Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Dec-2020

عام الكِمامات!

 الدستور-رانة نزّال

هو عنترة ـ يُحبِّبُ عبلة فيه فيمتدح نفسه فارساً مِغواراً همّه حمايتها وغايته ذاك فيقول:
إن تُغْدفي دوني القِناع فإنّني
طَبٌّ بأخذ الفارس المُسْتَلثم
نعم يا عبلة لن تجدي من هو أشد حرصاً عليك، ولا قدرة على حمايتك مني، وأنا الّذي نذر نفسه لذاك بل وَيطيب ردّ وصدّ وقتل من تسول له نفسه الاعتداء عليك، فما بالك تغدفين أي تحولين ما بيني وبينك بالقِناع؟!
وليتنا في عامنا المنصرم هذا التزمنا بلفظة القناع ناهيك عن معنى البيت، بل وجدنا أنفسنا نستخدم لفظة الكِمامة ـ بكسر الكاف ـ للدلالة على تلك المادة التي يفترض فيها أن تكون جافة ونقية وتوضع لتغطي الفم والأنف؛ فتحمي مرتديها من استنشاق الجسيمات الصغيرة المعدية التي إذا ما اخترقت هذا الحاجز وتسلّلت عبر هاتين الفتحتين استقرّت في الجسم وابتلته بداء الكورونا الذي أصاب العام المنصرم العالم بِرمته فتفشّى وباءً عشنا وما زلنا نعيش تبعاته القاسيّة، ولعلّ أقلّها استخدام لفظة كِمامة والتي ذكرها الزبيدي في تاج عروسه فقال: «الكَمَّةُ والكِمامةُ شبه كيسٍ يوضع على فم الحمار أو على أنفه لئلا يؤذيه الذباب»، وكذا ذكرت معاجم العربية صحاحها ولسانها إذ اتفقا على أنّ الكُمُّ للقميص والجمع أكمامٌ، وأنّ الكِمامَ والكِمامةُ ما يُكَمُّ به فم البعير لئلا يَعضّ، وفي أحسن المعاني هو وِعاءُ الطَّلَع وغِطاءِ النَوْرِ.
فكيفَ جَرى وأن قبلنا وارتضينا، أو لعلنا لم نفعل حيث دأبتْ الشعوب في العالم على رفض فعل التكميم هذا في رمزيته، فما بالك في معناه الذي اخترناه باللغة العربية لمن يتحدثُها، فكان أن تكمّمنا بالأكمَّةِ، وكُممنا بها، فلِمَ شاع هذا اللفظ في مقابل لفظة اللثّام، وهو كُلّ ما يتلثم به لتغطية الأنف والفم، أو القِناع وهو ما يُتقنَّع به احتماءً فهل حالت دلالة اللثام التاريخية وارتباطه بالمرابطة والمقاتلة في دولة المرابطين في المغرب العربي، ممّن عرفوا بالملثمين دون توظيف هذه اللفظة مع أنّها الأقرب إلى واقع الحال سواء عند الرجال أو النساء في مجتمعاتنا العربية حيث يتلثم الرجل بِغطرته والمرأة بِشالها؛ لتحقق فيما أرى الالتزام بالغاية الوقائية عبر مفردة ولفظة لها جذورها، ودلالاتها ورمزيتها الغالية الأثيرة التي يطيب لنا استحضارها واستجلابها وإن كان الداعي وباءً عالميّاً، إلّا أنّ في هذه اللفظة ما فيها من ارتباط بالمقاومة، وحركات التصدي للضيم والقهر والذّل في مختلف أرجاء المعمورة وبخاصة في وطننا العربي أو فيما تبقى منه، أم أنّ في الأَكَمَةِ دوماً ما فيها؟! فكانت الكِمامة، وكانتْ الغَمامة تلو الغمامة في عام الكِمامات.
وإذ نُودَّع أيامه الأخيرة هذا العام الفارق، وهذه السّنة الجائحة، اجتاحتنا بكلّ ما فيها اجتياحاً، فاستفاق فينا المِخيال، واستحضرنا عوالم أخرى وممالك أخرى، وعشنا وسط الكتب بورقها الأصفر، أو مع الصحب في قرب ولا أشد عبر وسائط تقنية روّجوا لها، ابتكروها، واستخدمناها مهطعين طائعين، إلّا أنّا كنّا وما زلنا وسنظل حالمين ووادعين، وكلّنا ثقة بأن مهما أظلمتْ فستنير، اللَّهم آمين!.