Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Mar-2020

كي لا نسيء فهم الأردنيين*فهد الخيطان

 الغد

لا يمثل سلوك الأردنيين حالة شاذة في المشهد العالمي المرعب، ففي أعرق الدول وأكثرها تقدما وتحضرا، شهدنا ألوف الناس يتهافتون لا بل يتصارعون في المراكز التجارية للحصول على السلع الغذائية والصحية. ونقلت وسائل الإعلام لقطات في عدة مدن أميركية وبريطانية للسكان يصطفون في طوابير طويلة، دون “مسافة اجتماعية” للحصول على احتياجاتهم من الغذاء والدواء وتخزين ما أمكن لقادم الأيام.
الجدل الأردني حول تهافت المواطنين على المخابز يوم إعلان حظر التجول، هو جدل “عماني غربي” بامتياز يقوم على مفاهيم مغلوطة، وانفصال اجتماعي عميق عن واقع وثقافة الأغلبية الساحقة من الأردنيين، ينتهي إلى تنميط مسيء للناس، بوصفهم مجموعات بشرية غير متحضرة.
متوسط أفراد الأسرة الأردنية يزيد على خمسة أشخاص، وفي الأوساط الشعبية الواسعة يناهز المتوسط سبعة على الأقل، جلهم أطفال وفتيان، إما في المدارس أو الجامعات. وفي مناطق مختلفة من المملكة، يعيش الشاب المتزوج ورب الأسرة في بناية واحدة مع والديه، ويتولى رعايتهم.
أسر بهذا العدد، تحتاج في اليوم الواحد ما بين 15 إلى 20 رغيف خبز في الحد الأدنى، أي ما يزيد على 100 رغيف في الأسبوع.
الأغلبية الساحقة من هذه الأسر تنتمي إلى الفئات الفقيرة محدودة الدخل أو الفئة الثالثة من الطبقة الوسطى. يمثل الخبز في ثقافتهم العمود الفقري لوجبات الطعام. وفي أوقات “الحشرة” وحظر التجول، عادة ما يزيد استهلاك الأسر من الغذاء، فيكون الخبز هو المادة الأكثر استهلاكا.
من الطبيعي في مثل هذه الظروف الصعبة أن يفكر رب الأسرة بتأمين أكبر كمية من الخبز لعائلته، عندما يسمع أن هناك حظرا للتجول سيستمر لأيام طويلة وربما أسابيع كما قال وزير الإعلام.
في الثقافة الأردنية الممتدة لعقود طويلة، فإن خط الأمان الغذائي للأسرة يتمثل بتوفر الخبز، فإن توفر بكميات كافية اطمأنت العائلة على قوت أطفالها.
ينبغي فهم الناس وأحوالهم وقدراتهم المادية وثقافتهم الممتدة، قبل إصدار الأحكام القاسية بحقهم، ووصمهم بالتخلف.
في الظروف العادية، لا يحصل مثل هذا التزاحم على المخابز، لأن المواطن الأردني يحرص على شراء حاجته من الخبز يوميا. وقد شهدنا المظاهر ذاتها من الازدحام كلما طالعتنا النشرات الجوية بأخبار المنخفضات الجوية والعواصف الثلجية، فمحرك القلق دائما هو توفر الخبز في البيوت، وما عدا ذلك تفاصيل ثانوية.
حتى في مسألة “المسافة الاجتماعية” المطلوبة في ظروفنا هذه لتفادي نقل العدوى بالفيروس، علينا أيضا أن نقدر المفهوم الثقافي للناس. سمة الأردنيين هي التقارب لا التباعد. في الصلاة يقفون بصفوف متلاصقة منذ قرون، وفي الأفراح والأتراح يفعلون الشيء ذاته. من الصعب تغيير سلوك البشر في أيام وأسابيع. لقد داهمنا الفيروس بسرعة مثلما الحال مع شعوب الأرض كافة، ولم يكن بمقدورنا إعادة توجيه السلوك الاجتماعي في الوقت المطلوب.
ينبغي علينا أن نستمر في بث الوعي في أوساط الناس للتكيف مع الظروف الحالية، لكن قبل ذلك يتعين على السلطات الرسمية ونخب المجتمع “العمانية” أن تكف عن جلد المواطنين وتأنيبهم، يكفيهم خوفهم وذعرهم من الفيروس اللعين.
واجب السلطات تكييف إجراءاتها بما يتناسب والثقافة السائدة وليس العكس.