Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Mar-2020

إرادة التاريخ لا تقهر*حسني عايش

 الغد

للتاريخ إرادة أو قانون لا يمكن لأحد قهرها أو إلغاؤها. نعم، يمكن إعاقة التاريخ بالدكتاتورية أو بالشمولية عن التعبير عن إرادته أو إنفاذ قانونه، ويمكن إخراجه مؤقتا عن سكنه، ولكنه في النهاية راجع إليها وفارض إرادته أو قانونه، وهي إرادة الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان، اليوم.
لقد احتاجت كل من بريطانيا والسويد وسويسرا… إلى مئات السنين وهي بين الأخذ والرّد والتقدم والتقهقر، والكر والفر، إلى أن فرض التاريخ إرادته أو قانونه المذكور عليها. لقد سالت دماء كثيرة على الطريق، لأن قوى الدكتاتورية، والشمولية كانت تخرجه عن السكة فيكلفها الكثير لإعادته إليها.
وأخيراً، تم إلحاق الهزيمة بهذه القوى في أوروبا وتحولت – في أوقات متفاوتة بين أقطارها- إلى الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان وصار العالم يقفز إلى عربة القطار للحاق بها.
لعل ما يجري في بلاد المسلمين وبخاصة العربية من ثورات وانتفاضات.. دليل على الاتجاه نفسه. وسيتم عاجلاً وغير آجل إلحاق الهزيمة بالقوى المقاومة لحركة التاريخ.
انظر في المظاهرات في العراق: هل كنت تعتقد أنه سيتجاوز يوماً فتنته الطائفية، وأنه سينتفض ضد إيران التي ترعاها وتديمها؟ لقد مزق صورة المرشد وداس على العلم الإيراني وحرق القنصلية الإيرانية واحتفل بقتل سليماني!!!! بعد أن وحدته المعاناة المشتركة. إن التاريخ يطيح في نهاية الأمر بمن يقف في طريقه الصحيح.
ثم انظر في لبنان الذي نشأ واستمر طائفياً قبل الاستقلال وبعده. هل خطر ببالك يوماً أن يتوحد أهله من الطوائف كلها ضد نظامه الطائفي؟ إنهم يهبون هبة واحدة شاملة موحدة ضده، وسينتصرون عاجلاً أو آجلاً عليه نحو الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة، وحقوق الإنسان.
ثم انظر في السودان، الذي تقلب بين الدكتاتورية والشمولية والطائفية عدة مرات، تجد أن الشعب توحد بالمعاناة المشتركة ضدها وأعاد قطار الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان إلى السكة. لا تنسى النظر في تونس حيث ثبت شعبها القطار على السكة.
إن التاريخ المعاصر يسير في هذا الاتجاه ولو كره المارقون، ولا تصدق أبداً أنه يوجد فرق نوعي بين الشعوب. إنه فرق في التواريخ والأحداث والأسماء، وليس فرقاً في النوع أو في حركة التاريخ، لأنه يخضع لإرادة واحدة، أو لقانون واحد. والمعنى أن كل شعب قد يمرّ في ما مرت به الشعوب الأوروبية من حروب وكوارث وخيبات وانتصارات تنتهي في محطة واحدة وهي محطة الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان. وعليه فإنه على الرغم من بكائنا وحزننا على الدماء الغزيرة التي سالت ولا تزال تسيل في بلدانا، فإن مثلها مثل شباط الخباط الذي يشبط ويخبط ورائحة الصيف فيه. إننا نرى أو يجب أن نرى الضوء في نهاية النفق. غير أنه لما كان هذا النور بعيداً أو خافتاً الآن فإن كثيراً منا يتشاءم، ويفقد الأمل في الأمة وفي شعوبها. إنها رحلة قد تطول ولكنها ستنتهي بالفوز وسيصل القطار إلى محطته الأخيرة. وسوف يأتي يوم تخلع فيه شعوب الأمة وشعوب هذه المنطقة أسمال الماضي وملابسه المرقعة والبالية وتلبس ملابس جديدة زاهية بدلاً منها: ملابس الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان. وربما اتحاد شرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي. كم يكون الأمر مذهلاً لو كانت الحياة تعود بعد الموت ليوم أو يومين كل مائة عام ليرى الأجداد ما حققه الأحفاد.
نبكي ونحزن لأن جيلنا لا يراها ولا يتوقعها. ولكن الأولاد والبنات.. أو الأحفاد أو أحفادهم سيصلون إليها وسينعمون بها كما شعوب بريطانيا والسويد وسويسرا… اليوم، وبزمن قصير نسبياً مقارنة بالزمن الذي عانته الشعوب الأوروبية التي سبقتنا إليها، فقد عبّدت أوروبا الطريق، ومدّت السكة، وأضاءت المحطة. نبكي ونحزن لأن جيلنا لن يعيش في تلك المرحلة. نموت وفي نفس كل منا شيء منها.