Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jul-2017

فهم ملتوٍ لمعنى التجديد - ابراهيم العجلوني
 
الراي - يريد منا السيد جمال ناجي رئيس تحرير مجلة افكار التي تصدرها وزارة الثقافة استحداث «خطاب ثقافي جديد» تتحرر به - حسب قوله في افتتاحية العدد 340 من المجلة - «من ارث الملفات المتقادمة ذات الصلة بالادباء اصحاب القامات العالية الذين فارقوا الحياة».
 
وقد نفهم معنى «الجدة» التي يريدها السيد جمال ناجي من حديث غامض له في الافتتاحية نفسها عن ما يسميه «اعادة تحليل وتأهيل» مبررها عنده «أن ما كان ممكناً فيما مضى من العقود لم يعد ممكناً الان», وأنه يريد «ملفات ثقافية محاثية – وليتنا نعرف معنى المحاثية هنا – قادرة على التقاط القضايا الثقافية التي تسهم في تحولات عالمنا».
 
فاذا استوى لنا فهم من أية درجة أو على اي نحو مما سبق فإن من طوقنا أن نحدس بما يريده رئيس تحرير المجلة الثقافية الاردنية الاولى «افكار» في فزعته «الانقلابية» هذه على الاباء والاجداد وان نتصور ذلك لون تصوّر في النقاط التالية:
 
اولاً: لا ينبغي لنا, في ضوء عملية اعادة التحليل والتأهيل التي ينادي بها السيد جمال ناجي, الحديث عن شخصيات ادبية اردنية أو فلسطينية مثل عرار وخليل السكاكيني والبدوي الملثم ومحمد اديب العامري واسحق موسى الحسيني, وابراهيم طوقان واديب عباسي وعبدالحليم عباس وخالد الساكت وحسن فريز ومحمد صبحي ابو غنيمة ورفعت الصليبي وشكري شعشاعة وتيسير سبول ومؤنس الرزاز وفايز محمود وادوارد عويس وابراهيم المبيضين وعيسى الناعوري وأمين شنّار, وكثير غيرهم, بحجة أن «اصحاب هذه القامات قد فارقوا الحياة».
 
وإنه لتحصيل حاصل, بحسب هذه النظرة, أن يكف اخواننا المصريون عن كل حديث يتعلق بنجيب محفوظ ويوسف ادريس وامل دنقل وصلاح عبدالصبور وعلي محمود طه واحمد شوقي وطه حسين والرافعي ومحمود حسن اسماعيل, وكثير غيرهم بحجة «ان اصحاب هذه القامات قد فارقوا الحياة».
 
ولا نريد أن نذهب وراء ذلك في بيان تهافت هذه الحجة, وكونها دليلاً على فهم ملتو وقاصر لمعنى التجديد, لأن ذلك سينتهي بنا الى واقعة رفض نزقة لكل مقومات شخصيتنا الثقافية (الاردنية العربية الاسلامية) منذ بزوغ فجر الاسلام الى اللحظة التي حظيت فيها «افكار» بالقاص المجدّد السيد جمال ناجي, وبخطابه الثقافي الذي يقوم عنده على ما يراه تحليلاً (وما ثمة تحليل ولا تأويل) أو على ما يراه تأهيلاً (وما ثمة الا دعوى لا نحب الخوض هنا في اساسها الفكري والنفسي).
 
ثانياً: نفهم من كلام السيد جمال ناجي أنه يتصور ان الاسهام «في تحولات عالمنا» يقتضي التنكر من ارث اعلام الفكر والادب السابقين, وتلك دعوى تقوم الشواهد في «عالمنا المعاصر» على بطلانها, وحسبك أن تنظر - إن كنت تصبر لذلك - في اداب الامم التي تسهم اليوم في «تحولات عالمنا» اسهاماً عظيماً, كالروس والصينيين واليابانيين والهنود والفرنسيين والاسبان.. اتراهم تنكروا لاولئك «الذين فارقوا الحياة» كما يقول السيد جمال ناجي بصريح العبارة.
 
ثالثاً: لقد كان مما قاله الشاعر والناقد الانجليزي «توماس ستيربر اليوت» إن اكثر الادباء قدرة على التجديد هم الذين نتبين في أصواتهم نبرات الاجداد.
 
وكان مما قاله «ميشيل فوكو» في كتابه: «الخطاب الثقافي» - وكذلك في كتابه عن «حفريات المعرفة» - ان خطابنا الثقافي - في اوروبا - يمتد منذ ما قبل طاليس الى ما بعد سوسير.. ولم نر أياً من هذين الناقدين المفكرين ولا احداً ممن فهموا معنى الحداثة والتجديد, ذهب الى ضرورة طي ملفات اولئك «الذين فارقوا الحياة» على نحو ما ذهب محرر افكار المجدد.
 
ولعل السيد جمال الناجي لم يسمع بالارسطيين الجدد,–نسبة الى ارسطو - وبالكانتيين الجدد - نسبة الى عمانوئيل كانت- وبالهيجليين الجدد - نسبة الى هيجل. إذ أن أول ما يتبادر الى الذهن السليم أن هؤلاء جميعاً بنوا أفكارهم وفلسفاتهم على ما كان قاله اولئك «الذين فارقوا الحياة» وأنهم صدروا في «ملفاتهم الجديدة» عما كانوا أبدعوه.
 
***
 
إن ما نتبيّنه من تهالك هذه الدعوى الداحضة قد يدفعنا الى «اعادة تحليل» أعمال السيد جمال ناجي نفسه, فلربما أمكن لنا ان «نؤهل» أنفسنا لمزيد فهم للبنية الشعورية والفكرية التي تكمن وراء هذه الدعوى التي نعتبر هذه الكلمة مقاربة اولى لها, ونعد قراءنا بمزيد كشف وإيضاح لمنطلقاتها وغاياتها, وللحديث صلة.. بل صلات.