Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Oct-2020

التاريخ المنسي للتحالفات بين إسرائيل وديكتاتوريات أميركا اللاتينية

 الغد-رامونا وادي* – (مجلة أوريان 21) 1/10/2020

 
أظهرت وثائق كُشف النقاب عها مؤخراً أن إسرائيل والباراغواي أبرمتا اتفاقاً في العام 1967 يقضي بإرسال 60 ألف فلسطيني للعيش في الأخيرة، على الرغم من أن الديكتاتور ألفريدو سترويسنر، الذي حكم البلاد لمدة 35 عاما، لم يخفِ أبداً تعاطفه مع النازية. وقد تصرفت إسرائيل في أميركا اللاتينية بانتهازية، لا سيما من خلال تزويد الدكتاتوريات هناك بالأسلحة وأدوات القمع.
* * *
في العام 1937، كتب دافيد بن غوريون: “بالترحيل القسري، (ستكون لنا) مساحة واسعة (للاستيطان)… أنا مع الترحيل القسري. ولا أرى أي حرج في ذلك”. ووصل انشغال الصهيونية بتكوين أغلبية ديموغرافية ذروته خلال نكبة العام 1948؛ حيث اضطر 750 ألف فلسطيني إلى مغادرة مدنهم وقراهم، ضحايا لعملية تطهير عرقي.
وفي أعقاب حرب العام 1967 التي عززت الاحتلال العسكري الإسرائيلي في فلسطين المستعمرة، درست الصهيونية من جديد إمكانية الترحيل القسري مع الحرص على عدم لفت انتباه المجتمع الدولي. وأدت حرب حزيران (يونيو) 1967 إلى سلسلة جديدة من عمليات التهجير القسري للفلسطينيين. وفي أميركا اللاتينية، كانت الولايات المتحدة آنذاك منشغلة بدعم ديكتاتوريات اليمين بهدف الحيلولة دون انتشار حركة يسارية واسعة في المنطقة مستوحاة من الثورة الكوبية. وفتح هذا الظرف إمكانات جديدة لإسرائيل لتطوير علاقات دبلوماسية مع حكومات المنطقة. وكان الترحيل القسري للفلسطينيين إلى أميركا اللاتينية متضمناً أيضاً في جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية، كما أظهرت ذلك وثائق تم الكشف عنها مؤخراً.
أبرم الموساد الإسرائيلي والديكتاتورية الباراغوية التي تزعمها ألفريدو سترويسنر في العام 1969 اتفاقاً يقضي بنقل 60 ألف فلسطيني، “وهم مبدئيا غير شيوعيين” على مدى أربعة أعوام. وكجزء من الاتفاق، وافقت إسرائيل على دفع تكاليف عمليات النقل القسري هذه. وقد توجب على الفلسطينيين دفع مائة دولار لتغطية النفقات الأولى عند وصولهم إلى باراغواي. ونص جزء آخر من الاتفاق على أن يتحصل نظام سترويسنر الديكتاتوري على 33 دولاراً عن كل فلسطيني مرحّل، إضافة إلى 350 ألف دولار لتغطية “رسوم الهجرة لعشرة آلاف شخص”.
لكن سياسة الترحيل القسري إلى البارغواي فشلت بعد أن قتل فلسطينيان إدنا بير، وهي موظفة في السفارة الإسرائيلية في باراغواي في شهر أيار (مايو) 1970. ولم يكن قد نقل سوى 30 فلسطينياً في 1970، وهو العام الذي تم فيه إلغاء هذا الاتفاق.
مأوى للنازيين
خلال فترة حكم الديكتاتوريات المدعومة من الولايات المتحدة، تحولت أميركا اللاتينية إلى وجهة مرغوبة جدا لمجرمي الحرب النازيين الفارين من العدالة. وكانت باراغواي، مثل البرازيل والأرجنتين والتشيلي، تؤوي مجرمي الحرب النازيين. وكان جوزيف مينغلي، الذي قام بإجراء تجارب طبية على أشخاص مسجونين في معسكرات الاعتقال النازية، من بين أولئك الذين منحتهم باراغواي حق اللجوء. وكان مينغلي على قائمة الأشخاص المطلوبين لجهاز الموساد. وقد فر إلى البرازيل بعد أن علم بأن عملاء إسرائيليين قاموا باختطاف رفيقه في الحرب، النازي آدولف آيخمان، الذي كان قد وجد هو الآخر ملجأ في الأرجنتين. وكان الذي سهّل دور الأرجنتين في حماية النازيين الفارين من العدالة هو الكولونيل خوان دومينغو بيرون خلال عهدته الرئاسية.
لتشجيع الترحيل القسري للفلسطينيين، كانت إسرائيل مستعدة أيضاً لتجاهل كون الباراغواي أول بلد خارج ألمانيا ينشئ حزبا نازيا في العام 1927. وتم منح التراخيص لإنشاء مدارس ألمانية في الباراغواي والتي تقوم بتعليم النظرية النازية. كما اصطف البلد مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية. وكان الطيار النازي هانس رودل أحد أقرب أصدقاء سترويسنر.
احتقار مشترك للسكان الأصليين
خلال أيام الديكتاتورية الباراغوانية، لم يكن الترحيل القسري ليثير قلقا؛ حيث كانت إسرائيل والباراغواي تشتركان في سياسة تحقير السكان الأصليين نفسها. كانت القبائل الأصلية في الباراغواي تحت حكم سترويسنر هدفاً للدكتاتورية. وبهدف إعداد برنامج نيو-ليبرالي مماثل لذلك الذي حكم تشيلي ابتداء من عهد ديكتاتورية أوغستو بينوشيه، استهدف سترويسنر مجموعات السكان الأصليين من أجل استغلال أراضيهم للتصنيع في البلاد.
لم يكن استيطان أراضي السكان الأصليين في الباراغواي يهدف إلى تشكيل أغلبية ديموغرافية، بل إلى دعم النيوليبرالية التي نجد نظريها في المشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي تشكل منطقة النقب مثالاً عليه. يشهد على ذلك قيام إسرائيل بتهجير البدو الفلسطينيين تحت غطاء التنمية. ففي مؤتمر هرتسليا في العام 2004، قال أفيخاي برافرمان، الذي كان آنذاك رئيس جامعة بن غوريون في بئر السبع: “إذا كانت الصهيونية قوة دافعة، فعليها أن تتحرك نحو الجنوب، في النقب، حتى لا تصبح إسرائيل دولة فلسطينية”.
من خلال تقاسمها تقنيات القمع التي يستخدمها الحكام الدكتاتوريون في أميركا اللاتينية، كان من السهل على الصهيونية أن تعزز روابطها في المنطقة، خاصة من خلال الجيش والتجسس. وفي وقت مبكر هو العام 1947، دعمت المنطقة خطة التقسيم في فلسطين. وجاء 13 صوتًا من أصل 33 صوتًا لصالح الخطة من دول في أميركا اللاتينية. وعمل غياب إطار إقليمي لإزالة الاستعمار لصالح إسرائيل. وإضافة إلى ذلك، وفر صعود الديكتاتوريات المدعومة من الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية لإسرائيل وسيلة ضغط، خاصة عندما تراجعت الولايات المتحدة بعض الشيء عن دعمها لقادة اليمين بعد مقتل الاقتصادي والدبلوماسي التشيلي، أورلاندو ليتيلير، في واشنطن في أيلول (سبتمبر) 1976. وتمت هذه الجريمة بأمر مباشر من بينوشيه، وقام بتنفيذها مايكل تاونلي، عميل وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي خدم أيضًا في مديرية الاستخبارات الوطنية (دينا) في الديكتاتورية التشيلية.
ليست علاقة إسرائيل بأميركا اللاتينية مبدئية بقدر ما هي انتهازية. وقد أصبحت التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية حجة للبيع من أجل ملء الفراغ (النسبي) الذي تركته الولايات المتحدة في هذا الصدد. ففي منتصف السبعينيات، زودت إسرائيل الديكتاتورية التشيلية بـ”معدات تم تجريبها في القتال” لغرض مماثل للذي استُعمل ضد الفلسطينيين -أي القضاء على كل معارضة بالقوة العسكرية. وسمح خروج الولايات المتحدة من المسرح لإسرائيل بأن تصبح مورد الأسلحة الرئيسي لتشيلي. وفي المقابل وعلى الصعيد الدبلوماسي، عرضت تشيلي دعمها لإسرائيل من خلال الترويج لخطابها حول الإرهاب وإدانة وسائل الإعلام التي، بحسبها، تعطي صورة خاطئة عن العنف الاستعماري الإسرائيلي.
مزود الأرجنتين الأول بالأسلحة
كما قدمت إسرائيل أيضا مساعدة عسكرية للأرجنتين في ظل ديكتاتورية فيديلا، على الرغم من التعذيب واختفاء اليهود الذين كانوا يعيشون في ذلك البلد. ويقدّر أن ألفي يهودي قد اختفوا في ظل دكتاتورية احتفظت بصلات مع إسرائيل، وهو مثال آخر يظهر كيف أن الكيان الاستعماري الصهيوني في فلسطين مهتم بإيديولوجيته أكثر من اهتمامه بمصير اليهود في أنحاء العالم. وكما تظهر أبحاث إيلان بابي عن الحرب العالمية الثانية، فإن الصهيونية لم تكن تبالي إزاء التسبب في وقوع إصابات حتى بين السكان الذين تدعي حمايتهم1.
كانت الأرجنتين إحدى الدول المشاركة في “عملية كوندور”، وهي عمل جماعي للديكتاتوريات اليمينية في أميركا اللاتينية التي كانت تسعى إلى إبادة المعارضين اليساريين في المنطة. ويقدّر أن حوالي 30 ألف شخص قُتلوا أو اختفوا خلال العمليات العسكرية والتجسسية التي لعبت فيها إسرائيل أيضًا دورًا من خلال توفير المساعدة العسكرية. وبين العامين 1976 و1983، اشترت ديكتاتورية خورخي فيديلا 95 في المائة من أسلحتها من إسرائيل.
في العام 1977، وقعت غواتيمالا، التي كانت تربطها علاقات دبلوماسية متينة مع إسرائيل، اتفاقية مساعدة عسكرية مع الدولة الاستعمارية. وتم تعزيز هذه الاتفاقية في العام 1978 عندما قلصت الولايات المتحدة مساعداتها لذلك البلد؛ حيث تدخلت إسرائيل لملء الفراغ. وكما هو الحال في الديكتاتوريات الأخرى في أميركا اللاتينية، عانى السكان الأصليون في غواتيمالا من عمليات اغتصاب الأراضي والاغتيالات، وازداد الوضع سوءا عندما تولى إفراين ريوس مونت السلطة بعد الانقلاب العسكري المدعوم من إسرائيل في العام 1982. كما قامت إسرائيل بتدريب الجنود الغواتيماليين في ذلك الحين.
تتشابه التقنيات المستخدمة آنذاك مع الفظائع التي ارتكبتها الجماعات الصهيونية شبه العسكرية خلال التطهير العرقي في فلسطين العام 1948. وقد نقلت غواتيمالا، على خطى الولايات المتحدة، سفارتها من تل أبيب إلى القدس في العام 2018.
في العام 2017 نشرت إسرائيل وثائق تسلط ضوءا جديدا على التقنيات والدبلوماسية المستعملة في أعقاب نكسة 1967. كانت الأغلبية الديموغرافية اليهودية ما تزال شرطا أساسيا للعملية الاستعمارية التي تنفذها إسرائيل. ومن هذا المنظور صرح رئيس الوزراء آنذاك، ليفي إيشكول بالقول: “لو كان الأمر متروكا لنا، لأرسلنا كل العرب إلى البرازيل”.
في صميم الهوس الإسرائيلي بالترحيل القسري يكمن حق الفلسطينيين في العيش على أرضهم في تناقض مع الأسطورة التي بنت إسرائيل عليها نفسها. ومع التركيز الحالي على تطبيع العلاقات مع بعض العرب وتأجيل الضم الذي سيؤدي، عندما يتم تنفيذه، إلى موجات جديدة من التهجير القسري، ستبقى مسألة ترحيل الفلسطينيين مسجلة في البرنامج الاستعماري. وتساوي إزالة الفلسطينيين من أرضهم يساوي، في خطاب إسرائيل، محو كل أثر لحقهم في العودة.
وحتى لو لم تجد إسرائيل، كما حدث في الماضي، متواطئين مرحبين بترحيل واضح وصريح، فإن الدبلوماسية الحالية تظهر أننا نتجه نحو تبديد حقوق الفلسطينيين في العيش على أرضهم مقابل تعزيز العلاقات مع إسرائيل.
 
*باحثة مستقلة وصحفية مستقلة ومراجعة كتب ومدوّنة، متخصصة في النضال من أجل الذاكرة في تشيلي وفلسطين، والعنف الاستعماري والتلاعب بالقانون الدولي. ترجم هذا المقال من الفرنسية حميد العربي.