Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Mar-2018

‘‘يا ليل يا عين‘‘: حكاية عصر فنّي كامل برؤية تشكيلية

 

إسراء الردايدة
 
عمان- الغد- في كتاب المؤلفة اللبنانية الفرنسية لميا زيادة "يا ليل يا عين"، تنقل قرنا من تاريخ شرقنا العربي، من خلال شخصية ملهمة افتتحتها بأسمهان.
"يا ليل يا عين" كتاب مصور يحمل رسومات أشبه بلوحات مائية رسمتها بنفسها، وسط نصوص وحكايات مصورة تكشف لنا أسرار وسحر الحياة لشخصيات فنية أبرزها من النساء في فترة الازدهار بين ثلاثينيات القرن الماضي وحتى نكسة العام 1967.
زيادة التي وقعت كتابها بنسخته العربية في عمان، مؤخرا، اختارت أن يتحول كتابها للوحات بصرية، يقع في 550 صفحة، مستعيدا عصر النهضة العربية ويمر في أربع مدن في حكاياته التي اعتمدت زيادة في مصدرها على أرشيف وصحفيين وكتب وحتى جدها وأبحاث قامت بها، لتمر في القدس ودمشق وبيروت والقاهرة.
وتطرح في الكتاب حركة ظهور الفن العربي في مطلع القرن العشرين، بوجود المسرح والموسيقى والغناء والشعر والرقص والسينما، وتطالع أيضا التحولات السياسية التي مرت بشخصياتها.
في بداية كتابها الذي ركز على شخصيتين هما؛ أسمهان وكوكب الشرق أم كلثوم، كانت الافتتاحية بمولد أسمهان بنص معنون "ولادة أسطورة والعودة إلى لبنان"؛ حيث ولدت على سطح سفينة وهي التي اسمها الحقيقي آمال الأطرش، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1917، وهي التي ولدت في الماء وماتت غرقا أيضا؟
زيادة، تبين في حديثها لـ"الغد"، "أن الكتاب كان في الأصل عن شخصية أسمهان، ولكن كلما تعمقت في أبحاثها ظهرت على السطح أمور مختلفة جمعت فنانين آخرين؛ إذ تقول "في نيتي كانت الكتابة عن الأميرة الدرزية، وأسرار حياتها مع الغوص في تفاصيل حقبة حياتها التي امتدت 27 عاما، وجدت مواد ثرية وخصبة".
ومع تخصيص مساحة واسعة لسيدات ينتمين لعالم الفن، من دول عربية وأثرن في المشهد الثقافي آنذاك كونه يقدم صورة لتحرر المرأة والانفتاح في تلك الدول، وهي الفترة التي تعد العصر الذهبي لتعكس حياة الليل وسحرها، وقوة حضور الموسيقى وعمقها، عشق الفن وسط المؤامرات السياسية والمكائد التي حاكها الرجال والنساء متنقلة بين القدس وبيروت ودمشق والقاهرة.
وزينت زيادة الكتاب بريشته صفحاته الملونة، فعبرت التاريخ برشاقة بدءا من العثمانية وصولا للانتداب الفرنسي والبريطاني، وشهدت صفحاتها احتلال فلسطين وحتى تأميم السويس وعاشت نكسة 1967.
وعملت زيادة على جعل الكتاب أشبه برحلة مصورة في التاريخ، خصصت فيه لأيقونات نسائية وكيف احتضنت مصر عددا من المبدعات اللبنانيات اللواتي عملن في الفن والصحافة على غرار روز اليوسف التي أنشأت مجلة روز اليوسف و"هدى شعراوي" التي ناضلت من أجل قضية المرأة ونظمت أول مسيرة نسائية ضد الاحتلال الانجليزي، محملة صفحاتها بحكايات طريفة ومعلومات ممتعة.
مرت زيادة بتاريخ الرقص الشرقي من خلال بديعة مصابني التي غيرت أسلوبه، وهي التي لعبت دورا بإطلاق "تحية كاريوكا" وسامية جمال.
وقدمت لنا عددا من النساء الجريئات في مصر على غرار آسيا داغر، وهدى شعراوي وحركتها التي اختلطت بالسياسة، وسعد زغلول الذي كان يرتاد مسرح منيرة المهدية وعوامتها التي عقد فيها ذات مرة اجتماعا لمجلس الورزاء هاربين من رقابة الإنجليز.
وبين صحفة وأخرى تعيد زيادة طرح أسمهان وتاريخها، وكيف ظهرت أم كلثوم في الوسط، وأثر صوتها الذي اكتشفه زكريا أحمد وساعد والدها على النزول للقاهرة، فغنت بملابس صبية ووجه تخفيه الكوفية، وهي التي غنت باستقبال سعد زغلول وهو عائد من المنفى أغنية "بلادي بلادي بلادي" لسيد درويش.
ولم تغفل عن ذكر المنافسة التي ظهرت بين كوكب الشرق وأسمهان التي غنت للمرة الأولى في دار الأوبرا، لتشتعل المنافسة بينهما بدخول أم كلثوم السينما بالتزامن مع تأسيس استوديوهات مصر، وإنتاج أول فيلم لها "وداد"، وسطوتها على الإذاعة لتبث حفلا عشية الخميس الأول من كل شهر في العام 1937.
ولحضور الفن بالسياسة دور جميل كما أظهرته، حين نالت سامية جمال لقب الراقصة الأولى من قبل الملك فاروق، واشتعال الوضع في مصر؛ حيث شهدت كوكب الشرق تغييرات تاريخية بمصر، منها استقبال جمال عبد الناصر في فيلتها، ومع حلول الثورة في 1952 في مصر تراجع حضور صوتها في الإذاعة، وشهد الفن حرية حيث لم يمنع عبد الناصر أي فيلم، وازدهرت الحركة الفنية في بيروت وجاء يوسف شاهين وهنري بركات لبيروت مع ظهور فيروز. 
وكما سردت تاريخ ظهور نجمات، بينت كيف أفل نجم بعض آخر مثل منيرة المهدية وفتحية أحمد، وعن أغنيات فريد الأطرش، وعفوية صباح، وأحلام نور الهدى، وألحان القصبجي، ورحيل محمد عبد الوهاب وكيف كان له دور في تجديد الموسيقى بإدخال الآلات الغربية عليها، وكيف ارتفع نجم ليلى مراد وباتت الوجه الأبرز في سينما الأربعينيات، في حين لم تنجح سعاد محمد في تحقيق الشهرة.
وكان للأماكن سحرها في كتاب "يا ليل يا عين"، لا سيما تلك التي يرتادها الفنانون كدور القمار ودور الأوبرا والفلل والقصور؛ سان جورج، وكينغ دافيد، ولوريان بالاس، التي استحضرتها زيادة بنفس مناخ تلك الحقبة التي لعبت دورا في تقديم فكرة عنها للقارئ الفرنسي، لأن النسخة الأصلية من الكتاب صدرت بالفرنسية قبل أن تترجم للعربية.
وربما ما يلفت النظر أكثر هو المساواة بين الرجل والمرأة في تلك الحقبة من حيث الحضور والشهرة والحرية؛ إذ كان الرجال والنساء في القاهرة تحديدا يعيشون بالطريقة نفسها، في عشق وسهر واهتمامات سياسية.
"يا ليل يا عين"، اسم الكتاب الذي قدم قيمة لجمالية الفن ومنبعه وأصالة عاشها العرب في تلك الفترة، بحرية وانسجام رغم كل الأحداث التاريخية التي مروا بها، وأوجزتها زيادة بحنين واضح للماضي وفخر بنسائه، منتقية ألف حكاية وحكاية واختزلتها برسومات على طريقتها لتعبر عن كل ذلك.