Friday 26th of December 2025 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Dec-2025

رواية حفار القبور لعلي محمد الخرشة: الرّعب، الفانتازيا، التسلية... والواقع

 

الدستور - د. حكمت النوايسة -
 
رواية الرعب فن أدبي قديم، عرف في أوروبا منذ القرن السابع عشر، واتخذ في البداية الأماكن مرتعا لبناء الرواية، واتخذ من شخوص قادمين من عالم آخر أبطالا لهذه الروايات/ القصص المسلّية، يلتقي هؤلاء مع بشر عاديين، فيكون الرّعب والقلق، وربما التحوّل في شخصيات البشر العاديين فيأخذون بعض الخوارق من أولئك، وهكذا، ثم تحوّل هذا الفن بمسحة من الأدب البوليسي، والألغاز، ثمّ تشابك الأرواح(1) ربما، إلى أن وصل إلينا في القرن الحادي والعشرين على أيدي كتاب اشتهروا به، مثل أحمد خالد توفيق، رحمه الله، وغيره مثل روايات أسامة المسلم الفانتازيّة.
 
وقد اتفق أن أول رواية رعب هي رواية قصر أوترنتو للكاتب البريطاني هوراس ولبول 1746، حيث كانت نموذجاً لكل روايات الرعب التي صدرت بعدها مثل رواية (فاثيك) لوليام بيكفورد 1678 ورواية (الراهب) ماثيو لويس 1796 ورواية (ألغاز أودوفو) آن رادكليف 1797، ويعد تشالرز براون أول روائي أمريكي كتب رواية الرعب الرومانسية باحترافية متميزة.(2)
 
وربما لا نبتعد كثيرا إن أشرنا إلى أعمال (كافكا) في بدايات القرن العشرين، تلك الأعمال التي اتخذت منحى وجوديا، ولكنّها مغرية هنا، وأنا أقارب هذه الأنماط المتنوعة من السرد، في معرفة تلك الطبقة التي يغلّفها السرد المشوّق، ذلك أنّه لم يكن سردا عبثيا للتسلية، وإنما سرد يحمل أسئلة يغالبها الكاتب، وربما يعبر عنها ليس بضمير الأنا، بل بضمير الـ نحن أحيانا في قصصيه الغرائبية، والقصص الناقدة كالقلعة وغيرها.
 
لا أطيل في الحديث عن رواية الرّعب من حيث البناء الفنّي، فهي بين الغرائبي، والفانتازي، والأسطوري، والبوليسي، والتحوّلات المتبادلة بين الكائنات، وقد تجمع هذه الثيمات كلّها، وتستهدف الفئات التي ترغب في هذا النوع من الأدب، الذي يكون، في الغالب، نتاج الخيال، مبتورا، كغيره من القصّ الذي نتأوّل حتى نجد ما وراءه، أو غايات ربما لم يكن المؤلف الأول يعنيها، ولم تكن تعنيه، كما نفعل الآن في قراءة السير الشعبية، والكتب الفنية التاريخية، وحتى الشعر الجاهلي وهو أوّل مادّة فنيّة رصينة متماسكة وصلتنا في الأدب العربي.
 
أقف في هذا المقال على رواية بين الخيال والرعب، تنطلق من الواقع، وتبقى فيه، مع ما فيها من مجازفات خيالية غرائبيّة، وهذه الرواية هي رواية الكاتب علي الخرشة (حفار القبور)(3) وهي الفائزة بمسابقة كتاب الجيب في مصر.
 
لا بدّ لأي قارئ لهذه الرواية أن يكتب على ورقة جانبية وهو يقرأ أسماء الشخصيّات فيها، وتسلسل ظهورهم، لتبقى خيوط (( اللعبة)) بين يديه، ومن هنا أودّ أن أشير إلى هذه الشخصيات:
 
أوّلا: الراوي، المؤلف داخل النص، أيمن ياسين، وهو كاتب سيناريو واقع تحت خط الفقر، تتركه زوجته وتسافر إلى أمريكا مع أبنائه، ويقع تحت ضغط أن يكتب مسلسلا لرمضان القادم ليستعين بمردوده في على حياته الخاصّة، العائلية، المادية منها والمعنوية بعد أن تركته.
 
ثانيا: المنتج عساف، الذي يريد من أيمن كتابة سيناريو المسلسل الذي سيعرض في رمضان التالي.
 
ثالثا: شخصيّات النص، وهم طارق، الغني الفاشل في دراسة الهندسة، وكامل صديقه الذي يشبهه إلا بالغنى، فظهر انتهازيا يتقرّب من طارق لماله، ومصطفى عيّاد الفقير الناجح في دراسته، والمهندس البارع فيما بعد، وهؤلاء أصدقاء، تنطلق الرواية منهم، وتعود إليهم نهاية المطاف، وذلك بمغامرة يراهنان بها مصطفى عيّاد، الأضعف بينهم، الذي يسليهم بجلساتهم بحكاياته، يراهنانه على أن ينام في قبر (أبو لحاف) الشخصية الغامضة الغريبة، مقابل حصول مصطفى على شيك من طارق إن استطاع أن يقوم بذلك.
 
من هذا الرهان تبدأ الحبكة الغرائبيّة، إذ يقبل مصطفى هذا التحدّي للحصول على المال لعلاج والدته التي تغسل الكلى، فيذهب بسيارة طارق إلى المقبرة، حيث دفن (أبو لحاف) ويتعرّف مكان قبره، فيجد مجرفة/ فأسا، لكنّ فيه خللا، ولا يستطيع استخدامه إلا بعد أن يثبته بالعصا بمسمار وجده بجانبه، وسيكون لهذا المسمار شأن عظيم في الرواية، يثبت المجرفة بالمسمار، فينبش القبر، ويتمدّد إلى جانب المدفون، فتحل به روح المدفون، ويعيش حياته السابقة قبل موته، فيتذكر خوفه منه عندما كان طفلا، وخوف النساء منه، وتخويف الأطفال بهذا المتشرّد الغريب، ومن خلال هذا يعرف القتلة الذين قتلوه وهم يحاولون إجباره على أن يرشدهم إلى جزء من خريطة لمدينة غريبة. العصابة التي منها (عجلة) الضابط الذي سيكون له شأن في الرواية.
 
ويعود يعود مصطفى إلى أصدقائه مع الفجر، وقت انتهاء الرهان، حاملا معه ما رأى، وما جرى له في تلك الساعات، ويخبر عن خريطة دفنها (أبو لحاف) قبل موته في فيلا طارق وقت إنشائها، وما رافق ذلك الدفين، فيجدا تحت البلاط في فيلا طارق ما رآه مصطفى أثناء حلول روح (أبو لحاف) فيه.
 
التنقّل بين عالمين: الشخصية الحقيقية، وشخصيّة صاحب القبر التي يعيش من خلالها حياته، ويتعرّف ما يريد، ويرى ما أحاط بها من غرائب، يتنقل مصطفى عياد بين عالم أبو لحاف ويعيش حياته، وعالم الطفل الذي كان يخاف من أبو لحاف، ويسترجع بذلك طفولته، وخوفه، وحبه لسارة أثناء دراسته في المدرسة، وكثير من التفاصيل، لعلّ أبرزها كان عندما تبرع الحلاق لأبو لحاف أن يحلق شعره، فينظر في المرآة بعد أن يجلسه الحلاق على كرسي الحلاقة، فيرى صورة أبو لحاف، فيصاب بالدهشة، إذ ينتقل إلى عالم الطفل الذي كان يخاف أبو لحاف...
 
الحكي الافتراضي: كما في الصفحة (52) إذ يفترض أنّه يعمل فراشا، ويطلب راتبه من صاحب المكتب الفخم، ويفترض ردّه عليه بالموافقة ... هذه الافتراضات تأتي في سياقات متنوعة تشدّ النص إلى الواقع، وإلى عوالم الشخصيّة الحقيقية.
 
القصة الثانية، قصة اللحاف المدفون في أساس فيلا طارق، وما وجدوه فيه؛ الخريطة، والبطاقة النحاسية المنقوش فيها عدة أسماء ... والحيرة ماذا يفعلون بها.
 
يذهبون بها إلى الشرطة، حمود بيك، وما حصل بعد ذلك، وبعد الاستهزاء بهم وبما يحملون...وبعد الفشل في الشرطة، يدخل في السياق نطق اسم عجلة، وهو الضابط المكتوب اسمه في القائمة النحاسية، ولم يثر الأمر أحدا وقتها، ولكنّهم يصرون على معرفة قصة هذه الأسماء والخريطة، إلى أن يهتدوا إلى الذهاب بها إلى  (فاخر عاقل)، أستاذ التاريخ القديم المهووس الغرائبي فيه... وهناك يعرضون الخريطة عليه، ويعرف الخريطة والقائمة، ويخبرهم أنها عن مدينة الذهب ... وتبدأ رحلة البحث عن الأسماء ليقوم مصطفى عيّاد بالنوم في قبورهم، استحضار أرواحهم... إن الخريطة عن مدينة الجن، ويظهر لهما أنّ الجزء الذي معهما من الخريطة له خمسة أجزاء أخرى لتكتمل الخريطة، وهذه الأجزاء مدفونة في أماكن متفرقة في العالم... فجأة تأتي الشرطة للبحث عن الأصدقاء الثلاثة، ومن الشرطة (عجلة)، الذي هو جزء من العصابة التي قتلت أبو لحاف؛ فيخفيهم البروفيسور في خزانة لأنه عرف بحسّه التاريخي الأسطوري أنّ الشرطة تبحث عنهم لأنّ اسم عجلة موجود في القطعة النحاسيّة التي بين يديهم.
 
البدء بنبش القبور لمعرفة بقية قطع الخريطة، قبر أبي البركات... لم تنجح التجربة في قبر أبي البركات، ويتركه الأصدقاء، ويذهب بعد استعادة شيء من قصة أبو لحاف إلى الدكتور فاخر عاقل، ثم الذهاب إلى الشيخ شفشنكو... مع فلافل... ثم العودة إلى نقطة البدء حيث يخبرهم بأهميّة المسمار الذي نبش به أول قبر، قبر أبو لحاف، ثم العثور على المسمار النحاسي من حارس المقبرة بعد عراك، والعودة إلى البحث عن بقية القبور... وسيكون القبر التالي قبر ذئب الجبل، المدفون في بلدة وضيحة، المقسومة بين الوضاحين والمنسيين... والبحث عن قبر ذئب الجبل، وبعد عناء الاهتداء إلى العنود... وتعريفهم بقصتها معه، ودفنها له بعد أن ترك للذئاب، وتعريفهم بقبره، وكسر الأسطورة عن أكل الذئاب له، وهناك تأتي العصابة التي تطاردهم، حيث لحقوا بهم إلى تلك البلدة... ثم فلاتهم من العصابة، والوصول إلى القبر، النوم فيه، حلول روح ذئب الجبل بمصطفى، حياة ذئب الجبل وقصته، وتجذب القصة إلى الواقعية الآنية خارجة من حياة ذئب الجبل وهي فيه في الوقت نفسه، باستذخال قصيدة نبطية/ أغنية/ لو هلك ما كان سموك العنود....
 
ثم قصة حياة ذئب الجبل وصديقه سالم.... واستدخال قصص التراث في الطبقية العشائرية في وقتهم، وجرأة ذئب الجبل.. وروح الثورة فيه وحبيبته العنود ... في منتصف المطاردة ينتقل السارد/ مصطفى/ إلى المشفى فجأة ليجد نفسه بين يدي سارة الممرضة، ولم يكن مستشفى ولم تكن الممرضة سارة، وإنما فلافل التي أكنّت حبّا لمصطفى... ثم الذئب يشبه الإنسان في الجبل... (والرواية داخل الرواية عن ذئب الجبل وصديقه سالم) وفيه شيء من روح امرئ القيس وتهتّكه على غدران الماء، وكل هذا من خلال حلول روح ذئب الجبل بمصطفى أثناء نومه في قبره، وهناك يتم الحصول على جزء الخريطة، لتبدأ رحلة جديدة للبحث عن اسم آخر من الأسماء الموجودة في القطعة النحاسيّة، جورج حصرم، في لبنان.... في ضيعة تل العنب، والشيء نفسه في قبره... وهنا تكون حياة جورج حصرم من خلال روحه في مصطفى عياد، وتكون في مشفى السرطان، وهناك، نتعرف على الرّعب، ومعاناة مرضى السرطان في المشفى، وزائر الليل الغريب حيث كان المشفى مبنيا على مقبرة، إلى آخره...في سرد شائق مرعب في آن، ثم الحصول على قطعة الخريطة من قبر جورج حصرم، ليبدأ البحث عن بقية الأسماء، والانتقال إلى  قبر القطعة الأخرى من الخريطة... وفي لبنان نتعرف إلى الشخصية الأردنيّة الأبرز التي حاولت اغتيال مصطفى ورفاقه في لبنان، وهي شخصيّة الوزير (بلال علقم) وينفتح السرد هنا على المكان الذي تتم المطاردة فيه، لبنان، حيث إن في هذا إشارة إلى أنّ في لبنان مساحة يستطيع في المجرمون قتل أعدائهم.
 
ولنا أن نسجّل هنا تناوب السرد، بين مصطفى عياد المتسائل مع تقمصه الشخصيّة وسرد الشخصيّة نفسها، والسرد بضمير الأنا، وضمير المؤلف، في تناوب دقيق مدروس.
 
بعد الحصول على قطعة الخريطة في لبنان يتم الانتقال إلى الشخصيّة الأخرى، شخصية عطوف الذي سرق وعصابته بنك البترا وهرب إلى الجنوب، حيث يعرفون أنّه دفن في البترا، وهناك يبدأ تداخل غريب بين شخصيته، وشخصية حارثة، حيث تتداخل الشخصيتان، إذ تحل روحاهما معا في مصطفى عياد، ولا يخفى ما لهذا الاسم، حارثة، من وقع يثير التاريخ، وبعض التفاصيل عن البترا، الخزنة، والأنباط، وسر ارتفاع الخزنة... وحياة الأنباط وديانتهم أيام الحارث الثالث،  ونعرف أنّ عصابة عطوف في الطريق إلى البترا تتعطل سيارتهم التي هربوا بها بعد سرقة البنك، ويسيرون على أقدامهم باتجاه البترا، أو أيّ محطّة، ثم يتوقّف لهم باص فيه سائحات، وتفاصيل عن مغامرة معهن، ومحاولتهن قتلهم بعد السيطرة عليهم بتخديرهم، وأخذهم إلى البترا وصلبهم، وقتل أحدهم وكتاب تعاويذ معهنّ ثم يقتلنهم بتقاليد غريبة، ومصّ دمائهم، بعد قطع رؤوسهم واحدا واحدا ثم يلتهمهن كائن غريب كن يتعاونَّ معه ويقدمن له الرؤوس، وفي هذا السرد رمزيّة كبيرة على السائح المغرض، وليس في كتاب التعاويذ التي يحملها معه إلا التعاويذ التي يحملها في رأسه عن هذا الوطن، ومحاولة محو أيّ شيء فيه أو في تاريخه، وما في تلك العصابة التي تقدّمها السائحات للكائن الأسطوري إلا ما يمكن أن يقدّمه من يحمل في رأسه الخرافة عن هذا الوطن، وفي النتيجة الخرافة نفسها هي التي تقتل من يحملها، حيث يلتهم الكائن الأسطوري السائحات ... يظهر لنا استعادة تاريخ الشخصية مثل (فلاش باك) والتذكر، وهو تذكر قصصي، يماشي الشخصيّة إلى أن تموت، والشخصيّة هنا هي شخصيّة عطوف، وكيفيّة نجاته من الشرطة، والهرب إلى الجنوب إلى أن يموت هناك.
 
من البتر يتم العثور على قطعة من الخريطة التي يبحثون عنها، ليتم البحث عن الشخصيّة الأخرى، وستكون شخصية (برقان بن طارش)، من اليمن، وتعرّف تفاصيل حكاية مدينة الذهب/ الجن/ ماسازينا، بعد مساعدة صديق للعثور على قبر (برقان) ونبشه، كان مدفونا في سقطرى، في قرية راكف، ووصلوا إليه عن طريق كزمان، ابن عم صديقهم صلاح اليمني...  وسيكون القبر هذه المرة قبر جنّي وليس إنسيّا، ونرى إلى تفاصيل الصراع بين مملكة (بو) مملكة الشياطين، ومملكة (ماسازينا) مدينة الجن، والمعركة، والإغراق الذاتي للمدينة بعد هزيمتها من قبل مملكة (بو) مملكة الشياطين، برقان ودهمان جنيان يبحثان عن (ماسازينا)، ويريدان مساعدة بشري، فيختاران بشريا بدائيا (قاقا) ويحوّلان نفسيهما إلى بشر ليتعاملا معه، برقان/ مصطفى/ يصبح سارة/ ودهمان أبوها العجوز/ لإغراء البشري... وتفاصيل لا يمكن ذكرها في مقال عن رواية مكثّفة رغم أنّ صفحاتها تزيد عن (460) صفحة.
 
 ومعرفة تفاصيل أكثر عن الخريطة، من خلال معرفة حياة الضابط برقان، ودهمان، وغرق سفينة، وفكرة عن الإغراق الذاتي للمدينة، مدينة الجن، إلى آخره، تفاصيل تقرأ ولا تلخّص في سطور، لما فيها من إثارة، وإثارة مكثّفة أيضا.
 
 والعودة إلى الوطن، ومؤامرة قتل (فلافل) المهووسة بالتاريخ، والتي كانت على مدار النص ظلّا للبروفيسور (فاخر عاقل) مهووسة بالتاريخ والسحر والشعوذة، حتى إنها تحصل على أسئلة الاختبارات من المشعوذ (شفشنكو) الذي بدا في النص يتعامل مع الجن... وكان لغز قتلها، والأدلة حول مؤامرة في بيت فاخر، ونعرف أنّ فلافل حفيدة لأول شخصية، (أبو لحاف)، ويذهب مصطفى لقبر (فلافل) ويعرف تفاصيل المؤامرة التي حيكت لها من قبل (بلال علقم الوزير) و(فاخر عاقل البروفيسور)، و(كمال وطارق) صديقي مصطفى.
 
ويبدو أنّ قتلها هو قتل لمصطفى أيضا، فهي تعرف أنّهم يتفقون على قتل مصطفى فترفض، فيكون التخلّص منها أوّلا، وإلصاق التهمة بمصطفى فيذهب الاثنان من طريقهم.
 
لقد اتّهم مصطفى بقتل فلافل، والكل يجمع، أو يلمّح بذلك، مما دعاه إلى العودة إلى الصفر، والمبيت في قبر فلافل، فيعرف المؤامرة التي حيكت ضدّه وضد فلافل بعد أن تحلّ فيه روح فلافل.
 
وإن كان ما سبق قصة يختلقها الكاتب (أيمن ياسين) ليكتب المسلسل، فإنّ النهاية الأكثر غرائبيّة هي مبيت الكاتب، أيمن ياسين، في قبر (مصطفى عياد) ليعرف من قتله، ليكتشف أنّهم العصابة نفسها التي قتلت فلافل... ثمّ يختفي الكاتب فيما بعد، ولا يعرف له مصير، ويخرج من القصّة كلّها، كأنّه جزء منها، كأنّه جزء من خيال القصّة، ولكنّ القصّة تبقى مربوطة في الواقع، فالقصّة أعجبت المنتج (عساف)، وقام بإرسال المكافأة، الشيك، لزوجة الكاتب أيمن ياسين!
 
اسم آخر من الأسماء التي يمكن أن تستجمع منها الخريطة ولم يحفر قبره، هو الشهيد المدفون في فلسطين، وهذا يحسب للرواية، وللكاتب، فكيف يتم نبش قبر الشهيد، وتقمّص شخصيته، وكيف يتمّ التعامل مع هذه الشخصيّة التي قدّمت روحها في سبيل ما هو أهم من مدينة الذهب التي يبحثون عنها، لذلك، نرى أنّ قصة مدينة الذهب قد اكتملت، تقريبا، في اليمن، في قبر (برقان بن طارش).
 
تفاصيل عن ثقافة كل منطقة حفروا فيها قبرا...
 
وسط تقمص شخصية برقان/ تظهر شخصية مصطفى والحديث الناقد عن الوطن، والعتب على النفس وليس على الآخرين، فثمة من باعوه، ولكنه يعاتب نفسه: ماذا فعلت لكيلا يكون ذلك، من هنا يمكن القول: إنّها غرائبية مشدودة إلى الأرض بوساطة المهندس مصطفى/ حفار القبور/ وبوساطة الشخصيات العادية الباحثة عن الذهب... كما أشرت سابقا....
 
لقد ألمحت إلى البناء الفنّي في الرواية، وهو بناء تراكمي، تراكبي، متساوق مع الحدث في صورته العامّة، وأجمل ما فيه تناوب السرد بين شخصيّة حفار القبور، وشخصية صاحب القبر المنبوش، فهو يبقى (مصطفى عياد) أثناء تقمصه حياة ذاك، ويسرب الأسئلة والإشارات التي تشدّ النص إلى الواقع بذكاء، فهو، مثلا، في تقمصه شخصية أبو لحاف، لم يكن (أبو لحاف) دائما، وإنما نرى إلى ذلك الطفل الذي كان يخاف من أبو لحاف كبقية الأطفال في قريته/ مدينته/ ويكون ذلك بمثابة استعادة سيريّة لحياة (مصطفى عياد)، حفار القبور فيما بعد.
 
ولعلّ متسائلا يتساءل: ما جدوى هذا القصص؟ وفي الرواية الإجابة الشافية، بما تميّزت به؛ ففيها نقف على جملة قيم لعلّ أبرزها متقابلتا الخيانة والوفاء، وقد تمثلت في غير قصة من قصص الرواية المتتابعة، إطارها العام خيانة الأصدقاء لـ (مصطفى عياد) بعد إنجازهم المهمّة، ومعرفتهم أنّه لن يخون، ولن يخضع لسلطة (الوزير بلال)، ووفاء (العنود) العنود في قصة (ذئب الجبل)، ووفاء (فلافل) لـ (مصطفى عياد) حيث آثرت الوفاء على أن تخونه عندما أرادوا فتح الخزنة التي خبّأوا فيها القطع التي حصلوا عليها من الخريطة، وكان لكل واحد منهم رقمان لتجتمع الأرقام في رقم سرّي واحد، لا يستطيع أيٌّ منهم فتح الخزنة إلى بوجود بقية الأرقام، إذ إن فلافل رفضت فتح الخريطة بغياب (مصطفى) فقتلوها ورموها في مكان ما.
 
النفاق، والرياء، والخداع، وأبرز أمثلته أصدقاء مصطفى، والدكتور فاخر عاقل الذي كان يجلس في عزاء (فلافل) وهو من العصابة التي قتلتها.
 
الإصرار على المبدأ، وقد تجلّى ذلك في شخصية أبو لحاف أولا، ثم شخصيّة (العنود) وشخصية حبيبها (ذئب الجبل)، وشخصيّة (مصطفى عياد) حفار القبور، الذي قدّموا له أفضل ما يمكن أن يقدّم لبشر، المال والجاه، وأكثر من ذلك شراء كلية لوالدته التي تغسل الكلى، ومع كل ذلك أصرّ على عدم خيانة أصدقائه.
 
رواية (حفار القبور) التي استغربت اسمها بداية، لأنّه اسم قصيدة للسياب شهيرة، هذه الرواية ربّما يزعجها النقد، وأكتفي بالقول: الفانتازيا الهادفة، التسلية مع تسريب القيم، وتعميق قيم الوطنية، والوفاء الإنساني، والحب... مع دورانه الكبير في القضيّة الكبرى: الموت والحياة.