Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-May-2019

معركة “آيات الله”: لماذا ينقلب رجال الدين الشيعة على الثيوقراطية الإيرانية؟

 الغد-تقرير خاص – (الإيكونوميست) 2/5/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
في العادة، ينبغي أن يثير مقتل إمام مشاعر الرعب. ولكن، بعد أن أطلق لاعب في كمال الأجسام النار على مصطفى القاسمي؛ رجل الدين في مدينة همدان الإيرانية الشرقية، وأرداه قتيلاً يوم 27 نيسان (أبريل)، تبع أكثر من 100.000 شخص حساب القاتل على “إنستغرام”. وأعربت مشاركات متتبعه عن السخط من الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي. وتمتمت امرأة في قطار الأنفاق في طهران: “نقص رجال الدين واحداً”!
هكذا هو الغضب من رجال الدين الحاكمين في طهران، الذين يترأسون اقتصاداً منكمشاً. وقد أرسلت العقوبات الأميركية على البترول الإيراني العملة المحلية إلى الانهيار. وتقترب معدلات التضخم في البلد من 40 في المائة؛ وتتراجع الأجور باطراد من حيث القيمة الحقيقية. والأساسيات، مثل الدجاج والملابس تصبح كماليات. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 6 في المائة هذا العام. ولا يعرض الثيوقراطيون أي طريقة للخروج من الأزمة. ويقول صادق حقيقت، من جامعة المفيد في مدينة قم الشيعية المقدسة: “إننا نقترب من نقطة تحول”. ويستنطق رجال الدين هناك نظام ولاية الفقيه، أو حكم رجال الدين، بشكل متزايد.
ينأى بعض رجال الدين بأنفسهم عن النظام الذي يستحوذ على الكثير من ثروات إيران من خلال إمبراطوريته التجارية الواسعة. ويقوم إسماعيل أزرينجاد، وهو رجل دين فقير، بالتجوال حول القرى الفقيرة ليوزع كتب الأطفال من صندوق سيارته البيجو القديمة. ويتحدى آخرون علناً الملالي المسؤولين. وقد ارتفع عدد المتابعين في حسابات التواصل الاجتماعي لسيد أغاميري، الذي يقول أن السلطة الزمنية تُفسد، بعد أن قامت محكمة لرجال الدين بتجريده من رتبته الدينية. وقد التقى كبار الحكماء مع الإصلاحيين. وينظر عدد متزايد منهم إلى مدينة النجف العراقية المقدسة، الواقعة على بعد 375 كيلو متراً، بحثاً عن نموذج مختلف من علاقات الدين بالدولة.
على مدى عقود كانت علاقة النجف بقُم ضعيفة. وكان عدد الملتحقين السنوي بحوزات المدينة قد هبط في عهد صدام حسين، دكتاتور العراق السابق، إلى بعض مئات من الطلاب فحسب، في حين مولت إيران تدريب 110.000 رجل دين. لكن مكانة مدينة النجف ارتفعت بين الشيعة منذ الإطاحة بصدام، الذي كان سُنياً، وعودة الهدوء النسبي إلى العراق. ويجتذب ضريح الإمام علي، مؤسس الطائفة الشيعية، ملايين الحجاج إلى المدينة كل عام. وكلياتها متحررة من تدخل الدولة، على النقيض من نظيرتها في قُم. وهي مقر رجل الدين الأكثر شعبية، آية الله العظمى علي السيستاني.
يدافع السيد السيستاني عن الفصل بين الدين والدولة. ويقول إن وظيفة رجال الدين هي تقديم النصح، وليس الحكم. ولأنه يتمتع بالتوقير باعتباره المرجع الديني البارز للطائفة الشيعية، فإنه يتمتع بالنفوذ في قُم أيضاً. وفي الشهر الماضي، قال آية الله عبد الله جوادي-أمولي، وهو رجل دين محافظ قوي في قُم، إن نوعية التعليم في النجف أفضل. وينتقل كبار رجال الدين الإيرانيين إلى هناك، بمن فيهم علي الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الذي يتمتع بالاحترام. ويقول عباس كاظم، كاتب السيرة الذاتية للسيد السيستاني: “إذا كنتَ تحت اليد الثقيلة لمؤسسة إيران الدينية، التي تقول لك بماذا تفكر وماذا تلبس، فإن ذلك يجعلك تنظر إلى الحرية الفكرية في النجف”.
في آذار (مارس)، سافر حسن روحاني إلى النجف، ليكون أول رئيس إيراني يلتقي بالسيد السيستاني. وبموجب القانون، يجب أن يكون ولاء السيد روحاني للسيد خامنئي، لكنه أمل في أن تعزز مباركة السيستاني موقفه في وجه الضغط الذي يمارسه المتشددون. وقال مراقب في تعقيبه على الزيارة إن ذلك بدا كما لو أن الرئيس يلتقي بالبابا. ويقول روبرت غليف من جامعة إكسيتر البريطانية: “روحاني يرسل إشارة إلى أن هناك متسعاً في الجمهورية الإسلامية لأولئك الذين لا يؤمنون بأن حكم الفقيه الإسلامي جزء من الإيمان”.
إذا كان الأمر كذلك، فإن البعض في العراق سيريدون أن يساعدوه. ويقول صالح الحكيم، وهو رجل دين كثير الأسفار حول العالم من النجف: “ولاية الفقيه نظام دكتاتوري. يجب على رجال الدين في النجف دعم المجتمع المدني في إيران، وليس الدولة الدينية”. ويبقى السيد السيستاني، الذي هو نفسه مواطن إيراني، أكثر حذراً. لكنه دعا بعد لقائه بالسيد روحاني إلى احترام السيادة العراقية. وفهم المتابعون لشؤون رجال الدين ذلك على أنه انتقاد لزعم السيد الخميني بأنه الزعيم الأعلى ليس لإيران فحسب، وإنما لكل الشيعة في كل مكان.
يمارس السيد السيستاني نفوذه بهدوء. ويقوم ممثله (وزوج ابنته) في قُم، جواد الشهرستاني، بجمع العشور من الأتباع الإيرانيين وتمويل شبكة خيرية على مستوى البلد، والتي تشمل أعمالها دعم الأسر الفقيرة والمستشفيات. كما يقدم السيد السيستاني الدعم بدفع الرواتب أيضاً لنحو 49.000 من الطلبة الدينيين، والذين يشكلون 45 في المائة من مجموع هؤلاء الطلبة في إيران. وفي المقابل، وبسبب نقص السيولة، قام السيد روحاني بتخفيض تمويل الحوزات بمقدار الثلث. ويقول السيد حقيقت: “مكتب السيد السيستاني يتمتع بقوة كبيرة في قُم”.
يرد السيد خامنئي على هذه التوجهات بتشديد قبضته. في آذار (مارس)، قام بتعيين إبراهيم رئيسي، وهو متشدد كان قد خسر أمام السيد روحاني في الانتخابات الأخيرة، رئيساً للقضاة. وقام بتعيين متشدد آخر رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام، جهاز المراقبة لحكومته. ويحصل المنظِّرون المتشددون على وقت للظهور على شاشة تلفزيون الدولة، حيث ينتقدون رجال الدين الآخرين على فقدان إيمانهم بولاية الفقيه. ويتعرض المتشككون لخفض تمويلهم أو تخفيض رتبتهم في جمعية معلمي الحوزات في قُم، وهي جِهة منظمة تابعة للدولة. وقد تعرضت مكاتب بعضهم للنهب. ويتم جلب أسوأ المستفزين إلى محكمة دينية ويوضعون رهن الإقامة الجبرية.
بدأ معظم كبار رجال الدين في قُم، وكلهم أكثر تعليماً من السيد خامنئي، بضبط ألسنتهم أو عمدوا إلى التحدث بالألغاز. ولكن، كلما أصبح حكم السيد خامنئني أكثر تسلطاً كلما بدت تعالم السيد السيستاني أكثر جاذبية. وبدلاً من رفع مكانة رجال الدين، كما يقول المعارضون، يعاملهم متنمرو السيد الخامنئي كموظفين حكوميين. ويقول محسن كاديفار، وهو باحث من مدينة قُم يعيش الآن في أميركا: “لقد وصل انقضاض الجمهورية الإسلامية على رجال الدين مدى غير مسبوق، حتى في عهد الشاه”.
يميل آيات الله إلى عيش حياة طويلة، لكن السيد السيستاني الآن بعمر 88 عاماً، والسيد خامنئي بعمر 80 (ويقال إنه يصارع مرض السرطان). والسؤال الذي كثيراً ما يطرحه أتباعهما هو ما الذي سيأتي تالياً. وبدا لسنوات كما لو أن رجال الدين في قُم هم الذين سيحددون مستقبل القيادة الدينية في النجف. والآن، أصبحت فحوى الحديث أن رجال الدين في النجف هم الذين يقومون بتشكيل مستقبل حكم رجال الدين في إيران.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Battle of the ayatollahs Why Shia clerics are turning on Iran’s theocracy