Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Sep-2017

مناهجنا الدراسية و«ثقافة الغد» - يوسف عبدالله محمود
 
الراي - سؤال وجيه ومُلحّ يطرحه د. سعيد محمد الحفار في كتابه « البيولوجيا ومصير الانسان». يقول هذا العالم: «إننا نعطي اولادنا دراسات في التاريخ، فلماذا لا نعطيهم أيضاً دراسات عن المستقبل تستكشف فيه امكانيات المستقبل» (سلسلة عالم المعرفة، الكويت ص 254).
 
هذا السؤال ينبغي ان يتم طرحه على معدّي المناهج الدراسية في مدارسنا العربية. لماذا لا نهتم بدراسات المستقبل؟
 
خذ مثلاً «القصص العلمي المعاصر يجب ان ينظر اليه كمادة اجتماعية عن المستقبل اكثر من كونه أدباً، إذ ان فيه عاملاً فعالاً في دعم قوى التخيل اللازمة لخلق مادة التوقع». الصفحة نفسها.
 
نحن في عصرنا هذا بحاجة الى استشراف المستقبل وفقاً لمعطيات مدروسة لا وفق التخمينات الميتافيزيقية. نحن بحاجة الى دراسات ذات محتوى اجتماعي يخدم مقاربة المستقبل. لم يعد مقبولاً أن نحشو عقول تلاميذنا بالمعلومات التي تقتصر فقط على ما هو معلوم اليوم بل لابد من معرفة ماذا يحمل الغد ايضاً!
 
يقول د. الحفار: «المشكلة الجوهرية في بيئة اليوم وبيئة المستقبل اننا كثيراً ما نطبق التكنولوجيا من اجل الربح الاقتصادي العاجل، حوّلنا بيئتنا الى خليط مادي واجتماعي سريع الالتهاب». المرجع السابق ص 255.
 
يدعو هذا العالم الى ترسيخ «ثقافة الغد» القادرة على التوظيف السلمي للتكنولوجيا. «ثقافة الغد» هي التي تصرف اعتبارات الربح الاقتصادي السريع عن تصرفاتنا التي يجب ان تعي الآثار الخطيرة والمدمرة التي يكرسها «الربح الاقتصادي السريع» الذي لا يخدم الحضارة الانسانية. الدكتور محمد سعيد الحفار يريد لإنسانيتنا ألا تظل غارقة في الدماء كما هو حالنا اليوم. يريدنا «ان نبتكر شكلاً من التخطيط اكثر انسانية وأشد تبصراً» ص 262.
 
وعليه علينا ان نواجه تحديات المستقبل بتحدٍّ مماثل لها. علينا الا نستكين امام هذه التحديات «فالتغيير في كل شيء هو الحياة ذاتها». لا يجوز ان نبقى مشدودين الى «لا عقلانية الماضي» ولا الى التقبل السلبي للتغيير، ولا الى اليأس والعدمية. علنيا ان نعتمد اساليب عمل واضحة تؤكد طابعها العلمي.
 
لا يجوز ان تعمينا «الغيبيات» عن وقائع الحاضر ومعطياته. ان المعرفة العلمية مطلوبة اليوم اكثر من اي وقت مضى. هي مطلوبة لخدمة الانسان لا لقتله وإبادته. نحن بحاجة الى تربية أخرى غير التربية التقليدية التي أدمنّا كعرب عليها، تربية تستجيب لعملية تطوير المؤسسات والطرائق والأساليب في إطار من التعاون الدولي في مجالات الاقتصاد والثقافة والتنمية.
 
يدعو المؤلف الى إعداد إنسان جديد قادر على استيعاب القيم الانسانية. نحن اليوم نواجه مشكلات لم تكن مألوفة في السابق. بعلمه اليوم هو قادر على حل هذه المشكلات وتسخير البيئة الطبيعية لخدمته. لا يجوز تدمير هذه البيئة الطبيعية استجابة للنزعة الشريرة التي تتملك اعداء الانسانية.
 
في كتابه يحدثنا المؤلف «كيف تحوّلت السلطة السحرية للعلماء الى سلطة خفية». وهو يشير هنا الى الاغراءات المادية التي أسكرت بعض العلماء الكبار، فانضموا الى السلطة الغاشمة في بلدانهم فسخروا علمهم لخدمة الاغراض العسكرية. «لقد فقد بعض العلماء طهارتهم العلمية فصاروا يتطلعون الى السلطان، فيسعون بطريقة سريعة تعتمد على ابحاثهم للوصول الى المجد او الى المكاسب المادية» ص 222.
 
مثل هؤلاء العلماء بالرغم من قاماتهم الشامخة في مجالات اختصاصهم فقد تساقطوا حين «أضحوا تحت خيمة ما يُسمى العالم المستشار» الذي لا يؤدي رسالته طبقاً لمبادئ الاخلاق العلمية.
 
يبقى ان أدعو- كما دعا هذا المؤلف- الى «تحديث الاخلاق العلمية» وتحديثها يعني تنقية الضمير فلا يعود الربح المادي ديدن العلماء الكبار. يعني التجاوب مع القيم الاخلاقية التي تعادي الحروب التي تدمر حضارة الانسان.
 
وكما يقول هذا العالم «ان كل البشر يتحملون مسؤولية المستقبل» ص 227.
 
وفي تصوري ان من يتحملونها اكثرهم العلماء!