الحرة
على مدار السنوات العديدة الماضية، كانت تركيا الداعم الأبرز للفصائل السورية المسلحة المعارضة لنظام الأسد، وبعد سقوطه كان وزير خارجيتها حقان فيدان أول مسؤول يزور دمشق ويلتقي بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع الملقب بالجولاني.
لكن حينما غادر أول وفد رسمي من الحكومة السورية المؤقتة، لم يسافر من دمشق إلى أنقرة، بل كانت وجهته عربية إلى السعودية، ما يبرز جهود المملكة الكبيرة في تعميق نفوذها في سوريا الجديدة.
رأى محللون تواصلت معهم الحرة أن الزيارة التي جاءت بدعوة رسمية من المملكة، تشير إلى إيمان الإدارة الجديدة في سوريا بالعمق العربي والدور السعودي الذي يمكن أن تلعبه في إعادة الإعمار ودعم اقتصاد المملكة، بجانب الإشارة إلى محاولة إحداث توازن بعد زيادة النفوذ التركي بدرجة كبيرة.
لماذا السعودية؟
وصل الوفد السوري، مساء الأربعاء، إلى المملكة برئاسة وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني، بجانب وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب.
قال الباحث والمحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، في تصريحات للحرة، إن الزيارة إلى المملكة "تؤسس لطبيعة العلاقات بين البلدين في المرحلة المقبلة، واختيار السعودية كأول وجهة خارجية يأتي إيمانا بالدور السياسي والاقتصادي للمملكة".
وتابع حديثه بالقول إن "الثقل السياسي للسعودية سوف يمثل سلما للدبلوماسية السورية من أجل الوصول إلى العواصم الغربية وحصولها على العديد من الاعترافات منها".
وأعلنت دول غربية دعمها الإدارة السورية الجديدة بعد الإطاحة بالأسد، لكن هناك مخاوف تتعلق بالتعامل مع الأقليات وتشكيل حكومة شاملة تضم كافة الأطياف، وعدم تمثيل سوريا تهديدا لأي دولة أخرى.
وطالما أكدت الإدارة الجديدة في سوريا أنها لن تمثل تهديدا لأحد وسوف تشمل الفترة المقبلة مشاركة الأطياف السورية في رسم مستقبل المرحلة المقبلة.
المحلل السياسي السوري فاضل خانجي، يرى أن اختيار السعودية كمحطة أولى "كونها تدرك أهمية الدور العربي عموما والسعودي خصوصا في كسب شرعية سياسية على المستوى الاستراتيجي".
كما أبرز الكاتب والمحلل التركي يوسف كاتب أوغلو، أن اختيار السعودية كأول وجهة خارجية للسلطات الجديدة في دمشق جاء "لإثبات أن السعودية دولة محورية عربية كبرى من الجانب الاقتصادي".
في موازاة الاستقرار السياسي الذي تسعى إليه الإدارة الجديدة في دمشق تواجه تحديات كبيرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي أيضا، على ما يؤكد الباحث والأكاديمي الاقتصادي السوري، فراس شعبو.
ولفت في حديثه للحرة إلى أن "التغيرات الجيوسياسية، تجعل هناك رغبة من السعودية وتركيا أن تتولى التغيرات في الملف السوري ودعم حكومة دمشق الجديدة، وأن يكون لهما دور مباشر في إعادة الإعمار. وكل طرف يدعم موقف الدولة الأخرى".
تنافس أم تكامل؟
تعاني سوريا اقتصاديا وسط انهيار العملة وفي ظل عقوبات غربية تحاول الإدارة الجديدة العمل على إنهائها بسقوط نظام الأسد.
تطرق آل عاتي في حديثه إلى الدور الاقتصادي للمملكة، وقال إن "اختيار المملكة كوجهة أولى وجه رسالتين مهمتين: أن التوجه لدى الإدارة الجديدة هو عربي والعمق أيضا عربي".
كما أشار إلى أن دمشق حاليا تدرك أن "تركيا لا تستطيع مساعدتهم ماليا بالشكل الكبير، فتوجهوا إلى المملكة. اختيار الرياض من منطلق اقتصادي أيضا واضح".
كاتب أوغلو أوضح من جانبه أن "تركيا تحتاج إلى تضافر عربي إقليمي في دعم سوريا، ودول الخليج وعلى رأسها السعودية لها دور مهم وخصوصا في إعادة الإعمار والدعم الاقتصادي".
ولفت إلى أن "تركيا دورها مهم في الأمن القومي الإقليمي والصناعات الدفاعية، وبالتالي الدور تكاملي أكثر منه تنافسي في دعم الإدارة الجديدة".
كما أكد خانجي أيضًا في حديثه للحرة على أن "دمشق تمثل فرصة تاريخية لإعادة تأهيل نظام الأمن الإقليمي بعد هزيمة إيران في سوريا، وهو ما يتطلب حالة تكاملية بين الدور التركي والعربي وخصوصا السعودي".
وأضاف: "الزخم الدبلوماسي الحالي يشير إلى ملامح حالة تكاملية بين السعودية وتركيا، كما ان استمرارية هذا التكامل عامل محدد في انتقال سورية لمرحلة إعادة الإعمار".
لا للهيمنة التركية
أعلنت السلطات السعودية، الأربعاء، تسيير جسر جوي إلى سوريا حاملا مساعدات إنسانية من إمدادات طبية وغذائية وإيوائية "للتخفيف من الأوضاع الصعبة" على السوريين، على ما أفاد الإعلام الرسمي.
وزار وفد حكومي رفيع المستوى، نهاية الشهر الماضي، دمشق حيث التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
وكان الشرع قد خص قناة العربية السعودية، الأحد، بأول لقاء مطول مع تلفزيون عربي، وقال فيه إن "سوريا بلد منكوب" في إشارة لتداعي البنى التحتية بعد أكثر من عقد من الحرب.
أشار المحلل السعودي، آل عاتي، أيضًا إلى أن التحرك السعودي السريع جاء جزء منه إلى أن سوريا عليها "الحذر من الهيمنة التركية"، مضيفًا للحرة: "تركيا بذلت جهودا كبيرة لمساعدتهم (السوريين) لكن أيضا حماية سيادة واستقرار سوريا مسؤولية عربية في ظل مرحلة تعافي الدولة السورية"
يرى خانجي أن ملف "التصنيف مهم، وسيكون إلى جانب العقوبات ملف سياسي قانوني مهم في مرحلة إعادة الإعمار، لكنه لم يكن عائقا أمام الانخراط السياسي لمختلف دول الإقليم مع الإدارة السورية الجديدة".
ويرى كاتب أوغلو أن عدم استقبال تركيا لأول وفد سوري رسمي "لا علاقة له بالتصنيف، فأنقرة على ما أعتقد تحضّر لدعوة مماثلة لأحمد الشرع لزيارة تركيا".
وتابع: "تركيا تنتظر تشكيل حكومة جديدة بكافة الأطياف، فهي كانت أول دولة فتحت سفارتها وأول من أرسل وزير الخارجية. ربما نشهد في الأسابيع المقبلة قبل نهاية الشهر دعوة رسمية للإدارة السورية الجديدة".