Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Jun-2020

يحدث في «سوق» الانتخابات..!*حسين الرواشدة

 الدستور

سؤال : ما هو اقرب طريق إلى قبة البرلمان ؟ صوت الناخب طبعا.
سؤال ثاني : ما هو اقرب طريق إلى صوت الناخب ؟ جيب المرشح غالبا.
هذه عينة من الأسئلة التي تصب في اتجاه واحد, وهي أن الانتخابات مثل السوق تماما, تجري فيها عمليات شراء وبيع, تصفيات وتنزيلات, عرض وطلب, وغير ذلك من القيم السوقية التي يعرفها أرباب التجارة, وبعض المستهلكين أيضا.
في سوق الانتخابات, عادة ما تنتشر بضاعة الغش والدهلزة, فالمرشحون (بعضهم على الأقل) يكذبون على زبائنهم من الناخبين, وهؤلاء أيضا يهربون من واجهتهم بالحقيقة التي يعرفونها فيكذبون عليهم بالمجاملة, وحين ندقق أكثر نجد أن لهذا الكذب ثلاثة تفسيرات على الأقل, إحداها أن المرشح يمتلك من البراعة والذكاء والخبرة ما يمكنه من بيع وعوده للجمهور، ولان لدى الناس أحيانا قابلية للتصديق فإنهم يشترون هذه الوعود ويصدقونها, أما الثاني فهو أن المرشح أحيانا يتذاكى ويتشاطر وفي ظنه أن الناس مغفلون والحقيقة عكس ذلك تماما, فالأردنيون في الغالب طيبون ولا يحبون « تسويد الوجوه» او كشف المستور أمام من يتودد إليهم أو يطلب منهم المعونة, يبقى التفسير الثالث وهو أن الطرفين : الناخب والمرشح، يعرفون سر اللعبة ويقرآن ما بين السطور, وبالتالي لا يجدان أدنى صعوبة في التفاهم – التواطؤ أدق – ما دام أنهما في سوق انتخابات شعاره « بين البايع والشاري يفتح الله «.
في سوق الانتخابات يمكن أن تسأل : لماذا تراجع اهتمامنا بوزن «المرشح» السياسي لحساب «وزنه» المالي؟ ولماذا غابت معاييرنا «القيمية» لمصلحة معايير «المقايضة» و»الدفع قبل الجمع»؟ ولماذا تحول موسم الانتخابات إلى فرصة للبذخ والإنفاق بلا حدود، فيما لم نر مثل هذا الكرم الحاتمي في وقت الشدائد؟ ولماذا لا يتردد البعض في «بيع» أصواتهم مقابل دنانير قليلة؟ ولماذا انتصرت تقاليد النفاق والخداع ومراسيم الاحتفاء المغشوش على أخلاقيات «المواطنة» وقيم الصدق والمصارحة، وفضائل الخير غير المشروط، وتعاليم ديننا التي تمنعنا من المداهنة والتزوير والكذب والمتاجرة بالذمم ؟لماذا؟
في موسم الانتخابات -للأسف - نكتشف أن مجتمعنا تغير، وان ما أصاب أخلاقنا وقيمنا وتعاملنا مع بعضنا كان اخطر مما نتصور، وان شعاراتنا التي نرفعها تبدو أحيانا مغشوشة تماما، لان سلوكنا «يكذبها» وممارساتنا تفضحها، ونكتشف أيضا أن انحدار السياسة لم يكن سببا وإنما نتيجة لانحدار أخلاقي واجتماعي، وبان حصاد أداء النائب الذي كنا نشكو منه كان بسببنا نحن الذين زرعنا الفسائل وهو الذي يرد التحية بأسوأ منها.
رجاء، لا تقل لي إن الحكومات هي المسؤولة، أو أن الظروف الاقتصادية هي السبب، أو أن «السياسة» فعلت أفاعيلها في قيم الناس.. كل هذا صحيح، لكن نحن -كمجتمع - المسؤولون أولا عما انتهت إليه أحوالنا.. يا لطيف..!