Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Jul-2017

القراءة الرشيدة.. ! - د. زيد حمزة
 
الراي - ( القراءة الرشيدة ) هو عنوان الكتاب الذي تعلمنا فيه القراءة في الصف الاول الابتدائي وبقي يُدرَّس من بعدنا لعدة عقود وكان اسمه الشائع ( راس روس ) بدون همزة على حرفي�' المد كأسلوب لم ندرك كنهه آنذاك لكن�' ثبتت�' لدينا نجاعتُه كما تبينت�' أهميتَه دولٌ أخرى في وقت لاحق فجرى البناء عليه وتطويره واستمرت عندنا عملية تحديث المناهج المدرسية بمجملها كي تتماهى مع التغيرات التي تطرأ على جميع مناحي الحياة ما جعل وزارة المعارف رغم ضعف ميزانيتها وافتقارها للكفاءات تجتهد في انتقاء الكتب المدرسية المناسبة المستعملة في مدارس فلسطين او مصر وسوريا ولبنان ربما دون أن تعلم أنها أو معظمها كانت متأثرة لدرجة أو أخرى بسياسات وتوجيهات الاستعماري�'ن البريطاني والفرنسي قبل ان ينشأ عندنا مكتب المعلومات الاميركي ويبدأ نشاطه في خمسينات القرن الماضي ، وبقي الحال كذلك حتى هزيمة حزيران 1967 التي زلزلت اركان مجتمعاتنا العربية في مختلف الميادين وبدأت تداعياتها السلبية تتفاقم على أصعدة متعددة فاصبحت الفرصة مواتية للفكر الديني المتشدد بدعم المال النفطي كي يستغل انهيارنا المعنوي فيتسلل الى مناهج مدارسنا وعقول معلمينا وطلابنا على هدي مخططات استعمارية استخبارية اجنبية كشف روبرت درايفوس اكثر اسرارها في كتابه (لعبة الشيطان ) Devil’s Game الذي صدر عام 2005 وفضح بالوثائق والتقارير السرية المفرج عنها دور دولٍ بعينها نجحت في تمويل وتدريب واطلاق العنان لقوى الاصولية الاسلامية كي تنتشر سياسياً وتتغلغل ثقافياً وتقوم بالمهمة الموكلة اليها في عرقلة تقدم المجتمعات ومحاولة حبسها في وهم الماضي حتى وصلت بنا أخيراً الى عصر داعش وسنوات الارهاب والذبح باسم الدين !
 
وللتاريخ اريد أن اذكّر هنا ببرنامج حواري قدمه التلفزيون الاردني في منتصف سبعينات القرن الماضي واحتوت احدى حلقاته التي شاركتُ فيها على مناقشة مناهج التربية والتعليم وكيف بدأت منذ العام 1970 تتعرض لتغييرات ضارة بتسريب الفكر المتعصب الى كتبها وحشره في معظم المواضيع المقررة ، ولم يتوان معد البرنامج اثناء الفاصل عن الاشارة للمسؤولين عن ذلك باسمائهم الصريحة ! وللانصاف ايضاً اريد هنا أن أسجل بأن قوى واعية كثيرة لم تقف مكتوفة الايدي بل راحت تقرع عالياً أجراس التحذير من اخطار ذلك على مستقبل الوطن لكن الجهات المسؤولة كانت تصمّ آذانها اكثر الاحيان ولا تملك في احيان اخرى الا التجاوب بمحاولات خجولة لعمل شيء ما كتشكيل لجان لاصلاح التعليم ويمضي الوقت بطيئاً دون ان تتمخض عن نتائج تذكر ربما لأن اكثر اعضائها كانوا ممن ساهموا في تأليف المناهج المشكو منها !
 
وحينما فاض الكيل في السنوات الاخيرة ولم يعد الحديث عن سوء المناهج متواريا خلف الابواب المغلقة بل خرج الى العلن ، وكرد فعل قامت مرة أخرى مبادرات حكومية ايجابية احبطتها نفس القوى التي تكره التقدم وتصر على العيش في الماضي، الى ان انفجر مؤخراً سجال ساخن عبر وسائل الاعلام وعلى مختلف المنابر ووصل احيانا حد الصدام بين مثقفين وناشطين سياسيين وخبراء في التعليم ينتقدون المناهج القديمة ويطالبون ((بنفضها)) من اساسها للتخلص من هيمنة الفكر الغيبي التكفيري عليها ، وبين أولئك المتمسكين بها بحجة اعتمادها على كتب الأولين، وقد رأى وزير التربية السابق ان بامكانه التوفيق بين آراء الفريقين لكن دون جدوى فخرج الوطن بخفي حنين إلا من تعديل وزاري حظي بترحيب واسع وآمال جديدة لا تخلو من التوجس والخشية أن تُغلَّ يد الوزير المستنير فلا يتمكن من تحقيق ما ينوي تحقيقه في التربية والتعليم كما حدث لغيره من قبل أو في وزارات أخرى !
 
وبعد.. في هذا الشأن الهام ينصح مثقف أحترم رأيه بعدم الانشغال بجهود متفرقة في تغيير صورة في هذا الكتاب أو سطور قليلة في ذاك لأن التكفيريين قادرون على افتعال معركة يستثيرون فيها الجهلاء للاصطفاف معهم بحجة الدفاع عن التقاليد والتراث ، وبدلا من ذلك المطالبة بادخال علوم الفلك الى المناهج فهي تحوي من الحقائق الكونية الثابتة ما يطرد الخرافة من عقول تلاميذنا وينقذهم من الاوهام المتوارثة عبر الاجيال ، وفي هذا الصدد ايضاً يوصي المؤتمر الفلسفي العربي التاسع الذي عقد في عمان في شهر أيار الماضي بضرورة عودة وزارات التربية والتعليم في العالم العربي لتعليم الفلسفة في المدارس، وأضيف من ناحيتي الى ضرورة العودة لدروس الفن بكل انواعه بعد ما غُيبِّت�' لفترة طويلة بدعوى انها حرام وهي التي تنتعش بها النفوس وتُزهر المشاعر.
 
ترى من ذا الذي ينكر أن النور يطرد الظلام !؟