الدستور-حاوره: سليم النجار
يحتفل الأديب زهير توفيق، الذي يشتغل بالمعرفة كنهج فلسفي التي هي غايته الأسمى والقصوى، وكنز الحكمة والذوق والكشف- بالمعرفة مُتجاوزًا البعد المادي بمعناه التقليدي معبِرًا عن ذلك بلغة جديدة، حيث يعطي أهمية كبيرة للحس والخيال والذوق والحدس بدلاً عن سيطرة العقل واستبداده.
يضعنا زهير توفيق في اشتغاله في الفلسفة بطريقته السردية الخاصة أمام عملية خلق عالم يدعو للتساؤل مواز، من خلاله يمكن أن ننظر إلى عالمنا الواقعي المادي ويمكن أن نفهمه ونفسره.
عبر هذا الحوار نعيش معه زمنه السردي المعرفي في أزمنة تخييلية عبر الاسترجاع والإرشادات الثقافية والرمزية.
* هل تواجه الثقافة العربية أزمة ما؟
- طبعاً هناك أزمة، وهناك إجماع عليها بين المعنيين، لكن الخلاف بيننا على دلالتها وأبعادها، ومردودها، وعلاقتها بالأزمة المجتمعية العامة. ترتبط أزمة الثقافة بما هو سائد بغض النظر عن النخب التي تنتج ثقافة رفيعة، والملفت للنظر أن السائد والنخبوي يعاني من نفس الأعراض، وهو الكم الهائل من المعروض الثقافي التقليدي الذي يتحاشى النظر والخوض في القضايا المصيرية مباشرة خوفاً أو عجزاً أو انتهازية، وبالتالي تدني المستوى والتجريد والمجانية والتغريب والخفة، والكم على حساب النوع، والنرجسية التي تهتم بالحضور أكثر من اهتمامها بالمنجز الحقيقي، والخلفية التقليدية السلفية للثقافة والمثقف التي تمحو الروح من ذاتها بعيداً عن العصر والمنطق، والاتكاء على النموذج الغربي في ثقافة التغريب - باسم الحداثة والتحديث - معياراً كونياً لجودة العمل الإبداعي.
تتصف الثقافة المأزومة بالازدواجية والتناقض وغياب المشاريع والمراوحة في المكان، وإعادة إنتاج الذات، فغالبا ما يكرر الكاتب نفسه ولا يحقق القطيعة المعرفية مع تاريخه وبداياته، والتقدم إلى الأمام، وبالمحصلة ينتج العمل العاشر بمواصفات العمل الأول ومستواه.
* هل هناك فلسفة عربية معاصرة؟!
- هذا سؤال استنكاري وغالباً ما يطرح الموضوع في الثقافة والإعلام الصحفي للحطّ من الجهود الفكرية والفلسفية العربية، طبعا لا يوجد فلسفة عربية مستقلة ولكن هناك اتجاهات وأيديولوجيات ومذاهب ومناهج فلسفية، تستوحي فلسفات التراث العربي الإسلامي أو الفلسفات الغربية الحديثة والمعاصرة، أو تيارات تزاوج بين الطرفين، فهناك عبد الرحمن بدوي الوجودي، وزكي نجيب محمود التجريبي، ومحمد عزيز الحبابي الشخصاني، وعبد الله العروي التاريخاني، والطيب تيزيني الماركسي...إلخ، وهناك تيارات ونزعات فلسفية مثالية عربية خاصة حاول أصحابها اجتراح مأثرة كبرى بابتكار فلسفة من نوع خاص، لكنها بالنتيجة وباختصار لم تحقق طموحها ولا وعودها فانطوت تلك المشاريع والفلسفات على التلفيق والتوفيق بين المتناقضات،ومن ذلك الرحمانية لزكي الأرسوزي، والتعادلية لتوفيق الحكيم، والجوانية لعثمان أمين، وفلسفة رينيه حبشي وشارل مالك وغيرهم،وحتى تقوم فلسفة عربية خاصة لا بد من تحقيق الاستقلال التاريخي للذات العربية (فك التبعية )، ونهضة ثقافية معترف بها عالمياً، وتطور إنتاجي شامل، وانحياز السلطة السياسية للفلسفة أو تركها وشأنها بدون تدخل أو إقصاء، ومناخ ديمقراطي حر، وقاعدة معرفية عقلانية تحرر موضوعات الفلسفة من هيمنة الفكر الديني والسياسة، وهذا النقص (عدم وجود فلسفة عربية ) لا يقلل من أهمية ما أنجزه الفكر العربي الحديث والمعاصر من أعمال فلسفية ومشاريع فكرية تركيبية، من شبلي الشميل واسماعيل مظهر في عصر النهضة العربية، إلى العروي والجابري وحسن حنفي في الفكر المعاصر
* هل عشنا التنوير أم بقي الموضوع أسير الدراسة والتنظير؟
- أولاً هناك خلط كبير بين مفهومي النهضة والتنوير قياساً على الفكر الأوروبي، فهناك أولاً النهضة (العصور الحديثة) التي بدأت في ايطاليا في القرن الخامس عشر والسادس عشر، بعد عصر الإقطاع، ومنه انتشرت في أوروبا، وثيمتها الأساسية الإنسانوية؛ أي جعل الإنسان والدنيوي مركز الاهتمام بدلاً عن الدين والإله ولأخروية، واستبدال أرسطو بأفلاطون، وإحياء أو بعث الآداب القديمة اليونانية والرومانية،أما التنوير فهو تراث القرن الثامن عشر في ألمانيا وفرنسا تحديدا، وثيمته الأساسية العقل والنقد أي جعل العقل سلطة مركزية ومرجعية لا تعلوها مرجعية ولا سلطة ولخصه الفيلسوف العظيم كانط بعبارته :كن شجاعاً واستعمل عقلك، وعليه، فالتنوير والنهضة في أوروبا حقائق تاريخية واقعية، أما عربياً فلم نحقق لا التنوير ولا النهضة، وكل ما هنالك مشروع نهضة قيد الإنشاء، فشل من حيث المبدأ في تحقيق وعوده بسبب تناقضاته الذاتية، وكان قابلاً للتصفية من حيث المبدأ، وهذا ما ناقشته في أحد كتبي (النهضة المهدورة).
* ماذا عن جمعية النقاد الأردنيين التي أنت رئيسها؟
* تشرفت برئاسة الجمعية في الدورة الحالية، ورغم صعوبات العمل وقيود الكورونا إلا أننا قدمنا الكثير أنا والزملاء في الهيئة الإدارية وبمساعدة الزملاء النقاد في الهيئة العامة، فقد عقدنا عشر ندوات خاصة بمئوية الدولة الأردنية،وسلطنا الضوء فيها على المنجز الثقافي الأردني، وسنصدر الأبحاث في كتاب، وعندنا المؤتمر النقدي أواخر شهر تموز يوليو - التي تأجل عن موعده - سبب الكورونا بمشاركة عربية ومحلية واسعة وعقدنا شراكات مع الكثير من المؤسسات الثقافية وشاركنا في العديد من الفعاليات داخليا وخارجيا ومجموع فعالياتنا من شهر آب أغسطس 2020 حتى الآن أكثر من ثلاثين فاعلية، وهمنا في المرحلة الراهنة البحث عن مقر يليق بالجمعية.