Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Jul-2017

بابور الكاز - عبدالهادي راجي المجالي
 
الراي - هناك مهنة انقرضت , وهي (مصلح بوابير الكاز) ..فقد كان يجوب الحارات في بداية الثمانينات , ويصرخ بأعلى صوته :- (مصلح بوابير الكاز ) ويمط كلمة الكاز كثيرا عند النداء ...ميزة صاحب هذه المهنة أنه يستطيع أن يؤدي عمله في أي مكان , على باب المنزل , في الشارع ...بجانب عتبة الباب ..المهم أن تعطيه (البابور) فقط .
 
ودائما سبب الخراب في كل البوابير الموجودة في المملكة واحد ولا يتغير وهو انكسار (النكاشة) داخل ثقب البابور وهذا يستدعي تغيير الرأس الحارق ..وجلدة (المدك) ...
 
كنت استغرب من مصلح (بوابير الكاز) فهو حينما يجلس على عتبة أي منزل لإصلاح البابور يتم احضار الشاي له ..كي يركز في البابور ..وهو لايرفض ويفضله سكر زيادة , وحين يغيب النهار تكتشف أنه شرب على الأقل (30) كأسا من الشاي ..ناهيك عن أنه , يشعرك بأن التركيز مهم في عمله ..وهناك خطورة في المهنة , ويطلب ابتعاد الأطفال عن البابور , لأن ثمة تنفيس خفي ..قد يؤدي إلى انفجار (البابور)...
 
الأهم من ذلك أن أجرته لا تتجاوز (نيرتين) مهما بدل , ومهما اضاف من قطع الغيار فسقف الأجرة واحد وهو (ليرتين) ...وحتى يقطع الملل يبدأ يحدث صاحب البابور (الخربان) عن مشاكل المهنة وأسرارها وعن زميل له يرقد في مستشفى البشير تعرض لإصابة عمل اثناء تصليحه أحد البوابير ..وكيف أن البابور (فقع) في وجهه وأدى إلى احتراق جزء من الشوارب واللحية ووفرة الرأس ..ونحن بطبعنا كأطفال كنا نستمع بشوق ,ثم نخاف ونبتعد قليلا .
 
ذات يوم جاء (مصلح بوابير الكاز) عند جارتنا (أم العبد) وتجمعنا نحن أطفال الحي نراقب طريقة عمله , وأنا كنت شغوفا بهذه المهنة , وقد قررت في سري أن أفتح مكانا ضخما حين أكبر لبيع (البوابير) ..كنت أظن أن العالم لن يتغير , وأن (البوابير) ستبقى تصدح صباح كل جمعة في بيوت الجيران ...وحين أنهى المصلح من تركيب الرأس الجديد طلب القليل من الكاز من أجل تجريب البابور , وقد سكب على بنطاله قليلا منه ..ولحظة أن اشعل عود الثقاب اشتعل البنطال أيضا ...فرمى (بالبابور) وهرب إلى زاوية من الشارع , وخلعه بسرعة ....يومها ضحكنا مطولا , لم نتوقف عن الضحك..وبدأ الجيران بمواساته , وأحدهم قام بتأمين بنطال بديل له ...
 
لم يعد ذلك الصوت يشدو في الشوارع , وهذه المهنة انقرضت تماما ...وذكرياتنا حين كنا صغارا ونجتمع حول (مصلح بوابير الكاز ) هي الأخرى ظلت مجرد ذكريات ...حتى (البوابير) هي الأخرى انقرضت ولم يعد صوتها , يصدح في بيوت الجيران...
 
للعلم لا فرق بين السياسي ( ومصلح بوابير الكاز) فالوظيفة واحدة هي تصليح الوضع الملتبس , ولكن الخطأ يؤدي إلى انفجار البابور لدى (مصلح بوابير الكاز) وانفجار المنطقة لدى السياسي ...ناهيك عن أن السياسي أحيانا يقوم بنكش الأشياء ويقوم بعملية الدك .. حين تشتعل المنطقة , فهم يصبون الكاز على النار ..تماما مثل (مصلح بوابير الكاز) فهو يزيد اشتعال النار حين يقوم (بالدك) ...
 
وأنا يا صاحبي منذ (30) عاما وأنا أسأل لماذا لاينقرض السياسيون لدينا تماما مثل انقراض (مصلح بوابير الكاز) ...مثل انقراض (البوابير) أيضا.