Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2019

تركيا وأميركا وفنزويلا: عثرة أخرى على الطريق

 الغد-إدوارد جي ستافورد – (أحوال تركية) 1/2/2019

يشعر البعض بالقلق من أن يكون تصنيف تركيا في خانة الداعمين للرئيس الفنزويلي المتأزم موقفه نيكولاس مادورو مؤشراً على احتمال أن تكون واشنطن وتركيا تتجهان نحو مواجهة جدية بسبب هذا البلد اللاتيني، خاصة في ظل التعليقات المثيرة التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون.
لكن هذا لا يبدو أمراً محتملاً؛ إذ يتوقع أعضاء الكونغرس الأميركي وكذلك مسؤولون في الأجهزة التنفيذية الأميركية ومؤسسات بحثية تُعنى بأمور السياسة الخارجية أن تقف تركيا في صف روسيا وكوبا والصين وراء الحكم غير الديمقراطي لمادورو، ويرون في ذلك دليلاً إضافياً على أن تركيا تبتعد عن الولايات المتحدة والمعسكر الديمقراطي القديم.
ليس خافياً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يشعر بالارتياح مع الولايات المتحدة، بل ويرى في الغرب بشكل عام عائقاً يمنع تركيا من تحقيق أهدافها كاملة.
كما يسهم حنينه الكبير للإمبراطورية العثمانية في صياغة سلوكه المناهض للغرب، وفي مغالاته في تقدير وضع تركيا في النظام العالمي.
يمكن بالفعل أن نقول إن موقع تركيا وتعدادها السكاني الكبير وما تملكه من اقتصاد يجعل منها لاعباً مهماً على الساحة العالمية، لكنه في الحقيقة يمنحها دوراً مساعداً أكثر مما يعطيها دوراً رائداً في المستقبل المنظور.
مع تكشف عمق الأزمة الفنزويلية واتضاح نتائجها، سوف تجد تركيا أن اصطفافها في معسكر روسيا والصين، وكذلك تذكير الغرب بالنمط الديمقراطي الذي يتحداهم به أردوغان، لن يعود عليها بالكثير من النفع، إذا وجدت شيئاً منه من الأساس. فلطالما عبرت تركيا عن معارضتها للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وعارضت غيرها حين فعلوا ذلك.
غير أن هذا بالطبع لم يمنع تركيا من التدخل في قبرص في العام 1974 (حيث ما تزال أنقرة تحتفظ بعشرين ألف جندي تركي رغم انقضاء 45 عاماً على هذه الأزمة)، ولا من نشر قوات في شمال غرب سورية خلال الفترة الأخيرة، حيث يجري التخطيط لإنشاء منطقة عسكرية تمتد إلى منطقة شرق نهر الفرات داخل الأراضي السورية.
وبالمثل، سوف تتدخل تركيا حين ترى أن هذا التدخل يقع ضمن سلسلة أهدافها للأمن القومي في حال امتلكت القدرة على فعل ذلك.
من الواضح أن تركيا لا تملك الكثير لمساعدة مادورو على البقاء، في حين تستطيع روسيا وكوبا لعب أدوار مهمة في دعم الرئيس الفنزويلي. وهناك دول أخرى، بينها جيران لفنزويلا مثل بوليفيا ونيكاراغوا وأوروغواي، بالإضافة إلى الصين، والتي ستقول الكثير، لكنها لن تفعل سوى القليل.
عما قريب، ستجد تركيا نفسها أمام خيار الابتعاد عن روسيا فيما يتعلق بمادورو، أو الاستمرار في وقوفها مع معسكر يقف خلف نظام غير ديمقراطي مشكوك في شرعيته وموصوم بالفساد والسلطوية. وسوف تتسبب مساندة مادورو في الإضرار بأردوغان، الذي يفخر بوصف نفسه بالرئيس الذي انتخبه الشعب، ويعتبر تركيا نموذجاً للممارسات الديمقراطية.
ما يزال مادورو محتفظاً بالسلطة بفضل الحماية التي يوفرها له عملاء المخابرات الكوبية ممن يعملون على نشر الخوف في أرجاء المجتمع الفنزويلي. ولا شك في أن لدى أردوغان من الحكمة ما يكفي ليدرك أن الغرب لا يفرض تغيير النظام على الشعب الفنزويلي، وإنما كوبا وروسيا هما اللتان تساعدان على قمع إرادة الشعب الذي يرغب في التخلص من مادورو وزمرته الحاكمة.
لحسن الحظ، يمكن تغيير اللون على الخريطة بكل سهولة، وبتكلفة قليلة على تركيا أو أردوغان. وسوف ترغب روسيا في أن يبقى مادورو في السلطة، لكن ما يهمها أكثر هو إبقاء إنتاج فنزويلا من النفط عند مستويات منخفضة، وهو الذي يبلغ في الوقت الراهن مليوناً ونصف المليون برميل يومياً فقط مقارنة بثلاثة أمثال هذا الرقم قبل سنوات قليلة، وذلك من أجل تحسين أسعار صادرات الخام الروسي في الأسواق العالمية.
سواء كان السبب معجزة تبقي مادورو في السلطة أو تفشي الفوضى الهائلة مع استمرار الصراع على السلطة، فإن انخفاض إنتاج فنزويلا النفطي هو أمر يلقى ترحيباً في موسكو.
لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لتركيا، فمن شأن عزل مادورو من منصبه وإنشاء ديمقراطية حقيقية أن يؤدي إلى زيادة إنتاج النفط في الأسواق العالمية، ومن ثم تراجع أسعار الخام. وهذه بالتأكيد أنباء يرحب بها الاقتصاد التركي.
ربما تمدنا معرفة ذلك بتفسير لما يمنع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، حتى الآن من الإشارة إلى تركيا بالاسم حين يعدد تلك الدول التي تصطف وراء مادورو.
وفي تعليقات أدلى بها مؤخراً خلال جلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قال بومبيو: “بعض الدول أعلنت صراحة انحيازها لصف الرئيس السابق مادورو. وليست الصين وروسيا وسورية وإيران سوى أربعة منها فقط.. ليس مفاجئاً أن نجد من يحكمون دولهم بغير الديمقراطية يحاولون إنقاذ مادورو من ورطته”.
باختيار بومبيو تجنب ذكر تركيا بالاسم في قائمته، فإنه يدرك جيداً الواقع المهم ويكتفي بأن يبعث برسالة: أن المؤهلات الديمقراطية في تركيا أفضل بكثير مما هي عليه في الدول الأربع التي ذكر أسماءها؛ وأن الولايات المتحدة لن تذهب إلى حد التشهير بتركيا بسبب موقفها في دعم مادورو.
وهكذا، فإن تركيا ما تزال تملك الوقت لكي تقوم بهدوء بسحب دعمها لمادورو وإزالة واحدة من العقبات التي تقف في طريق تحسين علاقتها بالولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية.
لعل تركيا تقف في منتصف هذا الطريق. ففي تعليقات نقلتها وسائل إعلام تركية، قال وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو: “المشكلة في فنزويلا تحتاج إلى حل سلمي. قالت السلطات الفنزويلية إنها منفتحة على الحوار. وعلينا أن نعمل على إرساء السلام في مختلف أرجاء هذا البلد، وعلى الجميع احترام إرادة الشعب من خلال صناديق الاقتراع”.
ولا يبدو هذا دعماً غير مشروط لمادورو، لكنه في النهاية ليس سوى صوت واحد في تركيا، وليس هو صاحب الدور الأكثر أهمية في السياسة الخارجية في أنقرة.
سيكون من الحكمة أن يستفيد أردوغان من كلمات وزير خارجيته للعمل على نقل تركيا إلى المعسكر المؤيد للديمقراطية في فنزويلا بدلاً من الوقوف مع من يستغلون أدوات سلطة الدولة لقمع إرادة الشعب.
وفي الوقت نفسه، فإن أردوغان سيستفيد من وقوفه، ووقوف بلده، مع معسكر الديمقراطية في العالم.
 
*نشر هذا المقال بعنوان: Turkey-U.S.-Venezuela: another bump in the road