Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Aug-2017

والدتي من صنعتني - م. وائل سامي السماعين
 
الراي - كل شعوب العالم العربي تشكو من ندرة الاهتمام في البشر، فالقوانين جميعها لا تعكس اهمية الانسان او حتى الحيوان في حياتنا فيما عدا القلة القليلة منها، ويؤكد ذلك التطبيق العملي فهو يعكس بصورة ابلغ تلك الحقيقة المؤلمة. فقبل ايام فقط تم تغيير القانون الذي كان يكافىء ويعطي الفرصة للمغتصب بالزواج من ضحيته ثم تبعتنا لبنان بعد ذلك.
 
منذ كنا صغارا كنا نسمع عن تلك الحوادث التي تصيب العمال اثناء تركيب اعمدة الكهرباء او تلك المرأة الحامل التي ما لبثت ان تصل المستشفى لتضع جنينها حتى فقدت حياتها. استمرت بعض تلك القصص بل وازدادت تشعبا وتطور البعض منها حتى اصبحنا نسمع عن سقوط المئات من القتلى والاف من الجرحى سنويا اثناء تنفيذ الاعمال الانشائية ناهيك عن الحوادث التي تفضي الى الموت مثل الغرق، والاختناق بالغاز في ايام الشتاء القارس البرودة، والموت على الطرق بالجملة، وعدد الذين يفقدون حياتهم من الاهمال الطبي او من تناول وجبات طعام فاسدة. اما العامل المشترك ما بين قصص الماضي القديم والحاضر هو ان الحياة ليست من اولويات البشر والا لما استمرت تلك القصص ليومنا هذا وبصورة ابشع من الماضي، ولأننا في عصر النهضة فلا عذر لنا في ذلك. وهذه الحقيقة ليست مقتصرة على بلد عربي دون الاخر فلها جذور عميقة في كل العالم العربي. لا يمكننا ان ننكر ان هناك جهودا تبذل هنا وهناك ولكنها خجولة جدا وتقف عاجزة امام ما نشاهده هذه الايام من قتل ودمار وخراب لما يحل بعالمنا العربي وعلى جميع الاصعدة.
 
قبل بضع سنوات دار نقاش بيني وبعض المهندسين الشباب الذين يعملون في نفس المشروع الذي كنت اعمل به، وكان جواب احدهم ردا على طلبي بالتقيد بتعليمات السلامة العامة ان الثقافة العامة للبلد هكذا ولا داعي للتقيد بتعليمات السلامة العامة. اردفت عليه بسؤال اخر سألته عن اهم امنياته فرد قائلا: اريد ان اتزوج وابني بيتا ويكون لي عدد من الابناء يعيشون بامان وسعادة في هذه البلاد. وكان جوابي سريعا وحاسما فقلت له: ان اولادك والاخرين سيقفون في طوابير امام السفارات الاجنبية طالبين الهجرة من هذه البلاد لان اباءهم لم يتركوا لهم بلدا يلتزم شعبها بتطبيق القوانين وانت مسؤول عن ترك اولادك لبلدهم بالدرجة الاولى. ثم تابعت، فنحن هنا المجموعة الصغيرة من المهندسين نشكل نواة المجتمع، والمجتمع يتألف من عدة الاف من النويات واذا التزمت كل نواة في مجال تخصصها بتطبيق القانون فسيكون هناك بلد نورثه لابنائنا فيه ما يستحق الحياة، وهذه مسؤوليتنا جميعاً وليست مقتصرة على احد او جيل دون اخر.
 
من منا لم يسمع عن توماس اديسون التي ذكرت قصة حياته، ان امه اضطرت الى سحبه من المدرسة لانه طرد منها، فمدرسته وصفته بأنه مشوش التفكير وليس له القدرة على التفكير بشكل سليم. امضى اديسون فترة قصيرة في المدرسة لا تتجاوز بضعة اشهر، حيث كان يعاني من ضعف في السمع نتيجة مرض الحمى القرمزية والتي ادت فيما بعد ان يفقد جزءاً من سمعه بصورة كبيرة. بعد ان طرد توماس من المدرسة كانت امه تقوم برعايته وتدرسه في المنزل وشجعته على القراءة حتى قال يوما «والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدفا، وشخصا لا يمكنني خذلانه». اما اختراعاته فغيرت مجرى التاريخ وكان لها التأثير الكبير على تقدم البشرية وكان منها المصباح الكهربائي، والتصوير المتحرك، وله ما لا يقل عن الف براءة اختراع ومن احدى الشركات التي اسسها هي شركة جنرال الكتريك العملاقة. ومن اهم اقواله في حالات الفشل اثناء التجارب العلمية «لقد اكتشفت بان الالف طريقة هذه لن تنجح» وهذا القول كان يعطيه الحافز والارادة لتكرار التجارب بطرق مختلفة حتى ينجح. فالفشل ليس نهاية العالم بل هو بداية النجاح، والتشحيع الايجابي والدعم المعنوي للانسان كبيرا كان ام صغيرا يصنع المعجزات.
 
النواة في حياة اديسون كانت امه التي كان لها تأثيرايجابي عليه وعلى البشرية جمعاء. فلولا تشجيع امه ووقوفها الى جانبه عندما طرد من المدرسة لما تطورت البشرية بهذه السرعة فمن تلميذ مطرود من المدرسة الى اعظم عالم في تاريخ البشرية.
 
المسؤولية تقع علينا جميعا في تغير حياتنا الى الافضل، والبحث عن الكفاءات وتشجيعها قولا وفعلا امر في غاية الاهمية. فحسب المعتقدات الدينية عند البشر الانسان من صنع الله ولهذا نرى ان ينعكس ذلك على حياتنا فبناء الانسان والمحافظة على حياته اهم من اي معبد قمنا ببنائه نحن بني البشر وقدسناه فيما بعد، فالبشر اهم من الحجر.
 
waelsamain@gmail.com