Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Jan-2020

الشرف الجنسي أولا والشرف الجنسي أخيرا*حسني عايش

 الغد

الشرف في القاموس: ” علو في دين أو في دنيا، أو هو علو المنزلة؛ أو السمو الأخلاقي والعقلي؛ أو هو المجد؛ أو الشعور بالكرامة والإباء وعزة النفس.
بعضهم يشرف بآبائه وأجداده، فيتحدث عن شرف العائلة، وبعضهم يشرف بإنجازه أو بنفسه، وبعضهم يشرف بمهنته، فيتحدث عن شرف المهنة، وبعضهم يشرف بقومه، أو بأمته، فيتحدث عن الشرف القومي، أو بدينه، فيتحدث عن الشرف الديني؛ أو بوطنه فيتحدث عن الشرف الوطني أو عن ساحات الشرف، أو بالإنسانية فيتحدث عن الشرف الإنساني.
ها هم العرب خصوصاً، والمسلمون عموماً، يضيفون إلى هذا الشرف شرفاً جديداً يتقدم على كل شرف، بل يسقط أمامه كلِ شرف إذ خُدش، وهو الشرف الجنسي الذي لا يسلم من الأذى إلا إذا اريقت على جوانبه الدم، وهي هنا المرأة، والمرأة فقط.
إذا رجعنا إلى تاريخ الجاهلية أو حللناه دون تحيز مسبق، نكتشف أن هذا الشرف كان غير موجود، أو غير معروف، فقد كان هدف القبيلة آنذاك امتلاك الرجال كيف جاؤوا، لتتمكن من البقاء في عالم ايام العرب.
لم يكن العرب أو الأعراب الأولون يقفون كثيراً لمعرفة هوية أب المولود، وعندما كان يتهم أحدهم لسبب أو لآخر كان يتفاخر بالقول: أنا أبو فلان أو أبو علان، أي أن هذا الطفل من صلبي مما جعل أحدهم يحط من هذا الاتجاه: أرى الآباء ينتسبون إلى الابناء : من فرط النذالة. وقصة كاتب الوحي وخليفة المسلمين معاوية الذي استلحق زياد بن أبيه إليه مدعياً أنه أخوه ومن صلب أبيه أبي سفيان معروفة. لم ير معاوية أي غضاضة في هذا الاستلحاق أي باتهام أبيه بمعاشرة امرأة أخرى غير أمه.
يبدو ان هذا التقليد اي نسبة الأب إلى الابن لم يكن شائعاً بين الناس في الماضي، فأنت لا تجده في كتب التاريخ إلا قليلاً إذ قد لا يصل عدد الملقبين به ثلاثين: أبو طالب، وابو بكر، وأبو هريرة، وأبو عبيدة، وأبو لؤلؤة، وابو حنيفة، وابو ذر الغفاري وعدد من الشعراء المعروفين: أبو تمام، وأبو الطيب المتنبي، وابو العلاء المعري، وابو فراس الحمداني، وان لم يكن لكثير منهم أبناء أصلاً، أو أبناء بهذا الاسم أو ذاك. لم يكن هارون الرشيد – مثلاً – يخاطب بأبي المأمون.
لم نقرأ عن قتل البنات في التاريخ العربي بدافع الشرف الجنسي. لم يتواتر ذلك كما يتواتر اليوم من قتل لهن الذي يشبه قتل المرأة الأوروبية (1520-1750م) بتهمة بالسحر في العصور الوسطى الأوروبية.
لكننا رأينا – فجأة- قتل البنات يتواتر دفاعاً عن الشرف الجنسي بعد هزيمة حزيران 1967، فقبل الصحوة الإسلامية التي تلتها كان الناس يُجبرون ابن العم أو أحد الأقارب على زواج الفتاة المتهمة بالزنا لضب الطابق. لم يكونوا يقتلونها. لكن القتل اليوم صار ظاهرة عربية اسلامية بامتياز باسم الدفاع عن الشرف الجنسي للعائلة حيث يسارع القاتل إلى تسليم نفسه للشرطة إعلاناً بمسح العار، ولأنه يعرف – مسبقاً – أن عقابه خفيف. وقد انتقل هذا التقليد الأعمى مع العرب والمسلمين إلى بلاد المهجر وإلا ما تمكنا من تفسير عودة أخ إسراء غريب المغترب إلى بلده للمشاركة في قتلها، فطبيعة أو محتوى التنشئة في الصغر كالنقش في الحجر. إنها جينات مكتسبة لا تزول بسهولة بتعليم تالٍ أو باغتراب وإن طال. قد تمر عدة أجيال حتى تختفي ويحل محلها جينات جديدة. لكن السؤال: لماذا هاجروا إلى هناك؟!! ولماذا يبقون هناك؟ الا يعلمون أن الحرية الشخصية (القانونية) والايجاب والقبول والقانون والقضاء فيه هو القاعدة، وان الحرية الشخصية مصونة؟!!! أهي الانتهارية؟ يريدون التمتع بامتيازات الإنسان في الغرب، وفي الوقت نفسه المحافظة على سلبيات الشرق فيه.
يواصل الناس في المجتمعات العربية والمسلحة القتل وهم يتناسون أن الحرية الجنسية التي وفرتها حبوب منع الحمل والترقيع، والهاتف الخلوي… تجري من تحتهم كما يفيد أحد الأطباء، فالجميع يتظاهرون بالطهارة، والجميع يتظاهرون بالتصديق، أي أن كُلّه يضحك على كُلّه.
إلى متى سيظل الرجل العربي والرجل المسلم يُحّمل المرأة المسؤولية عن الكوارث التي تصيب الفرد والمجتمع والوطن والدولة وكأنها عنده مصدر جميع الشرور مع أنه ليس سوى ابن امرأة.