Tuesday 22nd of October 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Jun-2024

سقوط نظرية الحرب على الإرهاب وحصانة الغرب‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يوجين دويل*‏ - (كاونتربنش) 2024/6/6
‏ليس طلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف ضد نتنياهو وآخرين سوى البداية. ويجري الآن جمع الأدلة في جميع أنحاء العالم وإعداد قضايا، بما في ذلك ضد السياسيين والمسؤولين البريطانيين والأميركيين والأوروبيين بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية. وقد تلقت المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي طلبًا‏ من حقوقيين وجماعات لحقوق الإنسان للتحقيق مع رئيسة الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية.‏
 
 
‏قال طيب علي، وهو ناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ومدير "المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين"، للصحفي أوين جونز، إن هناك قدراً هائلاً من الاستعدادات يجري الآن بعيدًا عن أنظار الجمهور. وأضاف: "لقد أمضيت وقتًا طويلاً هذا العام في السفر حول العالم للقاء رؤساء دول، والاجتماع مع وزراء خارجية، والاجتماع مع وزراء العدل، وسأقول لكم: إن الشهية لمحاكمة الأشخاص المتواطئين في جرائم الحرب، خاصة في الجنوب العالمي، مرتفعة". وكانت جنوب أفريقيا رائدة في هذا الصدد.‏
الحقيقة هي أن بنيامين نتنياهو وجو بايدن مذنبان بارتكاب جرائم أسوأ بكثير من أسامة بن لادن أو إسماعيل هنية أو مروان البرغوثي أو نيلسون مانديلا. أنا لا أتغاضى عن بن لادن أو أقلل من شأن ما فعله. لقد قُتل صديق حميم لي، جون لوزوفسكي، في البرجين التوأمين في 9/11. ولم يكن يستحق أن يموت. ومع ذلك، يحدُث أن الرئيس الأميركي الحالي ورئيس وزراء إسرائيل قتلا عددًا أكبر بكثير من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء -وعلى عكس بن لادن والآخرين، من الواضح أنهما مذنبان بارتكاب جريمة الجرائم: الإبادة الجماعية. غير أن ما يغير قواعد اللعبة هو الحضور الذي يلوح في الأفق للسلطة القانونية والأخلاقية المشتركة للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. وبينما تتحركان مثل ملائكة العدالة، فإنهما ستلاحقان إسرائيل -وفي نهاية المطاف حتى كبار المسؤولين الأميركيين- إلى أقاصي الأرض. وفي حالة المحكمة الجنائية الدولية، لا يمكن لأي دولة موقعة على نظام روما الأساسي أن توفر ملاذًا آمنًا للمطلوبين بمجرد صدور أوامر الاعتقال.‏
‏هذا هو السبب في أن المحكمة الجنائية الدولية التي تسعى إلى اعتقال نتنياهو أثارت شيئًا يقترب من الانهيار العصبي، وتحطيمًا للنفسية عند النخب الغربية، حيث الإفلات من العقاب موجود في الوصف الوظيفي.‏
‏وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، لصحيفة "دويتشه فيله"، الأسبوع الماضي، إن بعض الدول الأوروبية تحاول تخويف محكمة العدل الدولية في أعقاب قرارها، بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بأمر إسرائيل بوقف هجومها على رفح، غزة. وقال إن حكم المحكمة يشكل معضلة للاتحاد الأوروبي.‏
قال بوريل: ‏"سيتعين علينا الاختيار بين دعمنا للمؤسسات الدولية وسيادة القانون -أو دعمنا لإسرائيل". تأمل في هذه الكلمات، واعتمادًا على الاختيار، إلى أين تقود. هل يمكن أن تكون الولايات المتحدة وأوروبا على أعتاب الخروج من تمثيلية استمرت عقودًا من الزمان تتظاهران فيها بأنهما تدافعان عن العدالة والقانون والنظام؟‏
‏وهو ما يصل إلى معضلة العقدة الغوردية التالية التي يستحيل اختراقها بالقطع: الإرهاب.‏
مثل البرجين التوأمين اللذين تداعيا إلى الأرض في العام 2001، فإن الإطار المعماري الذي يؤطر نظرية الحرب الأميركية انهار الآن في كومة من الأنقاض المختلطة. بعد غزة، أين الحرب العالمية على الإرهاب، التي شنها جورج دبليو بوش، ودعمتها دول مثل أستراليا ونيوزيلندا، وما تزال، حتى يومنا هذا؟ لقد استندت تلك الحرب إلى الحجة القائلة بأنه في حين أن الإرهابيين، مثل "القاعدة" يقتلون الأبرياء عمدًا، فإن أميركا وحلفاءها يحققون العدالة. وردًا على الاتهام بأن أميركا أو إسرائيل أو المملكة المتحدة قتلت عددًا لا يحصى من الأبرياء أكثر بكثير من أي منظمة "إرهابية"، كان الجواب دائمًا يعود هو نفسه: لكننا لم نقصد أبدًا ... كانت نوايانا نبيلة، لقد ماتوا فقط كأضرار جانبية، أو عواقب غير متوقعة أو غير مقصودة -أو على أساس ذلك الهراء القديم: أهون الشرين. عندما سئلت عن وفاة مئات الآلاف من الأطفال العراقيين نتيجة للعقوبات الأميركية، تنهدت وزيرة الخارجية في ذلك الحين، مادلين أولبرايت، قبل أن تقول: "هذا خيار صعب للغاية، لكننا نعتقد أن الثمن كان يستحق الدفع". وتستخدم إسرائيل الحجة نفسها عندما يتعلق الأمر بحرق الرجال والنساء والأطفال في غزة.‏
‏هذه هي "عقيدة التأثير المزدوج" -التي تعود في الزمن كل الطريق إلى القديس توما الأكويني. وهي تجادل بأن هناك فرقًا أخلاقيًا بين العواقب التي يقصدها المرء وتلك التي يتوقعها فقط.‏
‏لكنّ "الأساس الأخلاقي للتمييز يتبخر عندما تكون العواقب أكثر فظاعة ويكون حدوثها قريبًا من اليقين"، كما يقول رامون داس، كبير المحاضرين في الفلسفة الأخلاقية والسياسية في جامعة فيكتوريا في ويلينغتون. ويشرح داس: "فكِّر في طيار يسقط قنبلة هيدروجينية على مدينة. وبعد ذلك، يدعي أنه على الرغم من أنه توقع أنه سيقتل سكان المدينة، إلا أن نيته كانت مجرد تدمير مصنع للأسلحة. لن نكون معجبين بحجته ولن نقتنع. ومع ذلك، عندما ننظر إلى القصف العشوائي الإسرائيلي وحصار غزة الذي يشبه حصارات القرون الوسطى، فإن ادعاءها بأنها لا تستهدف المدنيين عمدًا له القدر نفسه من المصداقية الأخلاقية مثل طيار القنبلة الهيدروجينية".‏
وهنا تأتي المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية: لقد تم تقديم مجلدات من الأدلة على أن القادة العسكريين والمدنيين الإسرائيليين استهدفوا عمدًا المدنيين، وعمال الإغاثة، والصحفيين والبنية التحتية المدنية، وأن إسرائيل تستخدم التجويع كأداة للحرب. وتدرك الولايات المتحدة -ترسانة الإبادة الجماعية- ذلك تمامًا، لكنها استمرت في إرسال ما تعادل قيمته مليارات الدولارات من القنابل وأدوات الموت الأخرى لمواصلة ذبح وتدمير كل ما هو ضروري للحفاظ على الوجود الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي والمادي. وهي تحسب أنها يمكن أن تفلت من تهمة القتل الجماعي –وهو ما يبدو حتى الآن رهاناً آمناً جداً.‏
‏كتب‏‏ جون ويتبك، وهو محام مقيم في باريس قضى معظم حياته المهنية المتميزة في قضايا الشرق الأوسط، أن "الفقراء والضعفاء والمضطهدين نادرًا ما يشتكون من ’الإرهاب‘. الأغنياء والأقوياء والظالمون هم الذين يفعلون باستمرار. في حين أن معظم البشر لديهم سبب للخوف من عنف الأقوياء باستخدام التكنولوجيا العالية أكثر من عنف الضعفاء منخفض التكنولوجيا، فإن الحيلة العقلية الأساسية التي يستخدمها مستغلو كلمة ’الإرهاب‘ هي في الأساس كالآتي: عنف الضعفاء منخفض التكنولوجيا هو رجس، ومقت شديد وعمل بغيض لدرجة أنها لا توجد حدود لعنف الأقوياء عالي التقنية الذي يمكن استخدامه ضده".‏
‏هل وصلنا الآن إلى نقطة تحول تاريخية؟ إن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تحطم "درع الإفلات من العقاب" -فكرة أن المؤسسات الدولية موجودة كأدوات للغرب لمهاجمة أعدائه ولا يمكن استخدامها أبدًا ضد الولايات المتحدة وحلفائها. حتى الأسبوع الماضي، كان العديد من التقدميين يعتبرون المحكمة الجنائية الدولية "محكمة القوقاز الدولية". لكن فكرة أن رئيس وزراء إسرائيل يمكن أن تصدر مذكرة توقيف ضده كسرت القاعدة غير المعلنة القائلة بأن المحكمة كانت هناك لملاحقة الأفارقة والسلاف.‏
أعتقد أن هذه لحظة تنويرية لنا جميعًا. سوف نكون مُجبرين على مواجهة قيمنا الحقيقية -مثل جوزيب بوريل بعض الشيء. هل سيتغلب الارتباط العميق بالقوة الأميركية وتفوق البيض على إيماننا بسيادة القانون والعدالة للجميع؟ إذا اعتقدنا أن وزير الخارجية البريطاني، أو رئيس الاتحاد الأوروبي، أو حتى رئيس الولايات المتحدة نفسه فوق القانون، فإننا نعود حقاً إلى ما جادل به ثراسيماخوس عندما تشاجر مع سقراط منذ آلاف السنين: العدالة عملية احتيال -مجموعة معقدة من القواعد، يستحضرها الأقوياء للسيطرة على الضعفاء.
‏كان هذا بالتأكيد هو الاستنتاج الذي توصل إليه نيلسون مانديلا عندما شكل Umkhonto We Sizwe "رمح الأمة" -الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي- في أعقاب مذبحة شاربفيل على أيدي الشرطة في العام 1960. وكان هذا بالتأكيد هو الاستنتاج الذي توصلت إليه "حماس" بعد أن تجاهل الغرب عددًا لا يحصى من المذابح وسرقة الأراضي ضد الفلسطينيين. هل القانون الدولي عملية احتيال؟ اتخذ قرارك.‏
 
‏*يوجين دويل Eugene Doyle: كاتب مقيم في ويلينغتون، نيوزيلندا. وقد كتب على نطاق واسع عن الشرق الأوسط، فضلا عن قضايا السلام والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Shattered Theory: the War on Terror and Western Impunity