Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Oct-2020

«الشيخ يحلم بالمطر» لحبيب الزيودي.. قصائد نابعة من وجدان الشعب

 الدستور- أحمد الكواملة

الشاعر الراحل حبيب الزيودي من الشعراء القلائل الذين أعلنوا عن شاعريتهم الواعدة المتفوقة على كثير ممن سبقه من الشعراء، عبر مجموعته الأولى «الشيخ يحلم بالمطر»، وإلى ذلك يشير الدكتور خالد الكركي في تقديمه لتلك المجموعة حين قال: «.. إن تجربته تتشكل في صورة صوت متميز، نابع من وجدان الشعب..».
لعل هذا المقطع من قصيدة «فراشة عمري المحروق» وبالاتكاء على موروث الأغاني الشعبية وبصياغة لفظية محكية، تشير إلى إحساسه العميق بأوجاع البسطاء، عمّار الأرض وفلاحيها، الذين يحولون التراب إلى قمح اخضر، رغم علمهم أن وراءهم السمسار يأخذ كل شيء ولا يبقي لهم إلا التعب والألم والخيبة، لكنه الأمل يدعوهم للغناء للمجل من جديد، توقا إلى موسم أطيب:
«منجلاه... منجلي وا... منجلاه..»
وكم طلبوا الغلال
وقمحهم اخضر
وحين آتاهم السمسار
قش الملح والسكر..
وقش حجارة البيدر
هنا غنى حجيج القمح
«منجلاه... منجلي وا منجلا..».
 عراريات ولكن..
أكثر شعراء الأردن تأثر بعرار «شاعر الأردن الأول».. وقصائد حبيب الزيودي تشي بهذا الثائر، غير أنه تأثرٌ أثرى النص، وعمق التجربة، وأبقى على سمت حبيب الزيودي الخاص، من ذلك بعض ما قاله في قصيدته «ارتعاشات»:
«لم يبق في الدار لي ركن ولا حجر
ووزعتني على الريح الولاءات
هذا إلى الفرس قد سارت ركائبه
وذاك للروم، قادته الوساطات
يا أردنيات أشلائي مبعثرة
فمن تلملمني... يا أردنيات».
وتأثير عرار الايجابي على شعر حبيب الزيودي بدا في أكثر من قصيدة، منها على سبيل المثال قصيدة «خرابيش للمرأة.. للوطن» وقصيدة «يا ليت عمان..».
 المرأة.. الوطن
قد لا نلمس تباينا بين عشقه المرأة وعشقه الوطن، بل لعله يقول أحبك..، يعني المرأة..، وضميره بعني الوطن..
بإسقاطات جميلة معبرة، عبر صياغات لفظية إيقاعية غنية مؤثرة، تلج الروح والقلب ، دون طويل وقوف، ومن ذلك قال شاعرنا في قصيدته «لملمت أحزاني» مخاطبا حبيبته «عمان»:
لملمت أحزاني عن الدرب القديم
وتبرعمت عمان في قلبي قرنفلة
...
إني أحبك في سكون الليل
في همس النسائم
في انتعاش الزعفران
...
عمان لا ترخي جدائلها على صدر الجبان
وزنابق الأردن تزرع ليلها فرحا».
ومن قصيدة «أنشودة النهار» يعبر الشاعر حبيب الزيودي، في تناغم رهيف، عن ذلك الحب الذي يندغم فيه حب الوطن وحب المرأة المعشوقة، حيث يقول:
«.. وأين هما؟
في فؤادي
وكيف تحبهما؟
أبثهما الشوق سرا
وأكتب شعرا لعينيك، أكتب شعرا
فيسألني الناس
ماذا تحب بعينين خائفتين؟
بلادي
وماذا؟
...
جميع النساء اللواتي يكحل إحداقهن
غرام بلادي..!».
 أوجاع المدينة
عندما يتغني حبيب الزيودي بعمان أو العالوك، أو الوطن شماله وجنوبه، لك أن تتراقص أعطافك انثيالا مع إحساسه المرهف العالي، العاشق لتلك الديار، غير انه إذا تحدث عن المدينة بالمطلق، غمرنا بإحساس الغربة والضياع والظلمة، فهي التي تغتال عصافير روحه، من قصيدة «المدينة» يقول:
«ظلام المدينة يغتال كل عصافير روحي
وكل النوافذ مغلقة
والظلام يفحُّ
فيفتح للعابثين جروحي
...
فادخلها عاشقا
فتجمد قلبي النساء
و ادخل فاتحا
فيسرق سيفي اللصوص
...
ولا شيء يفرحُ
فالتيه يمضغ دربي
ويقتلني ظمأى...
فلا ماء، لا عشب، لا أغنيات..».
 تناص... وتأثيرات تراثية..
إن امتلاء الشاعر حبيب الزيودي بموروثة الثقافي، يظهر جليا في مقاطع عدة في قصائده، من ذلك قصيدة «إرتعاشات» حيث يستحضر تلك الوقفات الجاهلية على الأطلال والآثار والرسوم، التي كان الشعراء كثيرا ما يبدأون قصائدهما بها، مثل:
«قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل/ بسقط اللوى بين الدخول فحومل»، للشاعر امرئ ألقيس. يقول شاعرنا «حبيب» :
«قفا على النبع، لي بالنبع حاجاتُ/ حلت على القلب من ذكراه علاتُ».
و في تناص تراثي ديني يقول في ذات القصيدة: «لم يبق في الدار لي ركن ولا حجرُ/ و وزعتني على الريح الولاءات»، إشارة إلى قدسية الوطن كقدسية الركن والحجر الأسعد في بيت الله الحرام.
وفي قصيدة «الشيخ يحلم بالبحر» وبتناص تراثي، يستحضر الشاعر عنترة العبسي وسيفه وحصانه، مسقطا حالة من اليأس من نهوض الأمة في يومنا الذي نعيش:
دقي على بابي إذا نامت عيون «الدنجوان»
دقي لتعطي عنتر العبسي
سيفا أو حصان
ما زال يصرخ في البراري
«والنفط» ينجب كل يوم ألف سالومي
ويظل يصلبني على الألواح يحيى المعمدان».
وقد أفاد في تناص ديني في إسقاط على حال خيانة بعض العرب لقضايا أمتهم، وهو يشير إلى خيانة سالومي وإغوائها «هيرودوس» لقتل يوحنا المعمدان.
 مسكون بهموم أمته
وإذا كان قلب شاعرنا المرحوم حبيب الزيود معلقا بالأردن أرضا وسماء وماء وشجرا وحجرا وأنسانا، فانه مسكون أيضا بهموم أمته، روحه تهفو إلى القدس والمسجد الأقصى، تتوق إلى موعد ولقاء عل رباه الطاهرة، رغم تقاعس البعض، وخيانات البعض الأخر، من قصيدة «يا قدس» يقول: «يا قدس يا وجعا يعربد في دمي/ مالي من الوجع الثقيل دواءُ/ أقبلت نحوك والفؤاد مكبل/ جزِعٌ وسدت مسمع الأنباء/ عربٌ تدنس من خسيس فعالهم/ نخل الحجاز، ورمله، وحِراهُ/ لي عند مسجدك المهشم موعدٌ/ وعلى رباك الطاهرات لقاءُ».
في مجموعته الشعرية الأولى «الشيخ يحلم بالبحر» (صدرت عن دار شقير وعكشة للطباعة والنشر، عمان – عام 1986) يقدم حبيب الزيودي تجربته الشعرية بإيقاعات الشعر العمودي تارة، وشعر التفعيلة تارة أخرى، وهو في الحالين، يمتلك تقنية هندسية لفظية ودلالية وإيقاعية موجهة مقصودة.
قد يتمكن بعض الشعراء من مثل هذه الصياغة «الصنعة» ولكن ما يميز تقنية حبيب الزيودي إنها تضفي إلى النص ذلك التأثير الطازج الثر المرهف.