Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-May-2016

أخطر من حظر* أمينة خيري

الحياة-في أواخر ثمانينات القرن العشرين وأوائل تسعيناته، ظهر ما يُعرف بـ «المراجعات»، والتي كانت جهود أمنية وسياسية قام بها بعض من دول منطقتنا العربية التي ضربها الإرهاب في مقتل فكري وسياحي واجتماعي، حيث أصبح التكفير هو السائد والتفكير في الهجرة هو الطاغي.
 
وبعد صولات وجولات من المداهمات والاعتقالات وأحكام السجن من جهة، والرد الانتقامي بقتل رجال الأمن والمسؤولين، بل وأحياناً قتل المدنيين العاديين كنوع من أنواع الانتقام المكلل بفتاوى تحليل وأخرى للتعليل، بزغت نظرية الدفع بفكرة «المراجعات» بالتعاون مع عدد من قيادات هذه التنظيمات من المسجونين. هذه القيادات أظهرت على ما يبدو نوعاً من الاستعداد لمراجعة أفكارها وتحولت إلى مدرسة فكرية لا تخلو من الغرابة حيث تصحيح لأفكار تكفيرية وتعديل لمعتقدات دموية، ولكن بتدعيم أمني ومباركة رسمية.
 
واليوم، وعلى رغم غرق المنطقة العربية في بحور الإرهاب الطائش، إلا أن الجميع أصبح على يقين أن علاج الإرهاب لا يكتمل إلا بعلاج العوامل المساعدة عليه والمؤججة له. ولا يغفل أحد حتمية نسف ومن ثم إصلاح أنظمة التعليم والرعاية الاجتماعية وغيرها، لكن أحداً أيضاً لا يصح أن يغض الطرف عما فعلته الفضائيات من أدوار داعمة ومعضدة ومؤججة ومشجعة لجماعات ما أنزل الله بها من سلطان.
 
وقد اتضح أن عصر السموات المفتوحة ليس كله خيراً مطلقاً وحريات. آلاف القنوات التي لا ينقطع بثها على مدار الـ24 ساعة تبث سموماً عقائدية وطائفية لم تعد تتوقف عند حدود نظرية الطاووس، حيث جماعتنا وحدها على حق، وعقيدتنا خير مطلق، ومبادئنا جمال لا متناهٍ، بل أصبحت مهمة كثيرين تقبيح وتكفير ودعوة إلى قتال الآخرين.
 
وإذا كانت الجماعات الإرهابية تعمل منذ سنوات بهذا المنهج التكفيري الدموي، فإن آثارها تظل مقتصرة على الموجودين في محيطها. ولكن أن يتحول منهجها الدموي وخطابها القبيح إلى ساعات بث متاحة للملايين من دون مقابل، فهذا شكل من أشكال الانتحار الجماعي.
 
ولأن شر البلية ما يضحك، فقد بادر أحد فنيي تركيب الصحون اللاقطة إلى سؤال العميل ما إذا كان يحب أن يصنف له القنوات بحيث تكون الأفلام مع بعضها والأخبار مع بعضها والقنوات التكفيرية مع بعضها. وحين سأله العميل عما يقصد، قال ببراءة يحسد عليها: «أي قنوات هذه الطائفة الذين يسبون تلك، وتلك تكفر هذه، وهذه تدعو إلى قتال هؤلاء - وهؤلاء يحللون ذبح أولئك، وهكذا». فوافق العميل الذي اكتشف صحة الكارثة.
 
المسألة لا تحتاج إلى حظر ومنع، ولا إلى هيئة مراجعة، لأن القضية أكبر من ذلك بكثير. الحاجة باتت ماسة إلى مراجعات شاملة. من يقف وراء هذه الفضائيات؟ من يدعمها؟ من ينفق عليها؟ من يشاهدها؟ ولماذا؟