Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Mar-2020

“كورونا”.. حين ترفع الطبيعة إصبعها في وجهنا مُحذّرة!*إبراهيم جابر إبراهيم

 الغد

الذي يحدث في الكون فانتازيا حقيقية، أعقل منها بكثير مسرح اللامعقول، وكأنّ سوء فهم كبيرا حدث فجأة بين الطبيعة وأبنائها.
لكنّ الأمر لم يبدأ الآن.
فهذه السريالية التي نعيشها لم تبدأ مع فيروس كورونا، بل منذ بداية هذا القرن، .. حين لم يكن معقولاً ولا مفهوماً ما نشهده منذ حوالي عقدين من الزمان. حتى بات الإحساس الأول عند الناس أن العالم قد انجَنّ!
فكلّ ما كان يحدث مِنّا، أو يحدث لنا يدعو للتعجّب، وغير معقول، سواء ما يحدث للناس أو ما يصنعه الناس!
والطبيعة غاضبة، أو حزينة، أو مُشفقة، فتظلّ ترسل لنا برسائلها.
لكننا ما عدنا نفهم قوانينها، وفيزياءها وكيمياءها، أو أنّها ضجرت من غلوّنا في كل شيء، فما عادت تعبأ بوجودنا على سفوحها وفوق جبالها. وراحت تتصرف على هواها.
الطبيعة غير راضية، وتبدي رأيها الساخط على تطرّف البشر. ويجيء ذلك أحياناً في رسائل تحذيرية مخفّفة تحاول لفت انتباه الناس، كما حدث قبل سنوات قليلة حين تساقط الثلج الأصفر فوق كوريا الجنوبية، أو يجيء على شكل وباء غير رحيم كما يحدث الآن!
منذ سنوات والعالَم، إذا كنا نقصد فيزياءه ومكوناته الطبيعية ومعادلات توازنه الجيولوجي والفلكي، قد ضاق ذرعا بما يفعله سكانه غير المهذبين على الإطلاق، وراح بتصرفاته كما لو أنه يتذمر!
وشاركت الحيوانات الأليفة في مشهد تذمّر الطبيعة من البشر، حتى الدجاجات؛ الكائنات الأليفة جدا، والمسالمة حدّ تعطيل أجنحتها عن الطيران طواعية، لم تطق، وصارت تعطس في وجه البشر فيروسات لا يقوى على ردها أحد!
والبقر… التي أكتاف ثلاثة أرباع سكان العالم من لحمها فقدت عقلها، فيما سُمّي “جنون البقر”، وقفزت من ثلاجات الأجبان تنظر في بعضها وتضحك!
والمحيطات التي عاشت حُسن جوار تاريخيا مع بيوت الصفيح وعِشش الفقراء ضجّت واكتسحت القرى والبيوت، بل إنها في أميركا اقتلعت ولاية كاملة من شروشها!
البحار لم تتورع عن ابتلاع البواخر، والسماء ركلت الكثير من الطائرات، والأرض تململت في كثير من جلساتها وألقت بالسقوف فوق أصحابها، ولم يعد يمر يوم من دون احتجاج شديد اللهجة تبديه الطبيعة تجاه ما يحدث!
لكن السكان غير المهذبين لم يرتدعوا عن نواياهم السيئة.
..
ربما تبدي الطبيعة تذمّرها كل بضعة عقود، تتذمر من قسوتنا التي تمادت، من مادّيتنا، من موت الإنسان فينا، من بشاعة حروبنا. فترفع إصبعها في وجوهنا مُحذرة، وساخطةً،.. لكننا نشعر بالفزع لأيام أو لأسابيع، ثم نعود لتجبّرنا واستبدادنا ببعضنا بعضا، واستبدادنا بالأرض الخرساء وبالكائنات الضعيفة وبالنبات وبالهواء وبالسماء.
حدث الكثير في العصر الماضي، من أوبئة وكوارث، كالطاعون، والانفلونزا الإسبانية التي قتلت خمسين مليوناً من البشر، لكن العالم كان يستقبل موته بهدوء، ولم يكن ثمة ميكروفونات للبكاء والعويل، ولم يكن “تويتر” و”فيسبوك” لتبادل المراثي. ولم يكن لينتشر الفزع بين الناس الى هذا الحدّ.
وهنا يطرحُ سوال ضخمٌ نفسه: هل ما زال الإنسان على جبروته سيّد نفسه أم صار عبداً للأدوات؟!
للإجابة عن هذا السؤال يكفي أن تتخيل في هذا الظرف المفزع انقطاع الإنترنت من العالم كله الآن!