Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Aug-2020

كارثة لبنان: دولية حقيقتها وضمانات عدم تكرارها*جمال الطاهات

 الدستور

السعي لمعرفة أسباب الكارثة وتشخيصها، ضرورة لضمان عدم تكرارها. إلا أن الإصرار على تحقيق دولي، يشير إلى أن المطلوب أكثر من مسلسل وقائع لتحديد المسؤولين ومحاسبتهم. فالمطلوب تغيير قواعد العمل، والعلاقات الناظمة بين مكونات الواقع اللبناني. وهذا يتطلب رواية للكارثة: اولاً موثوقة (تبرر الاستنتاجات والإجراءات المترتبة عليها)، وثانياً موضوعية (تضمن فاعلية المعالجات). فدولية التحقيق تؤسس لكونية الحقائق التي ستنقل ضمانات عدم تكرار الكارثة، من السياقات المحلية والإقليمية، إلى السياقات العالمية.
لقد شدد الرئيس ماكرون على أن مصداقية (الحقيقة) المتعلقة بالحدث، تضمنها «دولية التحقيق»، التي تعني، ان الدروس والاستحقاقات والخيارات الضرورية لمنع تكرار الكارثة، سيتم بنائها على رواية للحدث، تكتسب مصداقيتها من دوليتها. ولكنه لا يريد التحقيق ليعلمه بالوقائع، وإنما لتبرير الاستجابة الدولية للكارثة. إذ استعمل الرئيس ماكرون ما أسماه «طباق شاعري»، لربط قراءته للوقائع، بالضمانات العالمية المتوقعة لعدم تكرار الكارثة. فأشار للثمن الفادح المترتب على «تركنا امراً خطيراً لفترة طويلة دون معالجته».
منطق العالم، يمكن قراءته بنبوءة شاعر الحداثة الإنجليزي «ماثيو أرنولد» الموصوف بأنه الشخص الأكثر جدية في (العصر الفيكتوري): « تنتهي الحقب، والعالم باقٍ». فما يجري في أي منطقة، أصبح ينتمي إلى وحدة العالم وديمومته. فالعالم سيبقى، رغم انقضاء إحدى الحقب في بعض مناطقه. فمع نهاية الحقبة، يكون الكل قد قال ما لديه، «وأصدر النقاد أحكامهم على الجميع»، وبدأت عملية «كنس التراكيب الهشة»، لفتح الطريق لميلاد غد جديد. فالكارثة تنهي الأحاديث والتشكيلات التي كانت قبل وقوعها.
فالكوارث قابلةٌ لميلاد -استثنائي غير تقليدي- لمنظومات عمل جديدة. انتهاء حقبة وانبثاق ما سيليها بالكوارث، تيه: «بين عالمين، أحدهما ميت، والآخر عاجز عن الميلاد» حسب تعبير ماثيو أرنولد. فالكارثة لحظة تيه بين موت متحقق، وميلاد منتظر، تصهر الاتجاهات وتسيلها، تربك الرؤية، وتجعل الحركة بأي اتجاه، لها ذات القيمة والمبررات للتحرك بالاتجاه المعاكس. تمتص ثقتنا بما حولنا، وتقدم الفرصة لمن شاء الضرب (والمغامرة) ليخرجنا من التيه. فشلنا حولنا إلى «صنعة» حسب تعبير دزرائيلي، وفرصة يستغلها ماكرون لفرض شروطه «لخروجنا من التيه، والتحاقنا بالعالم».
إشارة ماكرون: «ما بعد الكارثة ليس كما كان قبلها»، وظفت التيه الناتج عن الكارثة، لوصف الاتجاهات والمسارات للحقبة الجديدة، وعبر عن استثمار اللحظة بالقول أنه: «يتحدث بتواضع، ولكن بصرامة»، لفرض «قواعد العمل الجديدة» التي يجب أن تدخل حيز التطبيق، كشرط مسبق، لميلاد علاقة جديدة بين المجتمع الدولي ولبنان الذي يحبه، «فالعالم لن يقدم شك على بياض».
الخروج من التيه يتطلب تحولاً: «بقواعد العمل ووسائله وطرائقه»، لتثبيت اتجاه جديد للحركة. الكارثة، انهت حقبة، اكتسبت ملامحها من وسائل وطرائق عمل، ثبت فشلها. ولكن العالم باقٍ. فالحقبة شكل مؤقت لعالم مستمر. فمن يتمسك بالحقب وتفاصيلها، عليه أن يجهز مناديله لكفكفة دموع سيذرفها لزمن طويل آت. وعلى المنحازين للحياة أن ينهضوا استعداداً لبناء «غدٍ» بمواصفات جديدة. انفجار وقت الأصيل في بيروت، ربما هو إشارة رمزية إلى انقضاء يوم، وبدء المخاض لميلاد يوم جديد.
ستبقى الأيدي والخيارات والإرادة المنشأة للأهداف، ولكن يجب أن تتغير الوسائل وطرق العمل، والتراكيب القديمة، التي استعارتها الحقبة المنصرمة لرسم ملامحها. ستبقى كل الخيارات متاحة، ولكن بمواصفات جديدة. فمن يتمسك بمواصفات خيارات ما قبل الكارثة، «سيكنس مع التراكيب الهشة». الحب والحرب باقيان وسيشهدان ميلاد الحقبة الجديدة، ولكن ستكون لهما أساليب وأدوات وملامح وأغانٍ وأشعار، مستعارة من فجر يوم جديد، يحمل ملامح كل آبائه.