تطوير البيانات المائية.. هل أصبح مطلبا ملحا بظل شح المصادر؟
الغد-إيمان الفارس
باتت متطلبات تطوير البيانات المائية، وضمنها مؤشرات قياس ندرة المياه في الأردن، في ظل تصنيفها الدولة الأفقر مائيا على مستوى العالم، مطلبا ملحا، دون أن يكون مقتصرا على مؤشر "الإجهاد المائي".
ومطلب تطوير تلك البيانات استنادا إلى تحسين مؤشرات توافر أو ندرة المياه، والذي أكد أهميته خبراء بقطاع المياه، في تصريحات لـ"الغد"، سيساهم في توفير نظرة شاملة لنظام التكيف في السياق الوطني، وزيادة القدرة على تحليل تأثيرات الجفاف، وتطبيق السياسات بالفعالية اللازمة.
وفيما انتقد تقرير صدر عن مجلة "نيتشر" العلمية، وحصلت "الغد" على نسخة منه، ما وصفه بـ"ضعف" أبحاث البيانات والدراسات العلمية المرتبطة بمؤشرات تتعلق بتوقعات حول توقيت ظهور ندرة المياه واحتمال تخفيفها في مناطق مختلفة من العالم إثر تغير المناخ وديناميكيات السكان البشرية المتغيرة، أكد المختصون أهمية تطوير تلك المؤشرات التي تساهم أساسا بتعزيز البيانات المائية، وخاصة في إعادة توجيه ومواكبة السياسات الحكومية نحو إيجاد الحلول الفنية المستدامة، وتوفير الموازنات المالية لتعزيز الأمن المائي.
وباتت تهديدات وقوع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى رأسها الأردن، في حالة مزمنة من ندرة المياه، خطرا يداهم كيفية تسريع إجراءات من شأنها التغلب على تلك الأزمة "الوجودية"، في ظل عدم تجاوز حصة الفرد الأردني من المياه 61 مترا مكعبا سنويا.
وأشارت بعض الدراسات العلمية إلى أن الإجهاد المائي، وهو نسبة الطلب على المياه العذبة مقابل العرض ويعتمد قياس مؤشره فقط على مصادر المياه المتجددة وتغير المناخ، يعد من أكبر المخاطر التي تهدد نمو الدول على المدى الطويل.
وفي السياق ذاته، أظهرت تقارير صادرة عن منظمات دولية حول الوضع المائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن 15 دولة عربية ستعاني من الإجهاد المائي، فيما تعاني حاليا 11 دولة في المنطقتين منه.
ووفق الإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه للأعوام 2023 – 2040، من اﻟﻤﺘوﻗﻊ ﻧﻤو عدد ﺳكان اﻷردن من 11 مليونا في العام 2021 إلى 16.8 ﻣﻠﻴون ﺑﺤﻠول العام 2040، فيما يتوقع أن يتسبب التغير المناخي بحلول العام 2040، بانخفاض إضافي في موارد المياه العذبة من المصادر التقليدية، وتبلغ نسبته 15 % بحسب الخطة الوطنية الشاملة للمياه.
وكشفت نتائج دراسات محلية وخارجية منفصلة، في وقت سابق، عن آثار سلبية كبيرة على موارد المياه، حيث سيكون المتاح من الموارد الحالية، نحو 35 % بحلول العام 2040، إزاء فقدان 65 % من الإنتاج الحالي، فيما يتوقع أن يزداد الطلب على المياه البلدية بنسبة 30 %، ليصل إلى 810 ملايين متر مكعب في العام 2040، ليصل العجز إلى 527 مليون متر مكعب، فترتفع درجة الحرارة، وينخفض الهطول المطري بنسبة 13.6 % وبالتالي انخفاض شحن المياه الجوفية.
وعودة لتفاصيل التقرير الذي حمل عنوانه "توقيت ظهور واختفاء ندرة المياه العالمية لأول مرة"، والذي أشار إلى إمكانية فهم تطور وحجم المشكلة المائية وإبلاغ صناع السياسات بصياغة إستراتيجيات للتكيف مع الوضع والتخفيف من حدته، بشكل أفضل، بهدف معالجة الفجوة الحالية في المعرفة، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات أهمية مؤشرات ندرة المياه، باعتبارها "مدخلا مهما وأساسيا لكافة النشاطات الاقتصادية الاجتماعية، ويحسن من البنية التحتية ويعزز من جودة الحياة في المملكة".
وقال الدحيات إن قياس مؤشرات ندرة المياه، يساهم في إعادة توجيه ومواكبة السياسات الحكومية نحو إيجاد الحلول الفنية المستدامة، وتوفير الموازنات المالية لتعزيز الأمن المائي.
واعتبر أنه مدخل مهم وأساسي لكافة النشاطات الاقتصادية الاجتماعية، ويحسن من البنية التحتية ويعزز من جودة الحياة في المملكة، داعيا إلى ضرورة "العمل على اعتماد مجموعة من مؤشرات ندرة المياه التي تقدم تصورا شاملا مكانيا وزمانيا، لتقييم الوضع المائي في المملكة".
وأضاف إن تعقيدات المياه تحتاج إلى مجموعة من المؤشرات التي تساهم بشكل موضوعي وعملي، مبينا "أنه يجب عدم اعتماد المؤشر الوحيد المعني بالإجهاد المائي، وهو المؤشر الشائع الاستخدام الذي لا يستطيع وحده تشخيص واقع المياه رغم سهولة استخدامه وتوفر بياناته، حيث يقيس كميات سحب المياه العذبة المتجددة مقارنة بعدد السكان ولحدود السحب الآمن من إجمالي المصادر العذبة سواء أكانت جوفية أم سطحية".
وتابعك "هذا المؤشر له محدداته، حيث يتجنب احتساب كميات المياه الواردة من مصادر مياه إقليمية مشتركة، ولا يشمل المصادر غير التقليدية للمياه مثل محطات تحلية المياه وإعادة استخدام المياه العادمة، والتي لا تدخل في احتساب كميات المياه المتوفرة لكافة الاستخدامات".
"إلى جانب أنه لا يفسر حقيقة أن البلدان المختلفة والمناطق داخل هذه البلدان لها مطالب واستخدامات مختلفة من المياه، ولا يبين نوعية وخصائص المياه العذبة الكيميائية أو البيولوجية ومدى صلاحيتها للاستخدام".
واستعرض الأمين العام الأسبق لـ"المياه" مجموعة من المؤشرات التي يمكن الاستعانة ضمن مجموعة المؤشرات؛ من ضمنها مؤشر التغيير السنوي في موارد المياه الذي يقيس التغيير في كميات التزويد السنوي وتذبذبها من سنة لأخرى بسبب التغييرات في درجات الحرارة والهطول المطري، ومؤشر الاستخدامات القطاعية للمياه، والذي يقيس حصة كل قطاع من المياه بالمقارنة مع الطلب والاحتياجات الفعلية، وبالتالي يبين كميات العجز المائي لكافة القطاعات البلدية (الشرب والسياحة) والزراعية والصناعية.
ومن بين تلك المؤشرات؛ مؤشر كفاءة استخدام المياه في القطاع الزراعي باعتباره أكبر مستهلك للمياه على مستوى العالم والأردن، ويقيس إيراد كل منتج زراعي كنسبة من كمية المياه المستخدمة ولكل متر مكعب، ومؤشر نسبة المواطنين الحاصلين على كميات مياه كافية للاستخدامات الأساسية لهم، وغيرها، وفق الدحيات.
وأوضح أنه من المؤشرات المهمة للقياس مؤشر الجفاف، حيث تم الاعتماد لفترة طويلة على الهطول المطري في احتسابه، وغالبا ما يواجه تحديات تتعلق بالدقة وتوافر البيانات.
و"بناء عليه، تم تطوير مؤشر لمراقبة وإدارة الجفاف من قبل المعهد الدولي لإدارة المياه بالتعاون مع الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، حيث جمعت البيانات المناخية لمجموعة دول من منطقة الشرق الوسط وشمال أفريقيا من الأقمار الصناعية والراصدات الأرضية ونماذج الكمبيوتر، وتم اختيار مصادر البيانات لمؤشرات الجفاف بناء على توافر البيانات وجودتها، مع جدول زمني يعود إلى عقدين من الزمن"، بحسبه.
وأوضح أنه كانت هناك حاجة لهذه السلسلة الزمنية الطويلة نسبيا لالتقاط مجموعة من الظروف، ولاسيما شدة الجفاف في منطقة ما، حيث يستهدف المؤشر مراقبة الجفاف على مدار العام، اعتمادا على بيانات الاستشعار عن بعد والنمذجة، لعرض الغطاء النباتي ورطوبة التربة والتبخر، بالإضافة إلى الانحرافات في هطول الأمطار، حيث يقدم المؤشر وعبر دمج البيانات الموثوقة المستندة إلى الاستشعار عن بعد والبيانات النموذجية، تصورا شاملا مكانيا وزمانيا لتأثيرات الجفاف على دورة المياه.
وأضاف، إن هذا المؤشر يرصد الاختلافات في المؤشرات الرئيسية، مثل هطول الأمطار، ورطوبة التربة، والتبخر، والغطاء النباتي على أساس شهري، ما يوفر نظرة شاملة حول تأثيرات الجفاف الزراعي والهيدرولوجي على المستوى الوطني.
ولفت إلى إمكانية تعديل بيانات مدخلات المؤشر وإجراءات النمذجة لتكييف النظام مع كل سياق وطني، ما يضمن دقة النتائج وصحتها، وزيادة القدرة على تحليل تأثيرات الجفاف وفهمها، وتطبيق السياسات بفاعلية.
وأشار إلى دور المؤشر في تشجيع إقامة شراكات بين أصحاب المصلحة والقطاعات في إدارة موارد المياه في الاستجابة للتحديات المناخية، ويعزز تنسيق جهود رصد الجفاف وإدارته، ورسم السياسات والسيناريوهات للتصدي للموضوع وتنفيذ المبادرات، ودعم اتخاذ القرارات المستندة إلى الحقائق والمعلومات بشكل منهجي وموضوعي، وتعزيز منعة ومرونة مؤسسات قطاع المياه للاستجابة للمتغيرات بشكل مستمر وفعال.
من جانبه، أكد الخبير الإقليمي في مجال التعاون في قطاع المياه مفلح العلاوين الأهمية والحاجة لتطوير مؤشرات قياس ندرة المياه في الأردن.
ورأى العلاوين "أن هذا الموضوع بالغ الأهمية ويتطلب اهتماما خاصا، لا سيما وأن الأردن يواجه تحديات كبيرة في مجال إدارة المياه، حيث يعد من أكثر الدول جفافا في العالم، ما يجعل تطوير إستراتيجيات فعالة أمرا ضروريا".
وتأتي أهمية تطوير المؤشرات في الأردن وفق العلاوين في سياق تحليل شامل، ما يعني ضرورة استناد تطوير مؤشرات قياس ندرة المياه إلى تحليل شامل للموارد المائية المتاحة، مع الأخذ في الاعتبار استهلاك المياه من قبل القطاعات المختلفة مثل الزراعة، والصناعة، والاستخدام المنزلي.
ودعا الخبير الإقليمي إلى أهمية استناد المؤشرات إلى بيانات دقيقة ومحدثة، من خلال دمج المعلومات المتعلقة بالتغير المناخي، مشيرا إلى إمكانية توقع تأثيرات مثل تغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، ما يساعد في رسم صورة أوضح حول مستقبل ندرة المياه في الأردن، حيث يمكن الاستفادة من تقرير البلاغات الرابع المتعلق بالتغيرات المناخية.
كما ركز على أهمية تحديد المخاطر، حيث يمكن أن يساهم تحليل البيانات في تحديد المناطق الأكثر عرضة لنقص المياه، ما يتيح وضع إستراتيجيات للتخفيف من هذه المخاطر في الوقت المناسب، منوها بدور الاستناد إلى تلك المؤشرات في رسم السيناريوهات المستقبلية، وبالتالي التمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن إدارة الموارد المائية.
وذلك إلى جانب أهمية إستراتيجيات التكيف، ما يعني تطوير إستراتيجيات للتكيف مع ندرة المياه، مثل تحسين تقنيات الري في الزراعة أو تبني أساليب زراعية أكثر كفاءة، مثل الزراعة المائية، بالإضافة لمحور التعاون الدولي.
وأكد على أهمية استفادة الأردن من التجارب العالمية الناجحة في قياس ندرة المياه وتطبيقها محليا، ما يعزز من فعالية الحلول المطروحة، ومن خلال التعاون مع منظمات دولية يمكن أن يوفر الدعم الفني والمالي لتطوير هذه المؤشرات.
وذلك إلى جانب بند التوعية، والتي ترتبط بنشر الوعي بين المواطنين حول أهمية ترشيد استهلاك المياه وكيفية المساهمة في الحفاظ عليها، وفق العلاوين الذي اعتبر أن حملات التوعية يمكن أن تشمل أساليب توفير المياه في المنازل والمزارع.
من ناحيتها، دعت الخبيرة الإقليمية في قطاع المياه سوزان الكيلاني إلى أهمية اتباع مؤشرات من شأنها المساهمة في تقييم الأداء العام للقطاع وتوجيه الجهود نحو التحسين المستدام.
وقالت الكيلاني "إن استخدام هذه المؤشرات كأداة للتقييم الدوري يساعد في اتخاذ قرارات إستراتيجية مبنية على بيانات دقيقة تهدف إلى تحسين كفاءة قطاع المياه".
وأشارت إلى أن من بين المقترحات لكل مجال، مؤشرات كفاءة إدارة الموارد المائية، والذي يشمل نسبة الفاقد المائي، إذ يقيس هذا المؤشر كمية المياه التي تفقد أو تهدر قبل وصولها إلى المستخدم النهائي، سواء بسبب التسربات أو السرقة أو أخطاء القياس، لا سيما وأن نسبة الفاقد في الأردن مرتفعة، لذا فإن تقليل هذه النسبة يعتبر أولوية.
وأضافت أنه من ضمن تلك المؤشرات؛ إجمالي الاستهلاك المائي للفرد، إذ يقيس كمية المياه المستهلكة للفرد الواحد في اليوم، مشيرة لدور تحسين هذا المؤشر في نجاح سياسات الترشيد.
وذلك إلى جانب نسبة الاعتماد على المصادر البديلة (مثل المياه المحلاة أو المعالجة)، حيث يمثل هذا المؤشر مدى التنوع في مصادر المياه والاستدامة في مواجهة شح المياه الطبيعية.
ونوهت الكيلاني بأهمية اعتماد مؤشرات كفاءة القدرات البشرية، وهي تعنى بنسبة المؤهلين المحترفين، إذ يقيس عدد الموظفين في قطاع المياه الذين يحملون شهادات متخصصة أو تدريبات تقنية متقدمة مقارنة بالعدد الإجمالي للموظفين، علما أن هذا المؤشر يبرز مستوى المهارات والخبرات المتوفرة.
كما يوجد مؤشر استمرارية التطوير المهني، إذ يقيس هذا المؤشر عدد الساعات التدريبية التي يتلقاها الموظفون سنويا بهدف تحسين مهاراتهم وكفاءتهم في إدارة المياه، توازيا ومعدل الاحتفاظ بالموظفين الموهوبين، إذ يقيم هذا المؤشر قدرة القطاع على الاحتفاظ بالموظفين المؤهلين وعدم فقدانهم لصالح قطاعات أخرى، وفق الكيلاني.
ولفتت أيضا إلى مؤشر الأداء الفردي والجماعي، والذي يعتمد بدوره على تقييمات الأداء ونتائجها في تحسين إنتاجية الموظفين وتحقيق أهداف الإدارة المائية، بالإضافة إلى مؤشرات هندسة العمليات وإعادة الهيكلة، وكفاءة تشغيلية الأنظمة المائية والتي يتم قياسها من خلال الكفاءة في إدارة الطاقة المستخدمة، وتقليل الفاقد في عمليات التحلية أو المعالجة، وزيادة فعالية توزيع المياه.
وعن نسبة التشغيل الآلي (Automation)، يقيس هذا المؤشر مدى استخدام الأنظمة التكنولوجية المتقدمة مثل أنظمة التحكم عن بعد، وأجهزة الاستشعار، وتكنولوجيا المعلومات في إدارة وتشغيل مرافق المياه، بحسبها.
كما أكدت أهمية مؤشر معدل استجابة إدارة المياه لحالات الطوارئ، والذي يقيس سرعة وفعالية القطاع في التعامل مع الأزمات المتعلقة بجودة المياه أو نقصها، وتفعيل خطط الطوارئ، فضلا عن مؤشر نسبة المشاريع المنفذة وفقا لخطط الهيكلة، ويقيس بدوره نجاح القطاع في تنفيذ خطط إعادة الهيكلة المقررة سواء في التقنيات أو البنية التحتية أو تحسين التنظيم الداخلي.
وذلك إلى جانب مدى التنسيق بين الجهات المختلفة في قطاع المياه، والذي يتم قياسه من خلال سرعة وفعالية التعاون بين المؤسسات المختلفة في القطاع مثل وزارة المياه، وشركات التوزيع، والجهات الرقابية، بالإضافة إلى التنسيق مع القطاعات الأخرى مثل الزراعة والطاقة، ومؤشرات الحوكمة وإعادة الهيكلة، ومؤشر مستوى الشفافية والمساءلة والمعني بالاعتماد على مدى وضوح عمليات اتخاذ القرار وتوافر تقارير الأداء العامة للقطاع.
ونوهت بأهمية مؤشرات كفاءة التنظيم والرقابة، والذي يقيس فعالية المؤسسات التنظيمية في وضع المعايير الرقابية وتنفيذها، بالإضافة لمؤشر نسبة التغطية بالخدمات المائية والذي يشمل تغطية خدمات المياه والصرف الصحي على مستوى البلاد ومدى مساهمتها في تحقيق الاستدامة المائية.