Wednesday 8th of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Jul-2015

بوح القرى .. ديوان البلقاء 2
الراي - كتابة وتصوير: مفلح العدوان
 
 
نستكمل الكتابة هنا عن «ديوان شعر عشائر البلقاء/ ما قالوه وما قيل فيهم»، لكاتبه الشيخ الشاعر عبد الله سالم صالح الشاهين، بإطالة أولى على الغلاف الأخير من الكتاب، وفيه قصيدة توثيقية، يرصد فيها مؤلف الكتاب الشيخ عبد الله الشاهين عشائر البلقاء بأسمائهم و(نخواتهم)، حيث يقول:
 
«يا ديرة البلقاء بدري ورثناك
كرام المنابت ربعنا توالدو فيك
يا اسم غالي وديرة ما هجرناك
ما في سوى الفردوس منزل يساميك
الك مكانه بالذرى وربنا أعطاك
بظل الهواشم آمنة وخاب غازيك
تبر التراب ويرفع الراس طرياك
تلك الجبال الشامخة ثم واديك
ديره عزيزه مكرمة كيف ننساك
وجوى الخوافق ساكنة وحق باريك
شامه على خد الوطن ربنا ابقاك
حلو المناخ وزاهيات مبانيك
يا حضن دافي في سريراً عشقناك
فردوسنا الغالي في مقلة العين نفديك
اولهم العدوان تعشق محياك
هل الظبطا حاميه سهولها مع روابيك
وبني حسن بيض الصنايع ما تجفاك
صبيان المدرسة بالتحية تباديك
والسلط أهل المرجلة بالروح تفداك
عمودك اللي للمعالي يعليك
ويا نعم بالحردى ان قالوا لعيناك
كرام المنابت صيتهم دوم يغنيك
وأيضاً يا نعم بعيال الامينات
وصبيان حلّس قلعة بوجه غازيج
وصبيان الصباح عجرمه تقدس ثراج
ماضي وحاضر فعلهم دوم يرضيك
وربعي هل البلقا في مأدبا ذاك
ومن شتى المنابت ولأصول الحواليك
وبالذاكرة شيخا هوى المجد بحماك
أبو الغنم هاوي المجد ثم هايك
يا ديرة كل الاجاويد تنصاك
صفر الدلال مصهيه في علاليك
شاعر تغنى ورتب القاف لرضاك
يا ديرة البلقا يا هلا بيك»
 
قيثارة الأفراح والأشجان
ولأهمية الكتاب والموضوع فقد كتب عنه الكثيرون، وتم توثيق تلك الكتابات في الصفحات الأولى من «ديوان شعر عشائر البلقاء»، ونضيف الى ما سبق من كلمات قيلت في هذا الكتاب، حديث الدكتور أحمد فهد الشوابكة الذي قال في جانب من كلمته «جاء الديوان سجلا حافلا بالقصائد والمشاعر والمناسبات والأحداث والشخصيات، وهو يتنقل من شاعر الى شاعر ومن موضوع الى موضوع، مما يلزمه جهدا غير عادي وعقلا وحافظة موسوعية وعلاقات واسعة وحميمية وشخصية محببة مثل شخصية شاعرنا، لبناء شبكة من العلاقات الوثيقة مع العديد ممن يحملون هذا الهم ويتقنون هذا الفن من عشائر شتّى وطوائف مختلفة وبقاع عدة وأزمان متباعدة، لتكون النتيجة إخراج هذا السفر الذي يصلح نواة لمؤلف ضخم يؤرخ لجانب هام من جوانب تاريخنا المعاصر وهو الجانب الاجتماعي، مما لا يستغني عنه باحث أو دارس في التاريخ الاجتماعي الأردني في الحقبة المعاصرة».
ويقول اللواء الركن برجس البلوش في شهادة له حول الكتاب: «لقد أسرني جمال الأسلوب الممزوج بالبداهة وجمال الألفاظ وحسن المعاني وعمقها، المستمدة من ديرة البلقاء العذية على الأهل والأصدقاء، العصية على الاعداء، كما اعجبني أمانة النقل وموضوعية الشاعر. وقد قيل بأن الشعر ديوان العرب، كيف لا وهو يحفظ تاريخهم، ويدون مناقبهم ومآثرهم، فهو وسيلة فخرهم ومدحهم، كما أنه قيثارة أفراحهم وأشجانهم.. ومجمل القول بأن ما احتواه هذا الديوان من أشعار في فترات زمنية متقاربة قد لخص أسلوب الحياة على هذه الأرض قبل قيام الدولة الأردنية، وفي بدايات قيامها، حيث جمع قسم لا يستهان به من تراث الشعر البلقاوي النبطي وسيرة فرسانهم الذين ذادوا عن الأرض والعرض وشرف القبيلة..».
أما القاضي سالم القلاب فكتب مقدمة/ شهادة في الكتاب ومؤلفه، قائلا: «يزداد الشعر النبطي أهمية في حفظ التراث ورعايته، خاصة في المراحل التاريخية التي تفتقر الى الكتابة والتدوين، إما لندرتها، أو لتفشي الأمية ساعتئذ، وكذلك لسهولة حفظ هذا الشعر موزونا ومقفى ومرويا عبر الذاكرة، يتداوله الشعراء من راو الى آخر محفوظا في الصدور متنقلا من جيل الى جيل ينقله الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد لحفظ تاريخهم وأيامهم ومآثرهم ونخواتهم، والتي تشكل معا عامل وحدة وقوة وتاريخ مجيد، يعمل على ديمومة الحياة وتقدمها. من هنا جاءت أهمية هذا الجهد الرائع، والعمل الدؤوب، الذي بذله شاعرنا الأخ الكريم عبد الله السالم الشواهين (أبو سالم) في كتابه الممتع الجامع (ديوان شعر عشائر البلقاء/ما قالوه وما قيل فيهم)، والذي أتهيب أن أخوض في مقدمة تليق بهذاالجهد المميز وهذا العمل الجليل. حيث بذل شاعرنا الفاضل الكثير الكثير من الجهد والوقت والمال في سبيل إخراج هذا العمل الفذ، يلاحظ ذلك كل من اطلع على هذا الكتاب وما جاء فيه من حفظ روائع الاشعار وقائليها ومناسباتها وشرح مفرداتها، جامعا لأشعار شعراء البلقاء الأبية ما قالوه وما قيل فيهم، فلم يكن راويا فقط ولا جامعا، بل شارحا ومؤرخا وناقدا ومبينا المناسبة وتاريخها. وقد حرص على أن يغطي معظمه أغراض الشعر النبطي، من حماسة وحب ورثاء وغيره من الأغراض التي لا تخفى على من يطالع هذا الديوان الكبير حيث اعتمد على أدق الروايات الشفوية، وأرجح المصادر المكتوبة».
 
«خمس الركايب»
الفصل الذي عنوانه «شعر الشيخ سالم الفلاح الشاهين»، في الكتاب، يمر على جانب من حياة وشعر هذا الشيخ الفارس، الذي يقول فيه روكس بن زائد العزيزي في المعلمة ما نصه بأن سالم الفلاح قد يكون من مواليد 1790م،وأنه توفي في حدود عام 1865م، أي أنه عاش حوالي خمسة وسبعين سنة. وقد أنجب سالم من الذكور عايد وقاسم، وهؤلاء الإثنين لم يعقبا ذرية رغم أن كل واحد منهما قد تزوج عدة زوجات. وكذلك أنجب سالم خمسة من البنات وكلهن تزوجن بدون أن يأخذ سالم مهرا لأي واحدة بل أعطاهن بدون مقابل.
وبعد ذلك يمر المؤلف على جوانب من حياة الشيخ سالم الشاهين، وفروسيته، وشجاعته، ويتوقف عند فرسه المسماة (العبيا)، وصفاتها، وبعض الاحداث المرتبطة بالفارس والفرس، كما يورد الكثير من القصائد والحكايات والقصص المرتبطة بها، مع عناوين لكل قصيدة وحدث، غير أننا سنورد نموذجا مهما يتمثل في قصيدة عنوانها «خمس الركايب»، وهي في محتواها ذات طابع انساني، وفيه حكمة، وفلسفة، حيث يتم خلالها طرح حالة الموت، حكمة، وموعظة، وجدلا واعيا، إذ أن مناسبة القصيدة تتلخص في أن الشاعر سالم الشاهين كان له صديق اسمه مشلح الزعق، من عشيرة الزبن، من بني صخر، وكان لصديقه هذا أخ فارس يتصف بالرجولة والكرم، وقد توفي هذا الأخ، فحزن عليه مشلح كثيرا، وبقي أياما طوالا على حزنه، ولا يأكل أو يشرب بل يدخن غليونه فقط، وفي يوم زاره صديقه سالم معزيا، فوجد حالته سيئة، وبدأ بمواساته والتخفيف عنه، وهو قريب منه بحكم صداقته له، فشكا له مشلح حالته بقصيدة قائلا:
«يا سالم يا خوي اشكيلك حالتي
ولا تنشكي حالي لغير الصحايب
على اخوي حمّال المثاقيل كلها
ريف اليتامى بالسنين الصعايب
ذبّاح شاة الضحى من وريدها
حمّايهن لا صار مخطي وصايب
يا سالم دمع العين ما ظن ينشف
يطرى عليا بالمسا من كان غايب
نيران قلبي كل ما قلت تنطفي
يهب لها جوّى ضلوعي لهايب
والله لو الموت بالروح ينفدى
لفديه أنا بالروح والنفس طايب»
 
«يقول سالم..»
ثم بعد هذا الحديث، والضيافة، والقصيد، دعاه الشيخ سالم وربعه لتناول الغداء عنده، وأصر عليهم، وحين جاء مشلح الى سالم للغداء، وقدم له، ولربعه الطعام، غير أنه قبل أن يأكلوا، قال الشيخ سالم موجها كلامه الى صديقه مشلح: يا مشلح انا سمعت منك كلمات عندما كنا في ضيافتكم، واليوم انتم في ضيافتنا، تسمع الرد على ما قلت، وهذه هي قصيدتي لك:
 
«يقول سالم والفؤاد وجيعه
ونيران قلبي زايده باللهايب
من خلف ذا شديت انا كوار فطّر
شدّيت خمسة شايبات الغوارب
الاوله على الهند والسند واليمن
والثانية على بلاد المغارب
والثالثة صوب الشمال توجهت
لدولة بني عثمان شقر الشوارب
والرابعة على نية الغرب قوطرتتجي
على مرعش ظهور الركايب
والخامسه مع فجة الظو درهمت
عليها قطاع الفرازات شايب
شايب يدور الطب من كل ديره
ويطفي سعيرا بالحشا له لهايب
غابن وغيبتهن ثمانين ليله
ومن السفر متلولحات الركايب
نشدتهم وش جرا في مسيركو
قالوا كازينا امورا صعايب
قالوا لقينا الموت في كل ديره
وسهم المنايا يا فتى الجود صايب
وين اللي بنوا ما تشوف عينك من البنا
يا ما سفت دنياك تحت الترايب
شبيب بالزرقا وين قصوره
وعمان وين اللي بنوها بلوالب
وين اللي كانت الأرض بالشبر بينهم
ثلثين منهم مظحي اليوم خارب
التبعي حسان ولّى زمانه
وفرعون اللي بمصر سوّى العجايب
اسكندر القرنين والزير وينهم
وتقفي الخيلين عنهم هرايب
وقارون اللي عاش بالرغد والصخا
خمّه غراب البين وادما المخالب
الانبياء والرسل والصحب وينهم
والاربعة الاقطاب اهل المذاهب
ودولة بني سفيان ولّى زمانها
ودولة بني عباس في سفر غايب
ترعي بنا الدنيا وحنا نشوفها
كما ترعى النيران عشب الخصايب
يا مشلح خلّي العين تسلى عن البكا
كثر البكا يرث لجوفك لهايب
اصبر وحكم الله عالكل ماضي
ان طابلك ولا على غير طايب
حتى اذا اخطينا نصلي على النبي
نبي عربي اليه الركايب».
 
بعد ذلك قال لهم تفضلوا على طعامكم، حياكم الله. ويقال بأن مشلح قد أكل ما قسم الله، وترك الحزن، وكانت له موعظة، ونسي الحزن القديم.
صورة
صورة