Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Feb-2016

النمساوي ستيفان زفايغ في حكايته الأوروبية: احباط المنفى

«القدس العربي»: تكثر المناسبات للحديث عن كاتب كستيفان زفايغ، وقد تكون ما نشرته الصحافة قبل أيام عن كتاب جديد يتحدّث عن المثقّفين الأوروبيين المنفيين، زفايغ واحد منهم، أو عرض فيلم «فندق بودابست الكبير» للمخرج وِس أندرسن قبل سنتيْن، الذي قال في أكثر من مناسبة بأنّ الفيلم مستوحى من أعمال زفايغ وشخصياته، أو تحويل أحد كتبه إلى أعمال مسرحيّة.
لكن قناة ARTE الفرنسية/الألمانية الثقافية عرضت فيلماً وثائقياً عن حياة الكاتب النمساوي بعنوان «ستيفان زڤفيغ: حكاية أوروبي»، قبل أيام، في زمن قد تحتاج فيه أوروبا لتذكير ذاتها بما يمكن أن يمثّله الكاتب.
يبدأ الفيلم تعريفه لصاحب «رحلة في الماضي» بأنّه أحد الكتّاب الأكثر غموضاً في القرن العشرين، وأنّه اليوم أحد أكثر الكتّاب قراءة في العالم. والأكثر ترجمة في زمنه. منهياً التعريف بأنّنا لم نعد نعدّ الكتب التي تتناول حياته وأعماله ولا كذلك الأفلام المستوحاة من تلك الأعمال.
وينتهي بحادثة انتحاره وزوجته في 22/2/1942، في بيته في البرازيل، بعدما أمضى اليوم السابق بتصنيف أوراقه وكتابة بعض الرسائل ممهداً لانتحاره. منها كانت رسالة إلى السلطات البرازيلية مصرّحاً بأنّه ينتحر بملء إرادته. فيموت بهدوء لا يشبه الحياة التي عاشها بين الحربيْن.
وكان للفيلم موضوع أساسي حاول من خلاله قراءة حياة زفايغ. لنصل إلى انتحاره أخيراً، ما بدا نوعاً من الإحباط من العودة بالزّمن إلى العالم الذي مثّله والذي حلم به: أوروبا الكوزموبوليتيّة، المتعدّدة والمنفتحة على نفسها وعلى الآخرين. وهذا ما يعطي للفيلم قيمةً إضافيّة.
وكان صاحب «رسالة من مجهولة» انساناً أوروبياً نموذجياً، مسالماً حدَّ استنكار آخرين لذلك، مقيماً إضافة إلى النمسا وألمانيا، في باريس ولندن وروما، قبل أن يغادر إلى نيويورك فالبرازيل، وهو كذلك يتقن خمس لغات أوروبية. وكانت حياته معاصرة للحربيْن العالميتيْن ومتأثّرة بهما بشكل مباشر وشخصي. فشتّته الحرب العالميّة الثانية كما شتّتت القارة الأوروبيّة.
بدأ صاحب «أموك» حياته الكتابيّة بالشعر، لكنّه سرعان ما توقّف عن كتابته ليشتهر لاحقاً بنوعيْن لا يُعرف بأنّهما يجذبان الكثير من الكتّاب، في الأدب كتب النوفيلا (الرّواية القصيرة) ورواية واحدة هي أقرب للسيرة الذاتيّة، «عالم الأمس». وفي غير الأدب كتب السيَر الذاتيّة، العديد، منها «نيتشه وماري أنطوانيت وبلزاك ودوستويفسكي وآخرون»، إضافة إلى المسرح والرّسائل.
نأى زفايغ بنفسه عن اتّخاذ موقف سياسي صريح من أيّ جهة، حتى النازيّة لم يتّخذ موقفاً ضدّها في البداية، لكنّه ترك البلاد باكراً، والنّازيون حظروا أعماله حين وصلوا إلى السلطة، فمُنع من النشر في ألمانيا كونه يهوديا، وأكثر من ذلك، فقد أُجريت في برلين عام 1933 عمليّات حرق جماعيّة في ساحات عامّة لكتبه وآخرين وُلدوا يهوداً كسيغموند فرويد وتوماس مان، الذي نال جائزة نوبل.
صار زفايغ في حينها عدوّاً قومياً لألمانيا. لكن الأسوأ من الحرق كان أنّه خسر ناشره، ولم يعد يجد من ينشر له بالألمانيّة، اللغة التي يكتب بها.
والأمر ذاته في ما يخصّ الاتحاد السوفييتي، فقد زار موسكو بدعوة من ماكسيم غوركي، وعاد منها من دون أن يكتب ضدّ السوفييت، كان يؤمن بإمكان الوصول إلى عالم أفضل، لكنه لم يكن يجد ذلك في المثال السوفييتي. أما الصحافة في بلاده فهاجمته فور عودته لرفضه إدانة السوفييت.
بالقدر الذي كان فيه زفايغ أوروبياً، في قارة مكوّنة من عدّة قوميات، لم يمرّ زمن من دون أن تتحارب، كان كذلك رافضاً للانحيازات القوميّة، هذا كان مأخذه الأساسي على النازيين قبل أن يتوحّشوا، وهو كذلك مأخذه على الصهيونية. رفض فكرة أن يتم تجميع اليهود في بلد واحد، وقبله رفض فكرة أن لا يكون اليهود جزءاً مكوّناً للمجتمعات الأوروبيّة والغربيّة.
قد يكون من المناسب أن يُعرض الفيلم في هذه الأيّام، في ذكرى وفاته الـ74، للتذكير بصاحب «24 ساعة في حياة امرأة» وبأوروبّيته، في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية بسبعين عاماً، إنّما زمن يتقدّم فيه اليمين المتطرّف في انتخابات أكثر من دولة أوروبيّة، والفاشيّة تطلّ برأسها، بلا خجل.
 
سليم البيك