Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jul-2018

الفنانة التشكيلية جمان النمري.. منظومة جمالية متكاملة
 
رشا سلامة
 
عمان -الغد-   لربما لن يجول في خلدك أن هذه القامة الجسدية الغضة والصوت الرفيع والضحكة التي بالكاد يظهر صوتها، تقف خلف مشروعات فنية غاية في العمق والتمكن. لعل هذا هو مدخل الحكاية مع الفنانة التشكيلية جمان النمري.
الصبية التي ما إن تراها، بملابسها التي لا تخلو البتة من لمسة فنية، وترخي شعرها الأسود بعفوية بالغة، حتى تستذكر قول الشاعر الراحل محمود درويش "سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها". 
جمان النمري، التي تشكل منظومة فنية متكاملة، بدءا بالإطلالة، مرورا بمرسمها الأنيق في جبل اللويبدة، وليس انتهاء بأعمالها الفنية التي تنثرها ليس في عمان فحسب، بل وفي جل العواصم العربية والمدن الغربية، من خلال المعارض الشخصية والجماعية وورش الرسم التي تقيمها وتشارك فيها، تحتفي بالإبداع أيا كانت هويته وتصنيفه الأدبي أو الفني، وتنحاز للحرية ومن ينادون بها، سياسيا واجتماعيا وفكريا وفنيا، ولعل هذا يعود لمناخ البيت الذي نشأت فيه؛ إذ هي ابنة لمناضل شيوعي، وسليلة عائلة مسيحية أردنية ذات حضور ثوري وتحديدا ما يرتبط بالثورة الفلسطينية.
كان أحد الفنانين الأردنيين قد وصفها ذات مرة بـ "القديسة"؛ إذ تعكف في مرسمها الأنيق على لوحات تخرج بها للساحة الفنية كل بضعة أعوام، وبثيمات جديدة تنطوي على كثير من المعاني. لعل آخر ما قدمته يبرهن على هذا تماما؛ إذ استخدمت ثيمة المهرج، لتعكس من خلالها ارتداء الأقنعة، سياسيا وعاطفيا وإبداعيا وفي التعاملات الاجتماعية. 
قبل ذلك، كانت ثيمة الطفولة تحت وطأة الحروب هي المهيمنة على النمري؛ إذ استحضرت ألعاب الأطفال الشعبية لتجسد أعضاءهم المبتورة وأجسادهم المحروقة وخوفهم وجزعهم وموتهم تحت الأنقاض، جراء الحروب المتتالية على العالم العربي. ولعل من يعرف النمري عن قرب يدرك جيدا أن ثيمة كهذه لا تنفصل عن شخصيتها التي تهجس بسلامة الأطفال جسديا ونفسيا، وما الأطفال الذين تعقد لهم الدورات التدريبية في مرسمها سوى مثال على ذلك، وما حديثها الدائم عن مدى منطقية إنجاب أطفال في هذا العالم المليء بالحروب والعنف سوى دليل أوضح عن حجم قلقها من القادم. وهو الخوف ذاته، الذي يجعل النمري تفضل الاعتكاف في مرسمها والتوحد مع لوحاتها، عوضا عن الانخراط في علاقات مشوهة اجتماعيا. 
ثيمات أخرى كانت حاضرة لدى النمري، مثل المقاعد، التي ترمز للسلطة والاستماتة عليها في العالم العربي، ليس على صعيد الساسة فحسب، بل والعامة كذلك، حتى وإن كانت المقاعد بحالة مهترئة لا تستحق الاقتتال على تحصيلها. 
ولعل واحدة من أكثر الأفكار الحاضرة في ذهن النمري كما أعمالها الفنية: المرأة، لكن بعيدا عن التنميط؛ إذ ما إن شعرت أن نحت جسدها قد يدرجها تحت التصنيف الكلاسيكي، حتى جعلتها حاضرة ضمن قوالب فنية أخرى يهيمن عليها الغموض نوعا ما، ولعل هذا ما ظهر جليا في لوحات المهرجات النساء اللاتي يقاسين الوحدة والنفاق والتناقضات، واللاتي يكن مضطرات في مرات كثيرة لوضع الأقنعة والتحايل على الموجودين؛ لغايات البقاء.
ضروب فنية مختلفة اختبرتها النمري، التي درست على مقاعد كلية الفنون في جامعة اليرموك، منها الأعمال التركيبية والفيديو آرت والتصوير الفوتوغرافي والنحت والتصميم الغرافيكي، لكنها انحازت للفن التشكيلي، ولعل الألوان الزاهية والقوية، التي باتت تختارها للوحاتها مؤخرا، ترتبط بحضورها الفني الذي صار مكرسا في الأعوام الأخيرة بشكل لافت.
النمري تتمرد تباعا على كل ما كانت تتحفظ حوله حتى أمد قريب؛ الألوان وأحجام اللوحات والتعبير عن مكنونات النفس من مشاعر ومخاوف، ما يجعل متابع أعمالها يترقب المزيد، الذي يقتضي المنطق وتجربة النمري المتصاعدة منذ العام 2005 أن يحمل كثيرا من المفاجآت والأعمال الواعدة.