Thursday 3rd of July 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-May-2022

شوهوا يوم النصر على النازيين

 الغد-هآرتس

بقلم: ديمتري شومسكي 9/5/2022
منذ بلوغي نظرت الى الحرب الوطنية الكبرى للاتحاد السوفييتي ضد المانيا النازية (1941 – 1945) على أنها “حربي”. هكذا، في يوم النصر السوفييتي في هذه الحرب، مثل اليوم 9 أيار (مايو)، شاهدت فيه يوم نصر شخصي وعائلي لي. الذكريات العائلية عن والدي وعن جدي – الذي تمكن من ارسال عائلته في القطار الأخير نحو الشرق قبل احتلال كييف، في حين أنه هو نفسه بقي ليقاتل في الجبهة وسقط في المعركة بعد بضعة أيام، وعن اجدادي الذين اصيبوا إصابات بالغة وبقوا معاقين، كانت بالنسبة لي من صور الماضي الأولى والتأسيسية التي شكلت الوعي الخاص لي – هي ذكريات أساسية وجودية والتي كانت من نصيب كل عائلة سوفييتية في النصف الثاني من القرن الماضي.
الجانب العائلي والشخصي ليوم النصر في الحرب السوفييتية ضد النازيين سرعان ما يضاف اليه لدي أيضا الجانب القومي اليهودي، حيث أن ذكرى الإبادة الجماعية ليهود الاتحاد السوفييتي في فترة الحرب، دون الاشارة إلى مفهوم “كارثة”، كانت من الميزات الأساسية الوحيدة للهوية اليهودية السوفييتية. لذلك، ذكرى النصر على من ارادوا ابادة اليهود نقشت في وعيي مثلما في وعي يهود سوفييت آخرين كانتصار للشعب اليهودي.
لكن إلى جانب البعد الشخصي العائلي والاثني اليهودي فان 9 أيار (مايو) بالنسبة لي هو مثابة رمز قوي جدا بالمعنى العالمي له، تجاوز سياقات السيرة الذاتية، المحلية والوطنية. مثلما في نظر ملايين الناس في ارجاء العالم فانه في الفضاء السوفييتي وخارجه، أيضا في نظري أنا، اعتبر 9/5/1945 يوم نصر الضوء على الظلام. رغم حقيقة أن الامبريالية السوفييتية لستالين كانت مملكة شر وحشية وقاتلة جبت حياة ملايين الابرياء، إلا أن حرب الاتحاد السوفييتي ضد النازية مثلت لحظة نقية من السمو الاخلاقي، معركة شاملة لانقاذ الإنسانية من الشر المطلق.
المعنى الأخلاقي الوجودي العميق لهذه الحرب احسن وصفه الشاعر فلادمير فيزوتسكي، وهو من كبار المثقفين الروس في القرن الماضي، في أحد قصائده المشهورة عن الحرب، “نحن نلف الكرة الأرضية”. فيزوتسكي، الذي كان من المنتقدين الاشداء للنظام السوفييتي بشكل عام والستالينية بشكل خاص، عرض المعركة في الجبهة الشرقية كحدث عالمي يرتبط به مجرد وجود قوانين الطبيعة الاساسية. اذا انسحب الجيش السوفييتي امام تقدم الجيش الالماني فان الكرة الارضية تدور الى الخلف والشمس ستغرب في الشرق. عندما نهض الجيش الاحمر وبدأ بالهجوم المضاد، واثناء صده لجيش الفرماخ وجعل جنوده يتراجعون نحن الغرب، عادت قوانين العالم الى المسار السليم، والشمس عادت تشرق من الشرق وتغرب من الغرب.
الآن يجلس في الكرملن “ديكتاتور مثير للاشمئزاز، الذي يقوم بتدنيس وتلويث ذكرى يوم النصر السوفييتي على حثالة البشر النازيين، في حين يعرض بدون خجل حملة الدمار والقتل الروسية في اوكرانيا كاستمرارية للحرب ضد النازية “العملية الخاصة للقضاء على نازية اوكرانيا”. يصعب وصف قوة الألم والاشمئزاز التي اشعر بها في الوقت الذي أرى فيه كيف أن حربي وحرب شعبي وحرب كل الإنسانية ضد القومية الاشتراكية الألمانية تتحول الى فأس يحفر بها القوميون الروس. هل يمكن في أي يوم النظر الى يوم النصر، دون أن تظهر مرة اخرى أمام ناظرينا فظائع بوتشا وايربين وبوروديانكا وماريوبيل وكرمتورسك؟. يبدو أنه لا. نعم، من الآن فصاعدا 9 أيار (مايو)، الذي كان بالنسبة لي فعليا آخر الخيوط التي ربطتني بماضيي السوفييتي، هو محذوف كليا من رزنامتي الخاصة. الحديث يدور عن ازمة هوية داخلية قاسية جدا، ويشاركني في هذا الشعور جميع المهاجرين من الاتحاد السوفييتي.
مع ذلك، هناك فقط طريقة رمزية واحدة ووحيدة لترميم المكانة الاخلاقية الخاصة ليوم النصر السوفييتي على النازية وهي هزيمة ساحقة ونهائية لمن يسحقونه ويخربونه في الكرملين. صحيح أن بوتين ليس هتلر، وبوتشا ليست بابي يار، إلا أنه لا شك بأنه الآن، بالمعنى الاخلاقي العميق، جيش أوكرانيا هو وريث ومواصل درب الجيش السوفييتي من أيام النصر على المانيا النازية. في هذه الأيام الجنود من أوكرانيا هم الذين إذا يلفون الكرة الأرضية.