Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Jul-2017

ميثاق قواعد السلوك في الديوان.. بيت الأردنيين مظلة الشرفاء - رومان حداد
 
الراي - يشكل تطبيق ميثاق قواعد سلوك وظيفي يشمل كبار موظفي الديوان الملكي من المستشارين والمدراء كجزء لا يتجزأ من منظومة النزاهة الوطنية، حالة فارقة تعني أن ما تقدم به الميثاق من نصوص تملك أدواتها التنفيذية الواضحة لن تبقي هذا الميثاق حبيس الأدراج أو مجرد حبر على ورق بل هو ميثاق سيطبق ويتحول إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع.
 
جلالة الملك عبد الله الثاني أكد بهذه الخطوة، أو القفزة المدروسة، أن مسؤولية إنجاح منظومة النزاهة تقع على عاتق جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها الديوان الملكي الذي سيقود عبر هذا الميثاق عملية السير قدماً بمنظومة النزاهة، وحينها ستكون المطالبة الملكية بتطبيق منظومة النزاهة وطنياً طلباً مشروعاً وواجب التنفيذ، على أن تمتد هذه المنظومة لتشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني أيضاً.
 
جلالته يدرك أن النزاهة مفهوم أخلاقي قيمي، وبالتالي لا بد من تطوير المنظومة الاخلاقية القيمية لدى المجتمع حتى يتحقق، فامتلاك المجتمع قيماً أخلاقية مرتفعة لا بد وأن ينعكس على مستوى النزاهة في الدولة، وفي ذات الوقت يدرك دلالة الديوان الملكي عند الأردنيين، ويستشعر أهمية هذه الخطوة في خلق انطباعات إيجابية لدى العامة، عبر التأكيد أن لا أحد فوق مساءلة القانون، ولا مظلة تحمي الفاسد، فالديوان بيت الأردنيين وبوصلتهم نحو المستقبل.
 
ومرة أخرى يؤكد جلالة الملك إدراكه العميق لمفهوم الإصلاح الذي ننشده جميعاً عبر محاربة الفساد وتدمير منظومته دون أن يكون هناك مناطق ظل يختبئ فيها الفساد، وجلالته يدرك أن من أمن العقاب أساء، لذا فجلالته عبر توجيهه لإصدار هذا الميثاق يقول للأردنيين إنه يريد أن يتم تطبيق القانون على الجميع دون محاباة أو مراعاة لأي اعتبارات، وأن لا أحد فوق القانون ولا أحد فوق المساءلة.
 
وبعد هذه الخطوة العملاقة بتأكيد ملكي على أدبيات منظومة النزاهة ممثلة بالميثاق ينتظر الأردنيون إشارات إيجابية على وجود إرادة حقيقية لمحاربة الفساد، ومشاهدة الإرادة تتلازم مع قدرة فاعلة للتعامل مع هذا الملف الحساس، فمعركة الفساد استحقاق وطني بامتياز، نأمل أن نقدر في الأردن على تحقيق إنجازات ملموسة فيه.
 
ولكن في ذات الوقت لا يعني هذا الميثاق أن الحرب على الفساد يجب أن تتم دون مراعاة أمر حساس، وهو ألا تقود هذه الحرب إلى فقدان المواطنين ثقتهم بالدولة، عبر إعطاء انطباع عام أن الفساد تغلغل إلى مختلف مفاصل الدولة، وهو ما قد يفقد المواطن ثقته بالدولة أو بقدرتها على التعافي، مما يعطي أثراً سلبياً يمنع الدولة من الحركة ويمنعها لاحقاً من دخول معارك حقيقية ضد الفساد.
 
معركة إعادة بناء الدولة الأردنية عبر بوابة منظومة النزاهة الوطنية يمكن اعتبارها ثورة ملكية (بيضاء)، بمعنى أن الغاية منها بناء الدولة بصورة قابلة للحركة وإحداث نتائج ملموسة، وتبدو بوابة البيروقراط الأردني هي أرض المعركة الأولى، فاستعادة البيروقراط لدوره التسييري وقدرته على قراءة مابين السطور، واحترامه للنصوص وروحها واستشعاره لحساسيات التركيبة الأردنية، كل ذلك سيساعد في مرحلة إعادة البناء على إعادة تشكيل الوعي الإداري والبيروقراطي الأردني، وإعادة تركيب المسننات الأولى في الدولة الأردنية في مكانها الصحيح، وهو ما يؤدي إلى تعزيز ثقة المواطن بدولته ومؤسساتها، وتطمينه على مستقبل أبنائه وبناته.
 
وعلى الدولة أيضاً في ظل منظومة النزاهة الوطنية مهمة إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى، فحين يصبح غالبية المواطنين ينتمون إلى هذه الطبقة فإن الدولة ستكسب جمهوراً عريضاً يرفض الفساد، ويتمتع بقيم أخلاقية إيجابية، وهو ما يعني أن البدء بوضع خطط اقتصادية واجتماعية لزيادة مساحة هذه الطبقة وزيادة تفاعلها وتأثيرها داخل المجتمع صار أمراً ضرورياً لنجاح منظومة النزاهة الوطنية.
 
الحرب على الفساد حرب لا تقبل احتمال الخسارة، لأن الخسارة تعني انهزام الدولة لمصلحة منظومة الفساد التي ستتحكم في البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ما يعني أن الدولة إذا انهزمت في هذه المعركة نكون قد قطعنا تذكرة باتجاه واحد إلى الهاوية.
 
جلالة الملك يثق بقدرة الأردنيين على إنجاح محاربة الفساد، وتكريس مفاهيم النزاهة، كمنظومة للعمل في القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والذي هو من المرتكزات الرئيسة لعملية تحول كبرى نحو الإصلاح في مختلف مجالاته، هذه الثقة الملكية العالية بالأردنيين تضع أعباء إضافية على كل مواطن كي يكون محل الثقة، فهل نحن مستعدون لهذه الثقة الملكية؟
 
هناك عدة دروس مستفادة من هذا الميثاق، وأبرز هذه الدروس هي أن التجربة الأردنية تجربة ذات خصوصية لا يمكن قياسها أو مقارنتها مع غيرها من التجارب، وأن كل من حاول مقاربة الحالة الأردنية الهاشمية عبر القياس أو حتى استعارة تجارب أخرى كان مصيره الفشل، وهو ما يعني أن هناك حالة متمايزة عن غيرها من الحالات اسمها الحالة الأردنية الهاشمية، يجب قراءتها ودراستها وفق شروطها الداخلية والخاصة بها ووفق المعادلات التي تقترحها، لا وفق وصفات جاهزة معدة كوصفة قابلة للتنفيذ في أي مكان وأي زمان.
 
لذا فإننا في الأردن نتحصن بالملكية بأشد ملامحها وقوتها وبروتوكولاتها، فالأبهة الملكية والحضور القوي لإرادة وصورة الملك والعرش هي الطريق الوحيدة لإعطاء التطمينات الضرورية للمواطن الأردني، فالعرش وقوته هما اللذان يشكلان الضمانة التقليدية في المخيال الأردني.
 
عيون الأردنيين شاخصة نحو العرش والملك باستمرار ويقين، فحل الأزمات والاستمرار بمسيرة الإصلاح يبدأ من هناك، هذه هي قناعة الأردنيين والحقيقة التي لا يمكن إغفالها.