Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jun-2020

إيران تلمِح إلى موقف متشدد من خلال تعزيز ترسانتها البحرية

 الغد-فرزين نديمي* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 18/6/2020

 
في 28 أيار (مايو)، أفادت بعض التقارير بأن “القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية” الإيرانية” تسلمت أكثر من 100 مركبة للدوريات والهجمات الصاروخية خلال مراسم علنية حضرها وزير الدفاع أمير حاتمي؛ حيث كانت “منظمة الصناعات البحرية” التابعة لوزارته مسؤولة عن تصميم وإنتاج معظم هذه المركبات (الزوارق). وكان الهدف من هذه المراسم توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة في أعقاب سلسلة من المواجهات المتوترة، بالإضافة إلى الإشعار الذي وجهته البحرية الأميركية في 20 أيار (مايو) بضرورة محافظة كافة السفن المحلية على مسافة 100 متر على الأقل من سفنها.
وبالفعل، اعتبرت طهران هذا الإشعار إهانة؛ حيث هدّد الجنرال حاتمي بتضييق “الحزام الأمني” الإيراني حول الخليج العربي ومضيق هرمز كردّ مباشر على “الجهود المتزايدة التي تبذلها القوى العظمى من أجل تعزيز وجودها العسكري المباشر في المنطقة”. كما أدان “التحالف العسكري المناهض لإيران، الذي تمّ تشكيله لتهديد الأمن في مضيق هرمز والتصدي لسيطرة إيران على هذا الممر المائي الدولي”. وعلى الرغم من تبجحه وادعاءاته بالسيطرة على الأحداث في المنطقة، إلا أن ذلك يمثل إحدى المرات القليلة التي استخدم فيها مسؤول إيراني مصطلح “الممر المائي الدولي” (على الرغم من معناه الأوسع نطاقاً الذي يُطلق على “المضيق الدولي”، الذي يندرج تحت قواعد دولية أكثر صرامة).
وخلال المراسم، حاول القادة العسكريون تقديم صورة واضحة نوعاً ما عن أولويات إيران الاستراتيجية للحقبة الجديدة. فقد وصف قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي السفن البحرية المضافة بأنها “ولادة قوة جديدة” على سواحل الخليج العربي، وصاغ مجدداً استراتيجية الحرس الثوري في إطار التكتيكات الدفاعية المرافقة لتلك الهجومية، بقوله: “تتمثل طبيعة عملياتنا في الدفع قدماً وملاحقة العدو باسم الدفاع… نعتزم إبراز قوتنا الدفاعية لمسافات بعيدة وملاحقة العدو في البحر والقضاء عليه من مجالات بعيدة جداً”.
ومقابل هذا المعيار، وضع قائد “القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية” علي رضا تنكسيري تصوراً لانتشار أوسع نطاقاً لمؤسسته عندما أعلن عن التصنيع المستقبلي لنسخة أكبر بنسبة 20 في المائة من سفينة “شهيد ناظري” التي يبلغ طولها 55 متراً، وهي سفينة دعم عابرة للمحيطات ذات نسبة باعية مرتفعة مزدوجة الهيكل. واستناداً إلى مفهوم اقترحته أساساً شركة أميركية وتمّ تنفيذه في أيلول (سبتمبر) 2016، أُطلق على هذا التصميم الإيراني المزدوج الهيكل غير التقليدي وغير المزوّد بالكثير من الأسلحة تسمية “القفزة التكنولوجية المهمة”، ويتمتع وفقاً للادعاءات بقدرة دعم بعيدة المدى تبلغ 5,400 ميل بحري (10,000 كيلومتر). غير أن سفينة “شهيد ناظري” تبقى في الواقع معظم الوقت راسية على الرصيف قرب مقرّ “القوة البحرية لحرس الثورة الإسلامية” في بندر عباس، وخلص تحليل بنيوي إيراني مستقل إلى أن هيكلها الرفيع للغاية المصنوع من الألمنيوم قد يكون عرضةً للالتواء في البحار الهائجة. ومع ذلك، يبدو أن السفينة كُلّفت بدور القيادة لـبحرية الحرس الثوري الإيراني.
وقد تم أساساً تسمية النسخة الأكبر المخطط لها بـ”شهيد حاج قاسم سليماني” تخليداً لذكرى قائد “فيلق القدس” الذي قُتل على يد القوات الأميركية في العراق في وقت سابق من هذا العام. ووفقاً لبعض التقارير، سيتمّ تسليحها بصواريخ مضادة للسفن ومضادة للطائرات، على الرغم من أن قدرتها البحرية قد تكون أفضل من نظيرتها الأصغر حجماً أو قد لا تكون كذلك.
إن هدف الاستعراض المعلن لقوة الحرس الثوري الإيراني -أي خليج المكسيك- هو كونه طموحاً على أقل تقدير. وإذا تمّ قياس الرحلة عبر قناة السويس، فقد تمتد مسافة 9,800 ميل بحري (18,000 كيلومتر) من بندر عباس، الأمر الذي يتطلب سفينة أكبر بكثير. وقد تكون مراقبة رمزية واستعراض للقوة حول الجزيرة المرجانية “دييغو غارسيا” في المحيط الهندي، التي تحتفظ فيها الولايات المتحدة بقواعد جوية وبحرية لوجستية، هدفاً أكثر واقعية بالنسبة للسفن الإيرانية ذات النسبة الباعية المرتفعة المزدوجة الهيكل والأكبر حجماً. وقد يطرح أي نشر من هذا القبيل (بعض) المشاكل نظراً للدور المهم الذي تضطلع به جزيرة “دييغو غارسيا” في سياسة استخدام القوة الديناميكية التي يعتمدها البنتاغون منذ عامين، وهي جزء من استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية الجديدة التي تنطوي على عمليات نشر غير معلنة لحاملات طائرات وقاذفات طويلة المدى.
توجّه محتمل إلى البحر
أصبحت إيران حالياً تحتل المقعد الخلفي في العراق وسورية في أعقاب مقتل سليماني، مما يدفع بعض المراقبين إلى الإيحاء بأنها تتنحى جانباً بصورة مؤقتة أو تقلّص على الأقل مشروع الممر البري إلى البحر المتوسط. وإذا صحّ ذلك، فقد يحثّ هذا القرار إلى توجّه إيران نحو خطوط الاتصالات البحرية والقوة البحرية. ومع ذلك، ففي الوقت الذي يُعتبر فيه الجيش النظامي أو “أرتش” الجهة الفاعلة الرئيسية لإيران في مياه البحر -عبر “القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية”- فقد تواجه طهران مجدداً مشكلة الثقة التي لطالما واجهتها مع القوات المسلحة الوطنية. فقوات “أرتش” تحصل باستمرار على حصة أصغر من الميزانية الدفاعية من تلك التي يحصل عليها الحرس الثوري، وهي أقل تجهيزاً منه في العديد من المناطق. والأمر الأكثر أهمية من ذلك، هو افتقار “أرتش” إلى الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى الموجهة بدقة على الرغم من ميزاتها التكتيكية الواضحة، مما يعكس على الأرجح مخاوف النظام من احتمال أن يُقْدِم أعضاء هذه القوة على إطلاق مثل هذه الصواريخ على مجمع المرشد الأعلى الذي يتمتع بحماية كبيرة في قلب طهران في إطار محاولة انقلاب.
وبالتالي، إذا قررت طهران فعلاً إبراز قوتها البحرية بتقدمها غرباً على نحو أكبر، فقد لا تثق بـ”القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية” في تنفيذ هذه المهمة. وعلى سبيل المثال، من خلال إرسالها بعثة للعلاقات العامة إلى خليج المكسيك، فقد تكلّف الحرس الثوري بالقيام بمهمة نشر سفينة أكبر في المستقبل ذات نسبة باعية مرتفعة مزدوجة الهيكل بدلاً من جعل “بحرية الحرس الثوري” الإيراني ترسل سفينة “خرج” الأكثر ملاءمةً على ما يبدو. ومع أنها جرت إعادة تأهيل سفينة “خرج” مؤخراً، وهي جاهزة للقيام بمهامها، وتُعد السفينة الأكبر في أسطول “القوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، إلّا أن النظام يعتقد على ما يبدو أنها تواجه خطر نقض الولاء (الانحراف عن مسارها) من قبل أعضاء “أرتش” المستائين.
على أي حال، كانت معظم السفن التي تمّ الكشف عنها في مراسم 28 أيار (مايو) من فئة الزوارق السريعة الخفيفة للدوريات أو المضايقات التي تعمل بمحركات زوارق خارجية عالية القوة من صنع “ياماها” اليابانية تعمل بمعدل يتراوح بين 200 و250 قدرة حصانية ومزودة بالعديد من قاذفات الصواريخ والمدافع الرشاشة الثقيلة في أحسن الأحوال. وكانت بعض الزوارق الأكثر ثقلاً بمثابة نسخاً مطورة من تصاميم أحادية ومزدوجة الهيكل الأقدم عهداً، كما كانت مزودة بصواريخ -عادةً من طراز “كوثر” أو “ظفر” أو “نصر” أو “نصير”، المناسبة للزوارق الصغيرة، والتي يتزايد نطاقها الحالي الذي يتراوح بين 25 و35 كيلومتراً بشكل مطرد. كما أنها مجهزة برادار بحري ثلاثي الأبعاد عالي التحديد “إكس باند” من شركة “فورونو” بقيمة 7,500 دولار وبمدى أقصى يبلغ 96 ميلاً بحرياً (178 كيلومتراً). وعادةً، لا يتمّ استخدام هذه القوارب عالية القيمة في تكتيكات المضايقة غير الآمنة ضد البحرية الأميركية، ليس فقط لأنها أقل قابلية للاستهلاك، بل لتجنب أي سوء فهم أكثر خطورة والتهديد بمواجهة وشيكة ناجمة عن استفزاز القوات الأميركية بزورق صواريخ.
أخيراً تمّ الكشف عن غواصة “الحرس الثوري”
كانت إحدى السفن المعروضة، وربما عن غير قصد، في المراسم هو ما بدا وكأنه نموذج أولي لغواصة صغيرة للغاية يمكن التحكم بها بعصا قيادة، وكانت غير معروفة سابقاً. وإذ يديرها طاقم اختبار، يبدو أنها مصممة لعمليات آلية كـ”طوربيد” منخفض السرعة أو سفينة لزرع الألغام أو خارق للحصار وذلك لأغراض إعادة الإمداد. ويشبه النموذج الأولي إلى حدّ كبير التصاميم المستخدمة لتهريب المخدرات في كولومبيا، كما ذُكر في المرصد السياسي لمعهد واشنطن من العام 2017 الذي أشار إلى كيفية سعي الحرس الثوري إلى التهرب من العقوبات الأميركية باستخدامه مثل هذه الغواصات لمدّ وكلائه العاملين في المنطقة بالإمدادات بشكل سري، مقلداً بذلك ما تستخدمه الكارتلات الكولومبية من معدات وتكتيكات منذ فترة طويلة.
واستعرضت إيران أيضاً مركبتي تسليم عائمتين من فئة “السابحات” كان قد تم إعادة تجديدهما مؤخراً. وعادة ما تُستخدم هذه السفن لنقل غواصين للعمليات الخاصة إلى سفن مستهدفة لا ريب فيها من أجل زرع ألغام ممغنطة، تشبه إلى حدّ كبير تلك التي استُخدمت خلال الصيف الماضي في خليج عُمان ومداخل مضيق هرمز.
الخاتمة
ما تزال إيران تفتقر إلى بحرية موثوقة في المياه الزرقاء، وهناك طريق طويل أمام “بحرية الحرس الثوري” الإيراني لكي تتمكن من استبدال أسطولها بسفن حديثة. كما تتعرض السفن البحرية الإيرانية لضغوط شديدة لإيجاد مرافئ تسمح لها بالرسو فيها. وبالتالي، فإن أي مهمة “متعثرة” قد تقوم بها “بحرية الحرس الثوري” أو الحرس الثوري الإيراني إلى البحر المتوسط أو البحر الكاريبي لن تمنحها بالضرورة أي نوع من الانتشار العالمي البحري الفعال.
ومع ذلك، لم تعمد طهران قط إلى التخفيف من سياستها لتسليح “القوات البحرية لـفيلق الحرس الثوري الإسلامي” وتمكينها في الخليج العربي، وذلك لتأكيد هيمنتها في المنطقة وتحدي الوجود البحري الغربي هناك. وتُظهر المؤشرات الأخيرة أنها ستتّبع سياسة حتى أكثر وضوحاً للسيطرة على الخليج ومضيق هرمز. وبالتالي، فإن أي تقليص في الالتزام البحري الأميركي في المنطقة من شأنه أن يرسل إشارة خاطئة لإيران -مفادها أنها تتمتع بِحُرية أكبر للتقليل من أهمية القوانين البحرية الدولية ومواصلة تطبيق سياسات الهيمنة التي تنتهجها. وستُظهِر الأشهر المقبلة ما إذا كانت مثل هذه العروض والتصريحات العلنية هي مقدمة لجولة جديدة من الأنشطة المزعزعة للاستقرار أو مجرد تدابير رمزية بدلاً من المصداقية والحزم الفعلي في الخليج.
 
*زميل مشارك في معهد واشنطن، ومتخصص في شؤون الأمن والدفاع المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج