Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jan-2018

تجديد النظر في أبعاد «الإسلام السياسي» - حسن أبو هنية

 

الراي - ظهر مصطلح «الإسلام السياسي» كصيغة ملطفة لمصطلح «الإسلاموية» في المجال التداولي الغربي بعد الثورة الإيرانية عام 1979 ،وبات واسع الانتشار على نطاق واسع في العالمين العربي والإسلامي، وتحول المصطلح إلى ثيمة حاضرة بقوة في الحقل الدلالي للخطاب السياسي المعاصر، وقد نحت المصطلح حسب أوليفييه روا أولوصف ظاهرة يُزعم أنها جديدة تدل على وجود حركات سياسية يرأسها علماء مسلمون متعلمون يدعون إلى «إعادة أسلمة» البلدان ذات الأغلبية المسلمة والمجتمعات الإسلامية في أماكن أخرى، التي توقفت، في نظرهم، عن أن تكون إسلامية بما فيه الكفاية، وروجت هذه الحركات للشريعة الإسلامية من خلال الأشكال الحديثة للتعبئة الشعبية، واعتمدت هيكلاً تنظيمياً مختلطاً، في نقطة تقاطع بين الأخوية الصوفية التقليدية، التي يمر فيها الأعضاء بخطوات مختلفة من الارتقاء، وبين الحزب السياسي الحديث، وقد عمل الإسلاميون على مسارين: تعزيز حركة اجتماعية يمكن أن تتشارك مع المنظمات المجتمعية والجمعيات الخيرية؛ وإنشاء حركة سياسية تتنافس في الانتخابات وتقوم بدفع أعضائها إلى داخل بيروقراطية الدولة.

 
تعتبر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر عام 1928 ،الممثل الأبرز والأول لظاهرة الإسلام السياسي السني، وقد تمكنت لاحقا من تأسيس فروع لها في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي، وقد أغرت ظاهرة الثورة الإيرانية التي ينتمي علماؤها إلى الفضاء الإسلامي الشيعي الإسلام السياسي السني بإمكانية استنساخ التجربة بالسيطرة على الدولة وأسلمتها، الأمر الذي أدى إلى اجتهادات قادت إلى انشقاقات الإسلام السياسي حول طرائق الهيمنة والسيطرة حيث برزت توجهات راديكالية ثورية تؤمن بالقوة المسلحة في التغيير، وظهرت توجهات محافظة سلمية تتموضع في إطار الدولة الوطنية وتعمل من خلال أنظمتها ومؤسساتها وتستثمر فضاءات الديمقراطية ومناخات الحرية، وبهذا التبس مصطلح «الإسلام السياسي» في الخطاب السائد بحيث بات يخلط بين نهضة الغنوشي وخلافة البغدادي.
 
بعيدا عن التوسع في مصطلح «الإسلام السياسي» وخلطه بمصطلحي «الإسلام الجهادي» و«الإسلام الدعوي»، فثمة تمييز واضح بين المصطلحات بين الخبراء والباحثين، وهو ما يظهر جليا في كتاب «إعادة تفكير في الإسلام السياسي» وهو مجموعة من الدراسات والأبحاث والمقالات جمعها شادي حميد وويليام ماكانتس حول الإسلام السياسي من خلال تعريف ما يسميه الكاتبان «إسلاميو التيار السائد»، ويستخدم حميد وماكانتس هذا المصطلح للإشارة إلى الأحزاب الإسلامية «التي تعمل ضمن حدود السياسات المؤسسية، وتكون مستعدة للعمل داخل هياكل الدولة القائمة، حتى تلك البِنى العلمانية ظاهرياً»، وتشمل المجموعات التي ينطبق عليها هذا الوصف جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وحزب الإصلاح في اليمن، وحزب العدالة المزدهر في إندونيسيا، وغيرها الكثير.
 
وصلت حركات الإسلام السياسي في بلدان عربية عدة إلى سدة الحكم عقب ثورات الربيع العربي 2011 وسرعان ما خسرت بعد إزاحتها عام 2013 ،حيث دخلت في أتون تحد مزدوج أفضى إلى صدمة مركبة تمثلت بعودة الدولة العميقة في مصر السيسي وظهور دولة البغدادي في العراق والشام، وقد ساهمت الصدمتان في بروز أشكالية مزدوجة ذاتية وموضوعية لدى حركات الإسلام السياسي، وأدت إلى اتساع الفجوة مع الحكومات العربية، وتسربت مسألة هوية الدولة والمجتمع إلى أجندة الانتفاضات، فقد شكلت جماعات الإسلام السياسي كحركات شبه سياسية تحديا لأسس الدولة الوطنية، وعلى الرغم من تأكيدها على الالتزام بالديمقراطية والتعددية والمواطنة في برامجها الانتخابية، وتأويلاتها لمسألة الدولة المدنية، إلا أن سلوكها كان يثير مخاوف الأنظمة شبه السلطوية، ويعزز من مخاوف نظرية «مفارقة الديمقراطية»، ذلك أن مسارات تحوّل الإسلام السياسي من حركات إحيائية دينية، إلى أحزاب سياسية مدنية كانت ملتبسة ومتداخلة، كما أن السلطة المرجعية الفكرية كانت تتأرجح بين التقليد والتحديث، ولا تزال مترددة في منزلة بين المنزلتين، فالأنظمة السياسية تصف الإسلام السياسي بالملق والنفاق والانتهازية والميكافيلية، والجماعات الجهادية تنعتها بالكفر والردة والعمالة والخيانة.
 
تراوحت العلاقة بين الأنظمة الوطنية العربية بطبيعتها الهجينة السلطوية وشبه السلطوية وحركات الإسلام السياسي بطبيعتها المزدوجة الدينية والسياسية بين الاحتضان والتحالف حينا، والعداء والاستئصال أحيانا أخرى، ولكنها لم تكن شريكة حقيقية في السلطة على الاطلاق، وعقب حقبة الانتفاضات الثورية العربية، أصبحت العلاقة أكثر عدائية وحدة وأشد تباينا.
 
تعاني حركات الإسلام السياسي اليوم، من أزمة مزدوجة غير مسبوقة ذاتية وموضوعية، على الصعيدين: الداخلي المتعلق بإدارة التكيّف الإيديولوجي والتنظيمي، والخارجي المتعلق بتدبير العلاقة مع النظام السياسي شبه الديمقراطي، وهي أزمة متصلة بأزمة الجماعة الأم في مصر، كما أنها موصولة بأزمة الدولة الوطنية العربية، التي تعاني من تعثر مسارات التحول الديمقراطي، وتحقيق الإصلاح المنشود، واستدامة الحكم الرشيد.
 
أزمة الإسلام السياسي اليوم تنطوي على إشكالات مركبة ذاتية وموضوعية، ترتبط بتعريف نفسها وتبيان هويتها في سياق الدولة الوطنيّة؛ فحركات الإسلام السياسي تنتعش في إطار الأنظمة شبه السلطوية في ظل شروط وحدود لقواعد المشاركة تلتزم بعدم المغالبة، وتكتفي بأدوار هامشية، أما حركات ما بعد الإسلام السياسي فتنشط في ظل أنظمة ديمقراطية وبيئة سياسية مفتوحة، إذ يتطلب نجاح الديمقراطية توافر قناعة راسخة ونوايا صادقة من قبل حركات الإسلام السياسي من جهة، والأنظمة شبه سلطوية، بضرورة التغيّر والتحوّل، وبناء الثقة بمستقبل أفضل للجميع.
 
لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تقع في أفق «حالة» الإسلام السياسي، الذي يرتكز على موضوعة الهوية والتاريخ ومنظورات تطبيق الشريعة، أما ظاهرة ما بعد الإسلام السياسي فهي تستند إلى «مشروع» يقوم على محاولة واعية لوضع تصورات واستراتيجيات تؤسس لمنطق وتجترح طرائق تتجاوز أفق الإسلام السياسي في كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية، غير معادية لبنيّة الإسلام التقليدية ولا تتماهى مع العلمانية الحداثية، بل تمثل محاولة لدمج التدين والحقوق، والإيمان والحريات، والإسلام والحرية، فهي محاولة لتحويل وقلب المبادئ الأساسية للإسلام رأسا على عقب بواسطة التأكيد على الحقوق بدلا من الواجبات، وعلى التعددية في مجال الصوت الفردي السلطوي، وعلى التاريخية بدلا من النص، وعلى المستقبل بدلا من الماضي، الأمر الذي أخذت به حركات خرجت من رحم الإسلام السياسي وممثله الأبرز جماعة الإخوان المسلمين، ودخلت في أفق حركات ما بعد الإسلام السياسي، كما فعل حزب العدالة والتنمية التركي، ونظيره حزب العدالة والتنمية المغربي، وأخيرا حزب النهضة التونسي.
 
أحد المسائل الإيجابية في الحالة الأردنية أن نمط العلاقة بين الإسلام السياسي والحكومة لم يصل حد القطيعة والمواجهة، الأمر الذي ساهم في خلق فضاء عمومي من الحرية الضرورية للاجتهاد وإعادة النظر والمراجعة داخل أبنية وهياكل الإسلام السياسي، فثمّة وعي جديد بدأ يتشكل في أوساط الحركة يتجاوز حالة الإنكار التي أعقبت إزاحة الإخوان عن الحكم في مصر تستند إلى ضرورة الدخول في آفاق التغيير والتجديد والمراجعة، وبرزت عبر خطوات تمثلت بإقرار مبدأ فصل الدعوي عن السياسي، والاستقلال التنظيمي عن إخوان مصر، والابتعاد عن الاطروحات الأممية والانشغال بالمسألة الوطنية، وتطور النظر إلى قضايا المرأة وهموم الشباب وزيادة تمثيلهم في الهياكل التنظيمية.
 
تحولات خطاب الإسلام السياسي الأردني ظهرت مؤخرا بقوة لتدخل حقبة ما بعد الإسلام السياسي، سواء من خلال تأسيس أحزاب جديدة من رحم جماعة الإخوان المسلمين، أو داخل أبنية الجماعة نفسها، فقد خلت الأنظمة الأساسية لحزب «الشراكة والإنقاذ» (الحكماء)، وحزب «المؤتمر الوطني الأردني» (زمزم) من أي إشارة أو عبارة تنتمي إلى أدبيات الإسلام السياسي التقليدية، أمثال: تطبيق الشريعة، وقيام الدولة الإسلامية، وتقوم مفاهيمها السياسية على مبادئ حداثية أمثال: الدولة المدنية وسيادة القانون والتعددية الدينية والسياسية، والوحدة الوطنية.
 
خلاصة القول أن ظاهرة الإسلام السياسي تتطلب فهما أعمق وأدق، فقد برهنت تطورات الحركة على أهمية ما تفعله حركات الإسلام السياسي وليس ما تقوله، الأمر الذي يفسح المجال لازدهار «وجهة النظر السياقية» التي تعتقد بأن سياسات وممارسات الأحزاب السياسية لا تقودها الأيديولوجية بقدر ما تقودها الأحداث، وهو ما يضعف من أطروحات أنصار «وجهة النظر الجوهرية»، التي تنظر إلى الإسلاميين باعتبارهم كائنات ثقافية إيديولوجية، وأن أي تنازلات يقدمونها للمبادئ أو المؤسسات العلمانية هي تحركات تكتيكية بحتة، وقد برهنت التطورات الأخيرة في الأردن من خلال تأسيس حزب «الشراكة والانقاذ» كما في مختلف بلدان العالم العربي على صحة النظرية السياقية وخطل النظرية الجوهرانية.