Wednesday 1st of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Mar-2017

مطلوب راشد مسؤول لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني - عميرة هاس
 
هآرتس
 
الغد- في قطاع غزة، 365 كيلو مترا مربعا، يحتشد نحو 2 مليون فلسطيني. في غور الاردن، في مساحة نحو 1600 كيلو متر مربع يعيش نحو 65 الف فلسطيني (ونحو 10 الاف مستوطن إسرائيلي آخرين). نظريا، تسمح اتفاقات اوسلو للكثير من سكان القطاع الانتقال إلى الغور: للعمل في الزراعة حتى وان كان موسميا، في البناء وفي تطوير البنى التحتية، في السياحة وفي الصناعة. 
أما عمليا، فهاتان المنطقتان الفلسطينيتان "تساهمان" على نحو خاص في تدهور الاقتصاد الفلسطيني بأسره. في هاتين المنطقتين يكمن السبب الاساس للتدهور في القيود التعسفية التي تفرضها إسرائيل على الحركة، قدرة الوصول إلى المقدرات، الامكانيات التجارية، البناء، الفلاحة الزراعية والتنمية. 
لا جديد في هذه الاقوال، ومع ذلك فإن مجموعة من 11 اقتصاديا فلسطينيا وإسرائيليا أصدروا هذا الاسبوع ورقتي موقف تستند اليها، وترسم خطة لتوسيع النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الغور وانقاذ اقتصاد قطاع غزة (قبل ان نصل إلى العام 2020، حين سيكون الجيب المعزول غير المناسب لسكان الانسان، مثلما حذرت الامم المتحدة قبل نحو خمس سنوات).
ولاعتبارات الكياسة، وربما لأنها كتبت في العقد مع البنك الدولي، تتناول اوراق الموقف بجدية وبثقة تصريحات السياسيين الإسرائيليين عن رغبتهم في تحسين الاقتصاد الفلسطيني. أما عمليا فإن محرري ورقتي الموقف اللذين رفعاها يوم الأربعاء من هذا الاسبوع إلى معهد ترومان – صائب بامية وآريه أرنون – يعرفان أن الوضع القائم ليس مجرد نتيجة أخطاء انسانية متراكمة. ولكن مدير الندوة، السفير الإسرائيلي السابق في جنوب افريقيا، ايلان باروخ، هو الذي أسمى الولد باسمه: "هذه سياسة إسرائيلية مقصودة لخلق النقص"، قال. "على الأسرة الدولية أن تكون مشاركة وليس كمتبرعة بل كممارسة ضغط". 
قبل يوم من ذلك، في الإطلاق الأولي لأوراق الموقف في مكاتب البنك الدولي في ضاحية البريد في ظل السور، قال بعض من المتحدثين لمندوبي الأسرة الدبلوماسية في القدس:  لقد تم التبرع بمبالغ طائلة لإحداث التغيير، لا من أجل تخليد الوضع الراهن. وها هو يتبين أن أموال دافعي الضرائب في دولكم استخدمت لصيانة الوضع الراهن والتدهور. هذا يجب أن يتغير.
لمن اعتاد قبول الإغلاق على غزة كمعطى ثابت، والافتراض بأن غور الأردن يعود لإسرائيل، فإن خطوات الأعمال والإنقاذ الاولية التي يقترحها الاقتصاديون ستبدو هاذية: السماح بحركة منتظمة للأشخاص وبقوافل الشاحنات التي تسافر مباشرة من القطاع إلى الضفة؟ إعادة فتح المطار في غزة؟ ضخ المياه والكهرباء؟ تقليص قائمة المواد ذات الاستخدام المزدوج؟ إعمار مرسى الصيادين وبناء ميناء؟ السماح للفلسطينيين بفلاحة 40 ألف دونم آخر في الغور، بناء وتطوير السياحة فيه؟ هذا يبدو وكأنه قلب الأمور الاولى رأسا على عقب. ولكن على حد قول ارنون، فإن التوصيات في أوراق الموقف بالذات قريبة جدا من نهج رجال الجيش والأمن الإسرائيليين المسؤولين اليوم، والذين يفهمون المخاطر الأمنية التي في التدهور الاقتصادي. وعليه، فليس هاذيا اقتراحها، كمحاولة اخرى لإيجاد المسؤولين الراشدين في إسرائيل الذين يمنعون تجسد نبوءات المصيبة. 
مجموعة اكس، على اسم الجامعة التي تحت رعايتها تأسست في 2002 (بول سزان اكس مارسيه 111) اقيمت كفريق تفكير يخطط لسيناريوهات اقتصادية اجتماعية للمرحلة الدائمة (الدولتين). العكس من اتفاقات اوسلو – التي رسمت بتفصيل زائد مراحل تدرجية نحو تطبيق الرؤيا، التي لم تتحدد على الاطلاق. وعليه، فبالنسبة لمجموعة اكس، فإن ورقتي العمل هما "تمرين جديد"، يقترح خطوات ملموسة للانقاذ وللاعمار، للمدى الفوري وللمدى المتوسط، دون التعلق بوضع المفاوضات على التسوية الدائمة، وانطلاقا من الوعي للاحتمالية المتدنية أن تستأنف قريبا.
كل ورقة موقف تجسد بالملموس الوضع بالمعطيات والميول. فمثلا: في العشرين سنة الماضية منذ اقامة السلطة الفلسطينية (1994) كان الناتج المحلي الخام للفرد في القطاع نحو 1200 دولار بالمتوسط السنوي (حسب اسعار 2004). ذروته في عامي 1998 – 1999، بلغ 1450 دولار. وكان في أدنى مستوى له في عامي 2007 – 2008، حين هبط إلى 900 دولار. ومقارنة بإسرائيل (بأسعار 2004 أيضا)، كان 20 الف دولار. 
يجسد الناتج المحلي الخام لكل عامل بالملموس التدهور بقدر أكبر: من 24 الف دولار في العام 2005 إلى نحو 10 الاف دولار اليوم. كما أن هذا هو السبيل لحساب انتاجية العمل في الاقتصاد. "هذا الانخفاض الدراماتيكي توقف أساسا بسبب اغلاق غزة"، يشدد الكاتبان مرة أخرى ما هو مسلم به، ويذكران بحثا لبنك إسرائيل وجد أنه بين 2006 و2009 انخفضت العمالة في القطاع الانتاجي بمعدل 33 في المئة، بينما في قطاع الخدمات كان ارتفاع بمعدل 24 في المئة في عدد العاملين. ومعطيات اخرى ذات صلة: في 2015 بلغت البطالة بين الشباب في غزة 57,6 في المئة. أما معدل البطالة في عموم السكان في القطاع فكان 41 في المئة. 
سبيل آخر لاظهار الهبوط هو من خلال قيمة اجمالي الاستيراد للفرد. في 1997، كان 800 دولار للفرد في القطاع و1000 دولار في الضفة. في 2015 كان 400 في القطاع مقابل 1400 دولار استيراد للفرد في الضفة. وماذا عن التصدير للفرد؟ كان دوما منخفضا في القطاع، ولكن حتى هذا القليل تقلص أيضا: في شكل التصدير 10 في المئة من الناتج المحلي الخام، مع 15255 شاحنة خرجت من غزة كل يوم. وقد انخفض هذا إلى 6,8 في المئة من الناتج المحلي الخام في 2005 (مع 9319 شاحنة)، وإلى 0 في أعوام 2008 – 2010. ارتفاع طفيف سجل في 2015 – 2016، مع 1400 شاحنة تخرج كل سنة (بفضل هولندا التي ضغطت للسماح لغزة بتصدير المنتجات الزراعية إلى الخارج). 
يمنع الحصار الإسرائيلي الاقتصاد في غزة من حركة البضائع والأشخاص. هكذا فان الكلفة العالية تخفض الانتاجية وتردع المستثمرين. ويضاف إلى ذلك تدهور حالة البنى التحتية في غزة، والخطر العسكري والسياسي الذي يردع المستثمرين أيضا. ولا يتجاهل الكاتبان عنصر التدهور الداخلي. الحكم الثنائي في القطاع والخصومة بين حماس والسلطة.
يدحض الكاتبان ادعاء ثابتا للسلطة الفلسطينية، في أن نحو 40 في المئة من ميزانيتها تستثمر في قطاع غزة (وبالتالي مثلا لا يمكنها أن تخفض ضرائب السولار لمحطة توليد الطاقة). بحسابهما، فإن 15 في المئة فقط من الميزانية تنقل إلى القطاع ولا تغطى بالمداخيل من الجمارك وضريبة القيمة المضافة التي تنتجها.  هذا ليس معدل دعم عال، كما يقولان: وارد أن المناطق الغنية تدعم ماليا المناطق الافقر. 
على التخوف الإسرائيلي من الخطر الامني الكامن في التخفيف من الاغلاق يجيبان بحجج تعتمد على المنطق البسيط: الحصار التعسفي لم يمنع تسلح حماس ولم يمنع الحروب. والتدهور الاقتصادي – الاجتماعي يزيد فقط الهياج والغضب، اللذين يغذيان الجماعات والافكار المتطرفة. اما تخفيف الاغلاق، كما يقولان بقناعة، فسيقلل التأييد لحماس. يتبين أن الحصار على غزة لا يمكنه ان يكون مجرد عقاب لحماس، بل وأيضا سبيل لتثبيت حكمها في القطاع كما يشيران. فالتحكم بمنطقة مغلقة أسهل من التحكم بمنطقة مفتوحة، يدخل ويخرج منها الناس واليها، كما يكتبان. 
صحيح أن غور الأردن لا ينقطع اليوم عن باقي أجزاء الضفة الغربية، ولكن منذ 50 سنة، ولا سيما في العشرين سنة الاخيرة، كما تذكر ورقة الموقف الثانية، تمنع إسرائيل عن الفلسطينيين قدرة وصول، بناء وتطوير في نحو 75 في المئة من أراضي الغور، وبذرائع مختلفة: ميادين نار، محميات طبيعية، مناطق أمنية، اراضي دولة، و90 في المئة من اراضي الغور تندرج ضمن منطقة الحكم البلدي لـ24 مستوطنة. نحو 85 في المئة من الاراضي هي في تصنيف ج. من بين نحو 160 الف دونم مناسبة للفلاحة في الغور، يفلح الفلسطينيون نحو 42 الف دونم فقط. اما المستوطنون فيفلحون بين 30 إلى 50 الف دونم وكل الباقي مغلق في وجه الفلسطينيين. من ناحية الوصول إلى المياه، يكفي المعطى التالي: كمية المياه التي يستهلكها المستوطن اكبر بنحو عشرة اضعاف الكمية التي يستهلكها الفلسطيني. 
النتيجة: "تنمية دون تجد تعبيرها في تنمية قروية محدودة ونمو اقتصادي هزيل، مما يؤدي إلى ارتفاع الفقر، إلى شروط سيئة في الصحة الشخصية والصحة العامة وتدهور بيئي ومادي". وها هو معطى يقول الكثير: مدى العمر للفلسطينيين في الغور هو 65 سنة، مقابل 71,8 في كل الضفة. 
يبحث الكاتبان في مسألة الأمن وقيود الحركة المنسوبة لها. في ورقة الموقف عن غزة كتب: "الامن يتحقق ليس فقط بوسائل عسكرية بل وأيضا بوسائل تخفيض دافعية الطرف الاخر للقتال. اما وضع الفقر المتزايد والتدهور في مستوى المعيشة فيخلق دفيئة غضب ويأس، من شأنها ان تؤدي آجلا أم عاجلا إلى جولات اخرى من العنف. وهما لا يتناولان مشكلة غياب الامن للفلسطينيين، الخاضعين للتنكيل والاعتداءات، سواء من الجيش والشرطة أم من المستوطنين.
هكذا، في هذه الأيام بالذات يتخذ سكان البؤر الاستيطانية العشوائية في شمال الغور اساليب التخويف، العنف، النار، الاعتقالات العابثة والمس بالماشية لغرض طرد الرعاة والمزارعين الفلسطينيين من اراض واسعة. وعليه، حسن يفعلان اذا اضاف الكاتبان توصية بتبني اساليب ناجعة لاحباط اعتداءات المستوطنين التي من شأنها أن تتسع كلما سمح الراشدون المسؤولون بحركة الفلسطينيون نحو اراضيهم.