الغد-إسرائيل هيوم
بقلم: البروفيسور آفي بار-ايلي 9/10/2024
لو لم يكن يدور الحديث عن شؤون تتعلق بالحياة والموت لكان يمكن للمرء أن يتسلى لمشاهدة "السابقين" في جهاز الأمن ممن ينتقلون بخفة من الانهزامية إلى الكفاحية.
صرخوا في الاستديوهات بأنه يجب وقف الحرب في غزة وترك حماس واقفة على قدميها. طالبوا بـ"صفقة مخطوفين" خيالية وعديمة الأساس كانت ستدفن أحياء عشرات المخطوفين في القطاع من أجل وقف المعركة في لبنان من خلال "ترتيب" خيالي بقدر لا يقل، قبل تصعيد إلى حرب ضد إيران. أشاحوا عيونهم عن رؤية أن هذه الحرب قد نشبت منذ الآن. معنى اقتراحاتهم كان استسلاما خطيرا لإيران ولذراعيها على حدود إسرائيل وتدهورا خطيرا في المعنويات.
لا يستطيع الضباط الكبار السابقون استخلاص استنتاجات واسعة من أخطائهم، فحرب إيران – إسرائيل التي نشبت في السنة الماضية ليست مناسبة لوحدة الآراء الجماعية التي تميزهم. فهي حدث تاريخي شاذ يحتاج إلى تحليل يتجاوز ما هو معروف ومقبول لديهم حتى الآن تحليل لا يغرق في المسلمات العادية.
حرب إيران – إسرائيل تحتاج التخلص من المنطق المشوه الذي وجه القيادة العسكرية والسياسية لإسرائيل في "جولات" جرت بينها وبين أذرع الخنق الإيرانية في نحو العقدين اللذين بين حرب لبنان في 2006 وبين حارس الأسوار في 2021. وهذا هو المنطق المشوه ذاته. "ضبط النفس" الإستراتيجي الذي غرس فينا قبل ذلك في التجلد على منظمات من أوسلو وما تلاه. وعندما يُسأل ما هو الأفق الإستراتيجي للخطوة الحالية في لبنان فهل السائل يقصد "استراتيجية" الهروب التي اتخذها باراك؟ "إستراتيجية" الترتيبات لأولمرت ولفني؟ اتفاق الغاز للبيد؟
"الأفق الإستراتيجي" موضع البحث هذا غطاء لترك لبنان سائبا لإيران من خلال سورية والطائفة الشيعية في لبنان. فالمبدأ الإستراتيجي الذي يجب أن يوجهنا هو صفر تسامح لتجمع جيوش على حدودنا أو في داخلنا، في القطاع أو في جبال يهودا، السامرة ولبنان. في لبنان يستوجب مبدأ صفر التسامح احتلال الجنوب كله، إلى ما وراء الليطاني وتطهيره من البنى التحتية العسكرية، بعد إخلاء السكان الذي يجري هناك الآن. ولن يسمح بعودة السكان إلا بعد أن يستكمل قصف جيش حزب الله وقياداته في كل لبنان، وفقط على أساس اتفاق دولي لنزع سلاح هذا الجيش. إسرائيل لن تتحرك من جنوب لبنان الفارغ من سكان (بشكل مؤقت) وتتمترس على نهر الأولي، إلى أن ينزع سلاح حزب الله عمليا.
إن تبادل الضربات مع إيران ينبع من تطبيق مبدأ صفر التسامح. وفي الحرب في إسرائيل وكذا بث قوة وتهديد من خلال المشروع النووي، هي أساسات نظامية في إيران. بدون حزب الله وأمثاله يكون الخطاب اللاسامي للنظام فارغ من المضمون.
لقد استخدم النظام الجيش الصاروخي لحزب الله لحماية المشروع النووي. وتصفية حزب الله هي إذاً ليست ضربة إستراتيجية بل هي تضعضع النظام. وعليه فينبغي التوقع لهجمات من إيران طالما كنا نقصف حزب الله. لكن سحق حماس وحزب الله هو أمر قابل للتنفيذ في المدى الزمني القريب، بينما التصدي الحيوي لإيران هو موضوع طويل أطول واقسى. وهو يتطلب مناورة سياسية – عسكرية معقدة مع الولايات المتحدة، وذلك لأن الولايات المتحدة حاليا ما تزال تتمسك بمصالحة فاشلة مع إيران، مثل فشل إسرائيل في "احتواء" حماس وحزب الله.
وعليه، فرغم المخاطر، فإن التصعيد الحالي مع إيران يفيد المصالح الأمنية الحيوية لإسرائيل. تصعيد يسمح بكسر إستراتيجية الوكلاء لإيران ويستوجب منها تحمل ثمن المواجهة معنا، مثلما حصل مع مصر إلى أن اضطرت للتوقيع على اتفاق سلام. تصعيد يسمح بحمل الولايات المتحدة بالتدريج على الاعتراف بأن التهديد الإمبريالي الإيراني يستوجب تصفية مشروعه النووي وتقويض النظام. المناورة من أجل هذه الغاية هي جزء مهم في اعتبارات نتنياهو الآن، قبل الرد الإسرائيلي المرتقب في إيران.