Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    03-Nov-2019

العراق لم يضِع بعد .. لكنه سيفعل إذا واصلنا تجاهله

 الغد-آنا بورشفسكايا* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 15/10/2019

لم يأت التعبير عن الشعور بالإحباط خلال الاحتجاجات الشعبية العراقية التي جرت هذا الشهر من السنة العراقيين فحسب، وإنما من مواطنيهم الشيعة أيضاً. وفي الواقع، تُظهر استطلاعات الرأي أنّ الطائفية في العراق شرعت في الانحسار في السنوات الأخيرة، لتصعد في مكانها النزعة القومية، الأمر الذي يشكّل تطوراً إيجابياً في البلد.
لكنّ العراق يقف الآن عند مفترق طرق. فمع اتساع رقعة المظاهرات السلمية والعفوية، فتحت الأجهزة الأمنية نيرانها على المحتجين، وفرضت حظر التجول العام وقطعت الإنترنت.
 
* *
ما يزال النقاش المفتوح والاحتجاج السلمي الحر أمران نادران في العالم العربي. لكنني شاهدت الأمرين معاً هذا الشهر عندما سافرتُ إلى العراق.
ذهبتُ إلى هناك لأحضر مؤتمراً جرى فيه نقاش بين رجال ونساء عراقيين، والذين طرحوا خلاله علانية أسئلة صعبة على حكومتهم. ورأيتُ أيضاً مجموعة صغيرة من المتظاهرين المسالمين في الأول من تشرين الأول (أكتوبر). وفي تلك اللحظة، وقف أفراد قوات الأمن يراقبون بكل هدوء.
بعد مضي ستة عشر عاماً على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بنظام صدام حسين، يواجه العراق تحديات هائلة، إلا أنه ما يزال يتمتع بدرجة من الحرية لا تتمتع بها أي دولة في الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل -وربما تونس. وإذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل العراق، فسوف تضيع هذه الحرية الهشّة التي حققها البلد بشقّ الأنفس.
يشكل توافر الأمن والفرص الاقتصادية أمراً هاماً للعراق. وقد احتج العراقيون هذا الشهر لأنهم سئموا، محقين، من نقص الخدمات الأساسية وتفشي الفساد والبطالة على نطاق واسع، فضلاً عن النفوذ الإيراني المتزايد في بلادهم.
ولا يأتي هذا التعبير عن الشعور بالإحباط من السنة العراقيين فحسب، وإنما من الشيعة أيضاً. وفي الواقع، تُظهر استطلاعات الرأي أنّ الطائفية في العراق شرعت في الانحسار في السنوات الأخيرة، لتنمو في مكانها النزعة القومية، الأمر الذي يشكّل تطوراً إيجابياً في البلد.
لكنّ العراق يقف الآن عند مفترق طرق. فمع اتساع رقعة المظاهرات السلمية والعفوية، فتحت الأجهزة الأمنية نيرانها على المحتجين، وفرضت حظر التجول العام وقطعت الإنترنت.
وخلال فترة الاحتجاجات، قُتل أكثر من 100 متظاهر وسقط آلاف الجرحى. وأدان الرئيس العراقي برهم صالح استخدام القوة الفتاكة ضد المحتجين ووعد بمقاضاة المسؤولين. وأصبح الأمر متروكا للحكومة لمتابعة الوفاء بهذا الوعد، وتنفيذ إصلاحات حقيقية. ولكن، لا يمكن للولايات المتحدة الابتعاد عن ذلك.
أثناء فترة وجودي في بغداد، تحوّل تفكيري بين الحين والآخر إلى روسيا، البلد الذي ولدتُ فيه -والذي أضاع فرصة انتقاله إلى الديمقراطية في التسعينيات. ونتيجة لذلك برز فلاديمير بوتين، وأعاد تعزيز السلطة ونزع الديمقراطية الناشئة في روسيا في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي.
لا أستطيع أن أتحدث باسم الجميع، لكن البعض في بغداد أعربوا لي بصورة شخصية عن قلقهم الخاص من أنه إذا لم تتغير الأمور قريباً، فإنهم يخشون من ظهور زعيم قوي آخر.
وهذا هو آخر ما يريدون حدوثه، لأن الأمن الذي يُروج له الرجال الأقوياء المحتملين غالباً ما يكون وهمياً، ولأن الطغاة جلبوا، على مرّ التاريخ، الخراب بدلاً من المساهمة في نهضة البلاد.
إنّ العراقيين محقون في الاحتجاج على النفوذ الإيراني الراسخ والمتنامي في بلادهم، ولكنّ الوضع أسوأ مما قد يدركون. فهناك استبداديون آخرون يركزون أعينهم أيضاً على العراق، ومن دون تدخل أميركي، سيكون من السهل عليهم أن يشقوا طريقهم إلى البلج وينجحوا.
كان الكرملين – الذي عارض بشدة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003 – قد عمل لسنوات من أجل العودة إلى العراق، وسارع من جهوده في هذا الصدد في السنوات الأخيرة. وفي الآونة الأخيرة، وافقت تركيا أيضاً على دعم الكهرباء في العراق، بينما لجأت بغداد إلى الصين كذلك لتمويل عملية إعادة الإعمار.
بدأت حالة الإرهاق التي عانت منها الولايات المتحدة في العراق قبل سنوات. وقام باراك أوباما، الذي كان في ذلك الوقت السيناتور الديمقراطي عن ولاية إلينوي، بحملة لإخراج القوات الأميركية من البلاد. وقد مرّ ما يقرب من عقد من الزمن منذ أن جاء وزير الدفاع في ذلك الحين، ليون بانيتا، إلى بغداد لإنهاء المهمة الأميركية رسمياً، وهو ما خلق فراغا سرعان ما ملأه تنظيم “داعش”. واليوم، يتحدث الأميركيون -والرئيس ترامب- بشكل متزايد عن الخروج من “الحروب التي لا تنتهي”.
يمكن قَول الكثير عن الأخطاء التي ارتُكبت بعد غزو العراق في العام 2003، ولكن لا يمكن إنكار أنه جلب الحرية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنّ 40 في المائة من العراقيين ولدوا بعد العام 2003، وهم لا يعرفون سوى ديمقراطية العراق غير المستقرة. ولكن، مع تلاشي صدام وحقبته من الذاكرة، من المحتمل أن يصدّقوا الوعود البديلة بقدر أكبر.
إن العراق لم يضِع بعد. ولكن، إذا استمرينا في تجاهله، فإنه سيضيع قريباً.
*زميلة رفيعة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.