Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Feb-2020

لا اقتراح بخطة القرن لـ”الترانسفير”

 الغد-هآرتس

 
بقلم: آدم راز 10/2/2020
 
فقرة واحدة في “صفقة القرن” أدت الى التشويش على مفاهيم اليسار الاسرائيلي. ففي هذه الفقرة تقترح الادارة الاميركية نقل قرى المثلث، بدءا من كفر قاسم في الجنوب وحتى أم الفحم في الشمال، الى الدولة الفلسطينية في اطار اتفاق لتبادل الاراضي. تبادل الاراضي يتوقع أن يكون جزءا من حل شامل للنزاع. صحيح أنه لم تتم الاشارة هناك الى بلدات يهودية. ولكن لأن هذه الافكار كانت لأشخاص من اليمين ومن اليسار في العشرين سنة الاخيرة، ولأنه مع ذلك توجد مقتضيات جغرافية، يمكن الافتراض بأن عددا من البلدات اليهودية سيتم نقلها ايضا للدولة الفلسطينية.
أنا أعيش في كتسير التي تقع في شرق شمال برطعة وشرق عرعرة قليلا. لذلك فان منزلي ايضا سيتم نقله الى وراء الحدود المتخيلة، وايضا المدرسة في كفر قرع التي يتعلم فيها أولادي.
الكثيرون في اليسار اليهودي والعربي سارعوا الى التنديد بهذه الخطوة وعن حق. عضو الكنيست جبارين (القائمة المشتركة) قال بأنه “في اساس افكار الترانسفير يوجد هدف عنصري وهو خفض عدد المواطنين العرب واضعاف مكانتهم والمس بنضالهم من اجل المساواة” (“هآرتس”، 1/2 ). وينيف ساغي، رئيس ادارة ميرتس أوضح بأن الامر لا يتعلق بـ “ترانسفير فردي”، بل بـ “ترانسفير جماعي… يعمل على رمي المواطنين من دولتهم” (“غلوبوس”، 2/2). وزهافا غلئون اشارت الى أن الحديث يدور عن اقتراح للترانسفير، ومن هنا يأتي سحب الجنسية (“هآرتس”، 6/2). ورجل التعليم شولي ديختر اوضح بأن “اقتراح حرمانهم من الجنسية سيلزم من يطالبون بذلك بذكر وسائل نقلهم الى الحدود. وهذا أمر مبالغ فيه” (“هآرتس”، 2/2). وهناك كثيرون تحدثوا بهذه الروحية.
أنا مثلهم ايضا أعارض إخراج أراضي قرى المثلث من دولة اسرائيل. ولكني لا أرى مثلهم في هذا الاقتراح أي أمر يذكر بالترانسفير بمعناه المعروف في الخطاب الاسرائيلي. الحديث لا يدور عن دلالات لفظية لسببين. السبب الاول، لأن مفهوم “الترانسفير” هو مفهوم له مضمون محدد في التاريخي الاقليمي؛ والسبب الثاني، لأنه في النضال من اجل انهاء النزاع يجب علينا التدقيق في المفاهيم، ازاء خصومنا السياسيين وإزاء أنفسنا.
في الخطاب الدارج يوجد نوعان من الترانسفير. الاول، نقل السكان من دولة الى دولة اخرى مع الاراضي التي يعيشون فيها، وذلك على الاغلب في اطار اتفاق. وهناك امثلة قليلة على مثل هذا الترانسفير، مثل نقل منطقة شلزفيغ هولشتاين من سيادة الدانمارك الى سيادة المانيا بعد الحرب في العام 1864. وإلغاء الحكم الذاتي لفرنسا والذي ساد منذ اتفاق فرساي في منطقة السار وضمها الى المانيا في العام 1957. الثاني، المعروف أكثر في منطقتنا، هو طرد السكان بالقوة. والمثال الواضح هو اخلاء القرى والمدن في حرب العام 1948. هناك أنواع فرعية من الترانسفير، ولكن اذا اخترنا استخدام هذا المفهوم فان هذين المعيارين متميزان ومتناقضان.
في حالتنا لا يوجد أي ترانسفير بالقوة. ولكن الكثيرين الذين ردوا على ذلك يستخدمون هذا المفهوم هنا ايضا. سليم بريك، المحاضر في العلوم السياسية، كتب بأن خطة ترامب هي صيغة من خطة “حفرفيرت” من العام 1956 التي كان هدفها طرد سكان القرى المثلث الى الاردن (“هآرتس”، 3/2). ولكن في حينه كانت توجد نية لطرد مجموعة سكانية، وهنا الحديث يدور عن اتفاقات بين كيانين سياسيين هما اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
الفقرة المذكورة في الخطة لا تتحدث عن الترانسفير. وايضا لا يوجد فيها أي ذكر للابرتهايد، وهو المفهوم الذي يتم ذكره كثيرا مؤخرا. ونظام تصاريح الحركة والعمل وحظر التجول الليلي ودوريات الشرطة الدائمة، كل ذلك يعتبر ابرتهايد. والحكم العسكري الذي تم فرضه على عرب البلاد حتى العام 1966 هو مثال على هذا النظام. في حينه لم يكن باستطاعة المواطنين العرب اختيار مكان سكنهم، وقد تم املاء الامر عليهم من قبل السلطات. ورغم ذلك، في الوقت الحالي المواطن الذي يعيش في المثلث يمكنه أن يحزم أمتعته وأن يبحث عن مكان آخر في الدولة. واذا كانت العائلات العربية في كفر قرع لا تريد الانتقال للدولة الفلسطينية فيوجد لها خيار – من ناحية قانونية – أن تنقل مكان سكنها مثلما هذا الخيار مفتوح امام عائلتي. في نظام ابرتهايد لم يكن بالامكان فعل ذلك. هكذا، يمكن الافتراض بأن مئات العائلات التي تعيش في كتسير ستنتقل الى داخل حدود دولة اسرائيل ولن تختار أن تكون من سكان فلسطين. لذلك، الادعاء بأن الخطة تفرض “سحب الجنسية” غير صحيح.
في العشرين سنة الاخيرة تم اعطاء تأكيدات كثيرة في مختلف الاقتراحات على نقل قرى المثلث لدولة فلسطين. ولكن معظم هذه الاقتراحات لم تطرح سحب الجنسية الاسرائيلية من الفلسطينيين (أو اليهود) الذين يعيشون في قرى المثلث، اذا قاموا بنقل مكان سكنهم الى داخل حدود الدولة الجديدة. عمليا، حسب القانون الاسرائيلي والقانون الدولي فان هذا الامر غير قانوني. وهنا يدور الحديث عن اتفاق بين دولتين. وحسب معرفتي، في عشرات السنين الاخيرة لا توجد أي سابقة تم فيها نقل اراضي مأهولة من دولة الى دولة اخرى بالقوة. ولكن لماذا توجد سابقة؟ وهل هي تتوافق مع القانون؟ تغيير متفق عليه للحدود.
هذا هو لب الموضوع، الدولة يمكنها رسم حدودها. واذا تغيرت الحدود ومنطقة معينة لم تكن جزءا من الدولة، فإن سكانها لهم الحق في تغيير مكان سكنهم. ويجب على الجمهور النضال من اجل ترسيم الحدود ومن اجل الطبيعة التي ستحسم فيها، عن طريق التصويت في الكنيست أو من خلال استفتاء عام، لكن لا يجب تسمية تغيير الحدود بمفهوم الترانسفير أو الابرتهايد، لأننا بذلك نمس بشرعية الدولة في العمل. لأن هذا الجمهور الذي يسمي نشاطات الدولة التي تريد ترسيم حدودها بالترانسفير، هو نفس الجمهور الملزم بأن يثق بها في موضوع التوصل الى حل للنزاع.
لا شك أن هناك من يعتبرون الخطة فرصة لتقليص عدد العرب في الدولة، وهو الامر الذي يتساوق بالتأكيد مع سياسة نزع الشرعية السامة تجاه المواطنين العرب. فكرة تبادل المناطق المأهولة في المثلث هي فكرة مشوهة (وهنا لن نذكر الاسباب الكثيرة لذلك)، ويجب محاربتها بالوسائل والأدوات الصحيحة، ليس عن طريق اطلاق الشعارات والمفاهيم غير الدقيقة التي تسحب البساط من تحت اقدام من يريدون السلام، بل عن طريق صراع اجتماعي وسياسي مشترك.