح غرايبة ان الاطلاع الالكتروني قد استبعد توجه الشباب عموما والطلبة خصوصا نحو فكرة ارتياد المكتبات العامة، وان كان تطور الاحداث الاطلاعية قد حصر الاقبال على المكتبات داخل الجامعات على طلابها وفي مجال تخصصهم ومن اجل تحضير اوراقهم وابحاثهم التي يكون لزاما عليهم ان يعدوها في اطار متطلبات المنهاج المقرر في كل مساق ولدي اي استاذ، وهو نفس السبب او الحجة للموظفين الذين يعودون الى بيوتهم تعبين او يجدون تبريرا في هذا السبب لعدم المطالعة، عدا عن الشكوى بعدم توفر المال الزائد لشراء كتب بقصد المطالعة الحرة والاستمتاع بها.
 
توفيق: تغيير نظام القيم.
 
أما رئيس الجمعية الفلسفية الناقد الدكتور زهير توفيق فقال: "هذه صورة نمطية تحتاج لبرهنة واستقراء؛ فالكتاب من حيث المبدأ مصدر معرفي وينافسه اليوم وسائل التواصل والانترنت، وكل منجزات الثورة العلمية والاتصالية التي حولت المعرفة الورقية بجميع أشكالها إلى معرفة الكترونية، يمكن الحصول عليها بطريقة أخرى غير الطريقة المعهودة، فالمشكلة ليست في قراءة الكتب بل بالأمية الثقافية التي تضرب أطنابها بين الشباب وغير الشباب.
 
وأكد توفيق ان الكتاب بشكله الكلاسيكي لم يعد جذابا للشباب، ولم يعد المناخ العام ثقافيا واجتماعيا متاحا للشباب فهم مع الأطفال والنساء فئات مهمشة؛ لم تحظ بحقها بالحضور العام د، وبالتالي فالسؤال: لماذا لا يهتم الشباب بالسياسة والثقافة والقراءة؟ أصبح سؤالاً وجيها وجوابه معروف.
 
وبين توفيق ان المجتمع الأرني شهد تغيّراً كبيراً فقد خرج من التقليد وقيمه، ولم يدخل بالحداثة؛ بل دخل في التحديث والليبرالية الشكلية التي لا تريد الشباب قوى اجتماعية ابداعية ومثقفة هدفها التغيير، ولاتعير (الليبرالية الشكلية) اهتماما كبيرا للقيم الثقافية والقراءة والكتابة، وجعلت الاستهلاك والمنافسة والفائدة العملية المباشرة هدفها الأول والاخير، والفئات المستهدفة الأساسية في برامجها الظاهرة والباطنة هي الشباب. فالافضل أن يكونوا مستهلكين، ولا يعرفون أكثر من تخصصهم ،ولا يعرفون من المهارات والمعارف إلا مهارات العمل المطلوبة، فالكتاب الثقافي سلعة غير جذابة للشباب.
 
مضيفا حتى التسلية والالعاب التي كانت في الماضي انسانية وجماعية، وحركية وعقلية وبالتالي كانت ذات أبعاد ثقافية، بعكس تسلية والعاب اليوم فهي آلية وفردية ونمطية مبرمجة مسبقاً، هذا هو المناخ العام المسؤول عن وضع القراءة عند الشباب. وهذا لا يعني إعفاء الشباب من المسؤولية، فالقراءة والثقافة في النهاية خيار فردي يتشرّبه الفرد بالتعليم والتربية، من الطفولة والصبا، فيبيت الأسرة والمدرسة وحتى الجامعة التي تولي اهتماما لقيم الفردية والمنافسة والعقل والثقافة.
 
وزاد توفيق إننا بحاجة لتغيير نظام القيم والثقة بالشباب واعطائم الدور المناسب لدفعهم للقراءة والثقافة واحتضان الكتاب من جديد، ولكن كيف ؟
 
هذه الفكرة إذا لم تتحول إلى مهمة لن يكتب لها النجاح، وتصوري هو إيلاء الاسرة الأردنية لعمل مكتبة البيت كأهم قطع الأثاث، وتطوبر عمل امين المكتبة في المدرسة، وتطوير منتديات الشباب الثقافية في البلد، وجعل المكتبة في الجامعة أهم المرافق، واعطاء الشباب المثقف القارىء المكانة والاحترام الذي يستحقة.
 
الضمور: الانبهار بالمحتوى الالكتروني.
 
من جانبه قال الدكتور عماد الضمور: من الضروري الإقرار بحقيقة تراجع فعل القراءة عند مختلف الفئات العمرية وحتى بين أواسط المتعلمين والمثقفين على حدّ سواء، وهذا راجع إلى الثورة التكنولوجية الهائلة التي أحدثت صدعاً واضحاً في عالم الكتابة والقراءة فقد أصبح العصر يوصف بعصر السرعة، أما النص الكتابي فأصبح يتسم بالاختصار والاختزال تمشياً مع طببعة العصر مما خلق فجوة بين الكتاب والقارئ وجعل النص المكتوب يفقد بعض ألقه وروحه المنتجة لنشوة التلقي.
 
ومن أسباب هذا التراجع أشار الضمور الى حالة الإحباط الشديدة التي تولدت عند هذا الجيل من الشباب نتيجة للتحديات السياسية والاقتصادية التي أبعدت كثيرا من الشباب عن القراءة وزعزعت ثقته بالكتاب والمعرفة بشكل عام، مما جعل هذه الفئة من المجتمع تميل نحو تلقي المعلومة جاهزة دون أدنى عناء في البحث العلمي أو القراءة الجادة في بطون الكتب.
 
وأوضح الضمور ان الفراغ المعرفي الذي يحياه شبابنا في هذه الأيام مرجعه نزوح الشباب نحو التسلية بعيدا عن أي فائدة تُرجى، فالشباب والفراغ مفسدة للفتى، وهما من عوامل انحدار الفكر وبخاصة في ظل ارتفاع مؤشرات البطالة، والانقياد خلف التكنولوجيا بوسائلها المختلفة وآثارها المدهشة، إذ تعامل معظم الشباب مع الشبكة العنكبوتية بعدم وعي فأصبحوا منقادين لها لا مؤثرين بها، بفعل الابتعاد عن القراءة أولا وانبهارهم بالمحتوى الالكتروني الهائل دون وعي أو تمحيص، مما جعلهم فريسة المواقع الهدامة، وبخاصة أننا نعيش عصر الصورة وثقافتها التي باتت تسيطر على مختلف الاتجاهات في ظل تراجع الاهتمام بالنص المكتوب.
 
وعن كيفية علاج هذه الظاهرة، دعا الضمور أولا الى تكاتف الجهود المبذولة في سبيل إعلاء فعل القراءة، وبيان قيمتها الفكرية، وأهميتها في التنشئة السليمة للأفراد، وهذا بحاجة إلى جهد مجتمعي تنهض به الأسرة ثم المدرسة وصولا إلى المرحلة الجامعية. مضيفا ولا ننسى دور المؤسسات الحكومية والخاصة في توفير البيئة المناسبة للقراءة وتذليل كافة الصعوبات التي من شأنها الوقوف عائقا أمام الشباب وطالبي المعرفة، ليعود الكتاب كما عرفه أجدادنا خير جليس، وكنزاً من المعرفة الإنسانية لا ينضب.
 
فاخوري: ظاهرة الكتب المجانية.
 
الكاتبة الدكتورة هدى فاخوري قالت: في ظني أن هناك نسبة جيدة من الشباب تقرأ الكتاب الجيد، والدليل أن في اللأردن أكثر من ٢٥٠ دار نشر، وهي تعمل منذ سنوات بعيدة وتربح، وتشارك في معارض الكتب في كل العواصم العربية. وفِي المشروع الذي أطلقته وزارة الثقافة " القراءة للجميع"، الذي يطبع من نصف مليون إلى مليون كتاب سنوياً، تنفذ معظم النسخ لكتاب محليين وعرب وكتب مترجمة وكتب تراث، خلال فترة المعرض. وذلك لأن المشروع مدعوم ويباع الكتاب بثمن في متناول الشباب. مضيفة قد نستنتج أن ارتفاع ثمن الكتاب قد يكون عائقاً أمام الشباب لشراء الكتب. لكني أعتقد أيضاً أن هناك وسائل أخرى متوفرة للذين يبحثون عن الكتب عن طريق الإنترنت.
 
وأكدت فاخوري انها ضد الإحصاءات التي تصدر عن مؤسسات عالمية والتي يتصدرها جملة" العرب لا يقرأون". موضحة ان "هذا غير دقيق، خصوصاً في العقود الأخيرة، حيث انتشرت الحروب في مراكز الثقافة العربية، القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق والحزائر وغيرها، وحيث أصبح اقتناء الكتاب صعباً مقابل الرغيف، كما نضم دولاً نسبة الأمية في بعض الدول أكثر من ٥٠% لدولة مثل لبنان والعراق، فيما نسبة الأمية في الاردن بسيطة وقد لا تزيد عن ١٠%.
 
واكدت فاخوري ان ليست كل وسائل التسلية تخلو من الفائدة، فمثلاً، السينما، من وجهة نظري، وسيلة مهمة للاطلاع على ثقافة الشعوب، طبعاً هناك أفلام للتسلية فقط، وهناك كُتب ومجلات للتسلية أيضاً، والتسلية ضرورة أحيانا تماما مثل الرياضة غير الاحترافية.
 
لنفصّل، إذا أخذنا في الاعتبار طلبة المدارس فوق عمر ١٤ عاماً، نرى أنهم مرهقون بالمناهج الدراسية، وليس لديهم وقت كافٍ للدراسة والترفيه الضروري وقراءة الكتب، أما الفئة التي تعمل فوق عمر ٢٠ عاماً فمعظمهم مرهقون بالعمل أو يبحثون عن عمل، وهم في ظروف مادية صعبة. لكن هناك فئة لا تزيد نسبتهم عن ١٠./. من الشباب، يرتادون المقاهي للتدخين والأرجلةوالتسلية، ولا يبحثون عن الثقافة الجادة، وهذا موجود في كل مكان. وقد شاهدتُ أيضاً ظاهرة رائعة في عمان حيث سعى شباب للحصول على كُتب مجانية قديمة أو حديثة وباعوها أمام المدرج الروماني في عمان بدينار واحد للكتاب.
 
وأوضحت فاخوري أن علاج هذه الظاهرة يحتاج لدراسة موسعة حول الموضوع أولاً، وهذا تقوم به مؤسسات الدولة مثل وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم والمؤسسات الثقافية مثل رابطة الكتاب مثلاً وعلى ضوء النتائج نجد الحلول. وقد لاحظنا هذا العام في ظل جائحة كورونا، ان وزارة الثقافة طرحت مسابقة لكتابة القصة حول هذا المرض، ولاحظنا إقبالاً كبيراً على المشاركة، وهذا دليل جيد على اهتمام الشباب بالقراءة والكتابة. ولا بد أن يشارك الشباب أنفسهم في وضع الحلول التي تلائمهم