Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Sep-2017

سمات الأردنيين والأمن الاقتصادي أساس استقرارنا - م. وائل سامي السماعين
 
الراي - يخرج علينا الكثير من المنظرين في الداخل والخارج وهم ربما الاكثر استفادة من الاستقرار في البلد، بان مرد بقائنا على الوجود ما هو الا نتيجة الحماية الاسرائيلية للاردن، ويغفل هؤلاء التاريخ الاردني الحديث الذي يمتد الى العشرينات من القرن الماضي وكيف تمكن الاردنيون من بناء وطنهم بالحكمة والصبر والولاء المنقطع النظير، والاهم من هذا وذاك سمات الشخصية المعتدلة للاردني والقيم الانسانية الاساسية التي يتحلى بها، مثل احترام الآخر وتقبل ثقافة الاخر وقبوله في المجتمع بدون تحفظات، هي التي مكنت الاردن من تخطي الصعاب، بينما يتناسون ان اسرائيل كيان قد يكون هشا لولا قوتها العسكرية لما تمكنت من الاستمرارية.
 
فها هي اسرائيل لا تريد ان تقبل الاخر وتعيش معه بسلام. لجأ الارمن الى الاردن بعد ان فروا من المذابح التي ارتكبت بحقهم في الحرب العالمية الاولى من قبل الدولة العثمانية، واستقروا في معان والشوبك والكرك ومادبا ومعظمهم يعيش حاليا في عمان. وكذلك الشركس الذين فروا من الحرب التي شنت عليهم من روسيا القيصرية ولجأوا الى الاردن واستقروا فيها. اضف الى السريان والكلدانيين الذين فروا من المجازر التي حلت بهم ابتداءً بتيمورلنك في القرن الرابع عشر مرورا ببدر خان بداية القرن التاسع عشر والتي ادت الى هجرة البعض منهم الى الاردن. ففي جميع الحالات كانت هذه الفئات من اعراق واديان مختلفة، واضطهدوا بسبب دينهم او عرقهم في بلادهم، ولكن الاردنيين رحبوا بهم واصبحوا مواطنين اردنيين لهم كامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات، وتقلدوا المناصب العليا في البلاد واتيحت لهم فرص لم يكونوا يحلمون بها. ثم توالت بعد ذلك الهجرات الى الاردن اما بسبب الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والاردنية في ذلك الوقت، وفرار الكثيرين من العرب من بطش حكوماتهم في القديم والحديث حيث كان يقتل البعض في بلاده على اساس هويته الدينية او المذهبية او بسبب عرقه، فاصبح الاردن الملاذ الامن لكل هؤلاء.
 
عندما وصل الهاشميون الى الاردن في بداية العشرينات من القرن الماضي بايعت العشائر الاردنية الامير عبدالله انذاك ليصبح أميرا على البلاد، حيث اسس امارة شرق الاردن في 21 نيسان 1921م وتم وضع اول دستور في عام 1928 واجريت انتخابات برلمانية في عام 1929، وفي 25 ايار عام 1946 اصبحت هناك دولة مستقلة اسمها المملكة الاردنية الهاشمية. منذ تلك اللحظة تمازجت القيادة مع الشعب لاسباب عديدة ومنها التشابه بين الصفات الحضارية الانسانية التي يتحلى بها الاردنيون وقيادتهم وعلى رأسها صفة التسامح، والعفو عند المقدرة، وقبول الاخر والاعتدال والوسطية. فسمات الاردنيين وعاداتهم العشائرية تمخضت في قانون عشائري فريد من نوعه في العالم، حيث يتمحور على التخفيف من حدة التوتر في النزاعات وحل المشاكل بالطرق السلمية والودية.
 
ان سمات الاردنيين هذه والتي تميزهم عن الاخرين وتشابهها مع سمات الهاشميين جعلت هذه التوأمة بين القيادة والشعب الخلطة السحرية لاستقرار الاردن.
 
ما زلت اذكر قصة قد تكون فريدة من نوعها حدثت ما بين القيادة وشعبها وارغب في مشاركتها مع القراء الاعزاء وكنت قد ذكرتها في مقالات سابقة. ففي منتصف السبعينات من القرن الماضي حيث كان يدرس بعض الطلاب الاردنيين في كلية بيرث للطيران في اسكتلندا، تفاجأوا ذات يوم ان المغفور له جلالة الملك حسين رحمه الله قد لبى دعوتهم بزيارتهم، حيث قام اخي انذاك مفوضا عنهم بالاتصال بالسفارة الاردنية طالبا زيارة الملك حسين لهم، وفعلا لم تمض عدة اسابيع الا وان كانت المفاجأة السارة لهم، حيث امضى عدة ساعات معهم وتناول طعام الغداء واطمأن عليهم، فكانت تلك الزيارة بمثابة زيارة الاب لابنائه بينما ما زلنا نتذكر ان بعض الطلاب العرب في ذلك الوقت كانوا اما ملاحقين او فارين من بلادهم.
 
استهداف استقرار الاردن ما زال مستمرا، ولكن بشكل اخر، فبينما كان في الخمسينات من القرن الماضي مستهدفا من قبل الاحزاب اليسارية والشيوعية والقومية والدول العربية التي تدعي القومية العربية والتي فشلت في النيل من الاردن بسبب انتماء ابنائه واخلاصهم لوطنهم وايمانهم المطلق بالحفاظ على العرش الهاشمي ووحدة واستقلال اراضيه، لان الاردنيين ارتضوا ان يكون الهاشميون حكاما لهم واستمروا على العهد اوفياء بسبب التمازج بينهم والهاشميين. اما في يومنا هذا اصبح استهداف استقرار الاردن مغايرا تماما فاصبح الواتس اب الوسيلة الاكثر استسهالاً لترويج الشائعات المغرضة والتي تفرق بين الاردنيين على اساس عنصري او ديني او قومي، او تلك الشائعات التي تنال من العشائر الاردنية وقيمها العربية الاصيلة، ولكنها ستبوء بالفشل لان الشعب الاردني بكل مكوناته واع جدا لما يحاك ضده.
 
اما الاخطر في وقتنا هذا ويحتاج الى عمل جاد هو الامن الاقتصادي وهو العامل الاخر لاستقرار الاردن.
 
قرأت تقريرا يشير الى ان المساحة المزروعة بالقمح في الاردن في عام 1940 كانت مليون واربعمئة الف دونم وفي عام 1954 ارتفعت الى مليونين وثلاثمئة الف دونم وكنا نصدر الفائض من القمح والشعير، بينما تقلصت المساحات المزروعة بالقمح في عام 2004 الى 160 الف دونم انتجت 16 الف طن من القمح فقط، بينما كان انتاج الاردن من القمح في عام 1954 مئة وستة وسبعين الف طن صدر منها 3,000 الاف طن. وفي عام 2017 استقبلنا شحنة قمح أميركية بالسجاد الاحمر لان القمح الذي ننتجه لا يكفي سوى 10% من حاجتنا.
 
الامن الاقتصادي سيكون بمثابة الوقاية من الاخطار التي تهددنا اقتصاديا، وهذه كثيرة ومنها السياسات الاقتصادية الخاطئة الناجمة عن سوء تخطيط او عن قصد احداث الضرر.
 
هيئة مكافحة الفساد تتلقى الشكاوى او التهم في قضايا فساد وقد يكون الفأس قد وقع بالرأس، ولكن الامن الاقتصادي هو الذي سيكون بمثابة الفرع الوقائي، فتشكيل هيئة للامن الاقتصادي جلها من الخبراء لوضع الخطط ورسم السياسات الاقتصادية والبرامج القصيرة وطويلة الامد، والتي يجب ان تعمل على تنفيذها الحكومات المتعاقبة لدرء التخبط الذي نراه، بل ومن الضروري ان يكون من ضمن واجبها ايضا مراقبة القرارات الاقتصادية التي تصدر عن بعض المؤسسات الحكومية او غيرالحكومية، فمعظم دول العالم لديها اجهزة متخصصة في الكشف عن التجسس الصناعي لاهميته. فوجود هكذا هيئة اصبح امرا ملحا لا يمكن الاستغناء عنه.
 
waelsamain@gmail.com