Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Feb-2021

مؤنس الرزاز.. سلام عليك يا أجمل الغائبين

 الراي-فلح العدوان

هل حقاً مرَ تسعة عشر عاما على رحيلك يا مؤنس؟
 
ربما يجب أن يكون السؤال هو: كم من الأحداث والتفاصيل مرّت علينا منذ رحيلك؟ ماذا لو كنت معنا؟ أكنت ستكتب عشرات الروايات، أم إنك ستصمت لهول ما جرى خلال تلك السنوات العجاف!
 
ها ذكرى رحيل الروائي الصديق مؤنس الرزاز تمرّ، وهو رغم غيابه، حاضر بإبداعه وبأسئلته وبعناوين رواياته، وبتلك الدهشة التي تصيب المتلقي كلما قُرئت كتاباته مرة أخرى..
 
يا مؤنس، في ذكرى رحيلك هذا العام، نستحضرك وكل العالم محاصر، بينما أنت حرَ محلّق شفيف، نبيلا كنت، وفارسا عشت طوال حياتك مع فكرك وقلمك وموقفك.. نفتقدك هنا، ولكنك لست وحيدا هناك الآن يا صديقي، فقد التحق بك إلياس فركوح قبل أشهر، وكأنه كان يتوقع لقياك، فراجع أوراقه ورسائله بينكما، ونشر كتابه «رسائلنا ليست مكاتيب» قبل أن يلتحق بك.. سلّم لنا، يا مؤنس، على كثير من الأصدقاء المشتركين بيننا والذين غادرونا كحبّات المسبحة واحدا وراء الآخر، وهم معك الآن، ومع إلياس هناك جمال أبو حمدان وعدي مدانات وجمال ناجي وفايز محمود ?عبد الله رضوان، وغيرهم كثير.. سلام عليك وعليهم أيها الحاضر دائما، يا أنقى الرائعين..
 
وأصدقك القول إن محبيك الكثيرين ما زالوا على العهد عهدك، وعلى ذكراك الطيبة، وقد زادوا بعد رحيلك، فالكاتب المبدع، والمثقف الموقف، لا تكون الزيارة له بعد غيابه إلى قبره، بل يكون استحضاره أنسا وشغفا وفكرا بقراءة إرثه الإبداعي، ومحاكاة حياته، واستحضار الكاتب مع الكتاب، وأنت يا مؤنس ما زالت رواياتك «اعترافات كاتم صوت»، و«أحياء في البحر الميت» و«جمعة القفاري» و«متاهات الأعراب في ناطحات السحاب» يتناقلها جيل يرى في كثير مما كتبته نقدا لواقع كان، واستشرافا لقادم ها هو الآن، وسيكون بعد فيض من الزمان.
 
وها أنت حتى بعد تسعة عشر عاما أتخيلك تطل من نافذة السماء بهيئة من «مد اللسان الصغير في وجه العالم الكبير»، ثم تمطر من أعلى غيمة رذاذ رواياتك مذكّرا أن اقرأوها فهي بعض روحي وفكري ورسالتي التي تركت ذات «ليلة عسل» على مرأى من «عصابة الوردة الدامية» رغم زمن «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» ودموع «النمرود»، فالحال أراها من عَلٍ أقرب إلى «الشظايا والفسيفساء»، حالة قد يكون وعيها يتجلى أكثر «حين تستيقظ الأحلام»، فواقعكم الأرضي كما أرصده من شرفة غيابي فيه مشهد كاريكاتوري كما «قبعتان ورأس واحدة»، وربما تجدون بعض الفنتاز?ا التي تعيشون في «مذكرات ديناصور».. تلك رواياتي وكتبي فيها عناوين حياتكم كما أراها، ولكن الكثير مما كنت أريد البوح به كنت دونته في أوراق «مذكرات جوانية»، فلماذا لم تنشروها حتى الآن؟!
 
***
 
يا مؤنس.. في ذكرى غيابك هذا العام، أستذكر ما كنتُ كتبت في استحضارك ذات ذكرى سابقة، وكأنك بيننا: «ها أنت تعرج عاليا، والتوق دهشة أخرى، تجدها حيث حلولك في عالم آخر، وتمضي الأعوام، ولا تغيب، بل تحضر أكثر. يتهيأ الأصدقاء للقائك. يتباهى مريدوك بقراءتك. يصطف شخوص رواياتك لتحيتك. لكنك تترك الباب مواربا؛ بين حضور مهيب، وغياب شفيف، بينما طيفك يتماهى أنى حضرت ذكراك.. يا مؤنس.
 
تأتي كل عام.. تعرف أن روحك لا تطيق بعدا. تشعل سيجارتك وتسير في شوارع عمان، فلا يراك أحد، غير أنك ترصد خطوات من حولك، وتبطئ مسيرك في جبل اللويبدة. تتلمّس بأصابعك أعراف الياسمين، وتُسلّم على أحباب لك هناك. تلاحظ أن موقع رابطة الكتاب قد تغير، كما تغيرت نفوس كثيرة أيضا، وأشياء غابت، وأخرى حلت مكانها، تهزّ رأسك، وكأنك تقول: هذه طبيعة الأشياء، وكذلك النفوس».
 
يا مؤنس.. لو تعود الأيام لكنت أمضيت فترة أكثر معك أثناء زيارتي لك في مكتبك مستشارا في وزارة الثقافة.. كنا أمضينا وقتا أكثر تلبية لدعوتك لنا إلى جبل اللويبدة، وكنا استمعنا بعمق ووعي إلى إدراكك لعمان وقد عاصرتها كأحد أبناء عموم عشائر «الرزايزة» كما كنت تقول، وكما لو أنك أول عموني فيها.. كنت كبيرا بوعيك هذا، ومثلما تفتقدك عمان، تفتقدك السلط وهي مسقط رأسك، ويفتقدك الأردن وأنت علامة فارقة في مسيرة الثقافة والسياسة والإبداع والرواية والصحافة فيه، وفضاؤك الأرحب أنت الذي صقلته وطنيا وقوميا وإنسانيا، ذلك أنك من منب? طيب، حافظت على موقفك وإبداعك وفكرك، وحين غادرت وارتقيت، أنت لم تغب، فمثلك لا يغيب، ورغم الأعوام على رحيلك ماز لنا نستذكرك، وها هي عمان التي غبت عنها عام 2002 حين كنا نحتفي بعمان عاصمة الثقافة العربية، وها نحن بعد تسعة عشر عاما، وفي عام 2021 نستذكرك وعمان تحتفي بمئوية الدولة الأردنية، ذلك أن قيمة الدولة ونبضها وحضورها يتنامى أكثر حين يكون استذكار المبدعين الكبار مثلك، وأنت الكبير دائما، أيها الغائب الحاضر، الشفيف النقي، المبدع الحقيقي.. سلام عليك. .سلام عليك.. يا أجمل الغائبين.
 
(كاتب أردني)