Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jul-2019

“توطين” الفلسطينيين: العبث بالمفهوم..!* علاء الدين أبو زينة

 الغد-عادت مسألة “توطين” الفلسطينيين إلى الواجهة في لبنان بعد قرارات وزير العمل اللبناني الأخيرة التي تؤكد أجنبيتهم، وتزيد معاناتهم. و”التوطين” في حالة الفلسطينيين مفهوم مفتوح على التأويل حسب الحاجة. وهو يستخدم في تنويعات على فكرة أساسية: “لا نريد توطين اللاجئين الفلسطينيين حفاظا على الهوية الفلسطينية وحق العودة”. وتحت عنوان الحفاظ على الهوية ومقاومة “التوطين”، يُحرَم اللاجئون الفلسطينيون من الحقوق الإنسانية والقانونية والمدنية في كثير من الأحيان.

لدى قراءة هذه الاتجاهات حيث يتواجد اللاجئون الفلسطينيون، لا بد من الاعتراف بأن الهاجس الأول لا يتعلق حقا بالحفاظ على الهوية وحق العودة، بقدر ما يتعلق بهواجس ديمغرافية –على أقل تقدير. فقد أظهر الفلسطينيون طويلا وفي كل مكان أنهم متمسكون بهويتهم وحقهم في العودة إلى وطنهم بما لا يقبل التشكيك. وكما هو بائن، يخشى البعض في لبنان المحكوم بالطائفية المتطرفة، أن يضيف الفلسطينيون –في حال تم دمجهم أو تجنيسهم- إلى المسلمين السُّنة ويُخلوا بالحصص الطائفية. وهناك، يساوون بين “التجنيس” و”التوطين”. لكن المطالب القريبة للفلسطينيين في لبنان لا تتعلق بالتجنيس، وإنما بالحاجات الإنسانية الأساسية، مثل الوظائف والسكن اللائق وحرية الحركة.
ربما يكون الشيء الذي يسيء الكثيرون تأويله عن “توطين” الفلسطينيين –بمن فيهم الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية- هو تصوُّر أنه يتعلق أساسا بالاستقرار المكاني أو العمل، أو حتى التجنيس: وفِّر للفلسطينيين هذه الأشياء –وجنسية- وسوف يقنعون وتنتهي قضيتهم. لكن كل هذه الشكليات لا تحل المسألة النفسية البنيوية في أبناء الشعب الفلسطيني، كما أظهرت التجربة. إن الفلسطينيين لم ولن يقبلوا بديلا عن وطنهم التاريخي، ولا يغريهم مال ولا سلطان بالتخلي عن حقوقهم الأصلية التي يكفلها التاريخ والقوانين الدولية والإنسانية في العيش على ترابهم الوطني. وليس معروفا عن الفلسطينيين المُجنَّسين في مختلف دول العالم أنهم تخلوا عن هذه المسائل مهما كانت مكانتهم –ومن دون أن يتعارض ذلك مع وفائهم وعملهم المخلص والمنتج حيث يقيمون. ولذلك، سيكون “التوطين” بمعنى “الاستقرار” خارج حسابات الفلسطينيين القلقين دائما وتماما من أنهم أبناء وطن مسروق، بغض النظر عن أي متغيرات أخرى.
القلق الديمغرافي من اللاجئين موضوع جدلي عالميا، ولا يخص الفلسطينيين وحدهم. هناك الذين يخافون من اللاجئين على الثقافات المحلية، والوظائف المحلية، والتجانس العرقي وما شابه. وهناك الذين يرون إيجابيات في الاستيعاب والدمج على أساس إغناء التنوع الثقافي والاستفادة من اللاجئين كقوى عاملة منتجة تضيف إلى الاقتصادات. وفي الحقيقة، ليس اللاجئون الفلسطينيون مختلفين ثقافيا في المجتمعات العربية. كما أنهم ليسوا مهاجرين اختياريين يستطيعون العودة إذا لم ينسجموا أو سُدّت أمامهم السبل. وقد أثبتوا بعد نكبتهم وتهجيرهم مباشرة قدرة فائقة على التكيف والتحول سريعا إلى الإنتاج، ولهم أدوار ثقافية واقتصادية لا تخفى حيث تواجدوا. وكانوا سريعين في الاستغناء عن مساعدات الأمم المتحدة والشروع في إعالة أنفسهم وإفادة الآخرين. وبشكل عام، لم يكونوا عالَة على المجتمعات المضيفة، بقدر ما كانوا إضافة وعامل إغناء مهما.
حرمان أبناء اللاجئين الفلسطينيين من العمل حيث يتواجدون أو تقييد خياراتهم وإدامة معاناتهم لا علاقة أساسية له بالحفاظ على هوية الفلسطينيين وحق العودة. إنه شيء له علاقة بعقدة عربية ونرجسيات محلية صنعها تقسيم الأمة إلى “قوميات”. ويظهر ذلك في حال المغتربين العرب في البلدان العربية. ففي معظم بلدان العالم، يحق للوافد بعد الإقامة فترة معينة والوفاء بشروط معينة أن يتجنس ويكتسب كامل الحقوق. لكن العربي في البلد العربي يقيم عُمرا ويبني ويتعب، ويظل مغتربا غريبا. والفارق في حالة الفلسطينيين هو أنهم لا يختارون التواجد حيث هم، بوصفهم مهجّرين ووطنهم تحت الاحتلال.
يعني حرمان الفلسطينيين من فرص العمل وإفقارهم تحويل شريحة سكانية موجودة بحكم الأمر الواقع في البلد المعني إلى عالة، بالإضافة إلى ازدراء إنسانيتهم. ولا يخدم هذا شيئا سوى حرمان البلد المضيف من عطاء هؤلاء السكان وعملهم الذي يغلب أن يكون مفيدا، كما برهنت التجربة. كما أن هذا الموقف يتعارض مع الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية –ناهيك عن الأخوة القومية.
لا يمكن لأيِّ شيء أن “يوطِّن” الفلسطينيين -بمعنى مصالحتهم مع المنفى ونسيان الهوية. وسيكون لحرمانهم من الحقوق الإنسانية تفسيرات أخرى –مفهومة وغير مفهومة.